أسعار الأدوية أشد قتامةً على المريض من الفطر الأسود
يعيش الشعب السوري في أصعب حالاته الصحية نتيجة للظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والنفسية، وسوء الأوضاع الغذائية التي وصلت إلى حد الجريمة، إذ لا يتمكن المواطن من تأمين الغذاء الضروري للحفاظ على صحة متوازنة تقيه المرض، حتى أنه أصبح لا يجرؤ على زيارة عيادة الطبيب إذا كشّر المرض عن أنيابه، ويكتفي باستشارة الصيدلاني، وشراء بعض الأدوية الضرورية للخروج من مأزقه الصحي.
أما عن الإجراءات الحكومية بهذا الصدد فهي كالمعتاد تكتفي بالتصريحات والتطمينات، تاركة ذلك المواطن المريض فريسة لجشع واستغلال تجار الأدوية وشركاتها ومورديها ومستودعاتها وصيدلياتها، غير آبهة بهذه الكارثة الإنسانية التي تحصد صحة الملايين من المواطنين.
وبهذا الخصوص نعرض ما تم منذ أشهر قليلة، حيث عمدت شركات الأدوية إلى المطالبة برفع سعر الصناعات الدوائية بنسبة 100% ولم تردّ وزارة الصحة هذه الشركات خائبة، فتم رفع سعر الأدوية بنسبة 30 بالمئة لبعض أصنافها، ولبعضها الآخر كانت النسبة أكبر من ذلك، من جيوب المواطنين المفقرين والمرضى طبعاً، ضاربة بالحالة الإنسانية عرض الحائط، أما ذرائعهم فقد اعتدنا سماعها وهي الحصار الاقتصادي والعقوبات وارتفاع سعر الصرف، متناسين أنّ الصناعات الدوائية يجب ألّا تكون الأرباح فقط من أولوياتها، لأنها عمل إنساني بالدرجة الأولى، ويجب أن تكون الحلول لمشكلاتهم بعيدة عن جيب المواطن الذي يزداد فقراً ومرضاً.
المطالبة برفع الأسعار مجدداً
طالب المجلس العلمي للصناعات الدوائية مجدداً برفع أسعار الأدوية، فبحسب بعض المواقع الإعلامية قال رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، أنّ هناك «تقصيراً» في أسعار الدواء، فتسعير بيعها يتم على سعر صرف 1630 ليرة، بينما تستورد المواد الأولية بسعر 2500 ليرة، وهذا ما سبب خسائر فادحة للمصنعين، ولا يوجد أي صناعي بالعالم يقبل بالخسارة.
هذا ما صرح به رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية مركزاً على جانب الربح والخسارة للشركات، أما أن يفقد المواطن قدرته الشرائية للدواء في حال مرضه فهذا خارج اهتمامات الشركات طبعاً!
وأضاف في حديث لإذاعة ميلودي، كنا نبيع على سعر صرف 1260 ورفع السعر الأخير في حزيران 30% فقط بعدما كانت المطالبات برفع 100%، وبالتالي نحن بحاجة رفع بنسبة 70% حتى نستمر.
وقال مدير معمل ابن حيان للأدوية «عادت مشكلة توفر الأدوية منذ نهاية الشهر الماضي إلى اليوم، بسبب نفاد المواد الأولية لدى المعامل، وغلاء العديد من المواد الأخرى والتكاليف التي ارتفعت، ما زاد الخسارة، علماً أن كل الأسعار ارتفعت عدا الأدوية».
وأشار إلى أن الدعم يقدم للمواد الفعالة الداخلة في صناعة الأدوية، أما باقي مستلزمات الإنتاج (كرتون، زجاج، أنابيب)، فهي تستورد بسعر صرف 3460، متمنياً تعديل السعر بشكل منصف، والتعديل سيكون لإراحة المواطن من حيث توفر الأدوية.
هذا الطلب برفع سعر الأدوية هو المرة الثانية في هذا العام، بعد استجابة وزارة الصحة لطلبهم في المرة الأولى كما ورد أعلاه، مستخدمين أسلوب ليّ ذراع وزارة الصحة، والمرضى من الناحية العملية، بانقطاع أصناف الأدوية، لتستجيب الوزارة بالنهاية لطلبهم وتقوم برفع الأسعار كما فعلت في المرة الماضية.
قطاع وطني هام
مع التأكيد على أنه من الواجب الوطني تشجيع الصناعات الدوائية الوطنية وتطويرها، كونها قطاعاً حيوياً هاماً في سورية أثبت جدارته عبر عقود بجهود مختصّيه وخبرائه وعماله، سواء ناحية تأمين جزء هام من الاحتياجات المحلية للغالبية من الأصناف الدوائية، أو من حيث أنه قطاع تصديري فتح لنفسه أسواقاً خارجية واعدة، ربما تقلصت خلال سني الحرب والأزمة، ولكن ليس من المعقول أن يكون دعم هذه الصناعة من جيوب المرضى الفقراء، وعلى حساب تهديد بقائهم على قيد الحياة!
ثم إن إيقاف عمليات الإنتاج، التي يتم التهديد بها بين الحين والآخر بغاية زيادة الأسعار، وبغض النظر عن صحة ودقة مبرراتها وذرائعها، سوف تدفع المواطن المضطر للدواء إلى اللجوء إلى السوق السوداء، وفتح باب استغلال أسواق الدواء المهرب، وبذلك تكون الصناعات الدوائية الوطنية قد تلقت صفعة إضافية عبر المنافسة مع المهرب والمستورد معاً!
ذرائع مكررة غير مقنعة
في كل مرة يطالب المجلس العلمي للصناعات الدوائية بزيادة أسعار الأدوية يتذرع بالذرائع والمبررات ذاتها، ألا وهي الحصار الاقتصادي ومتغيرات سعر الصرف والعقوبات.
ومن اللافت في الأمر أن الحكومة في الوقت الراهن تؤكد استقرار سعر الصرف وتتغنى به على أنه إنجاز اقتصادي كبير، وفي الحقيقة لم يرتفع سعر الصرف منذ أن طالبت الشركات برفع أسعار الصناعات الدوائية في المرة السابقة، والتي تم التجاوب معها في حينه نسبياً، وتكاليف الإنتاج إن ارتفعت قليلاً بما يخص المواد المتممة للصناعة، من كرتون وعبوات زجاجية وغيره، فمن المستحيل أن يصل إلى الحاجة لرفع السعر بنسبة 70% بحسب ما تمت المطالبة به مؤخراً!
وتجدر الإشارة بأن أهم جانب من تكاليف الإنتاج هي أجور اليد العاملة، وهذه الشركات لم ترفع أجور العمال بزيادة تذكر، هذا إن تمت هذه الزيادة، فهم مستغلون كغيرهم من العمال الذين لا يحصلون إلا على فتات ما ينتجون، فكل ما تقدمه الشركات من مبررات ماهي إلا ذرائع لتسويغ سلوكها الهادف إلى زيادة الأرباح فقط لا غير.
ماذا عن الرقابة على الأدوية!
ما يزيد الطين بلة هو انفلات سوق الدواء، وخاصة بعض الأصناف التي تعاني من قلة في الانتاج، أو من الفقدان، لأي سب كان!
ففاتورة أسعار أدوية أي مرض بسيط أصبحت تقدر بعشرات الآلاف من الليرات السورية، فكيف الحال مع فاتورة الأمراض المزمنة والخطرة، أو أمراض المناعة والسرطانات؟!
فنجد كثيراً من الصيادلة يعمد إلى تسعير بعض الأدوية بما يتوافق مع مصلحتهم في الربح، وفي الحقيقة فإن سعر الدواء المعمم من وزارة الصحة كثيراً ما يخضع لتلاعب بعض الصيادلة، أو من قبل المستودعات والمستوردين والمنتجين، برفع سعره مرة واحتكاره مرة أخرى، فكيف الحال مع الأصناف غير المتوفرة أو المفقودة، والخاسر الوحيد في هذا السباق نحو المزيد من الربح وتفادي انخفاضه هو المواطن المريض، الذي قد يضطر إلى تقنين تكاليف طعامه وشرابه من أجل علبة دواء تنقذه من فكّي المرض والموت، والأخطر هو الاضطرار لشراء أدوية مجهولة المصدر، المهربة وغير المراقبة، لا مواصفة ولا مصدراً ولا سعراً!
فهل من ينجد المواطنين من هذا الكارثة الإنسانية التي تحيط بهم، إذ حرموا من الراحة ومن الغذاء، والآن سيفقدون قدرتهم على شراء الدواء!
ونعود إلى قول رئيس المجمع العلمي للصناعات الدوائية حيث قال: لا يرضى أي صناعي في العالم أن يقبل الخسارة.
ونقول له هل يرضى أي شريف في العالم أن يموت الناس مرضاً، ليس لخطورة المرض، بل بسبب العجز عن تأمين الدواء؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1043