القطاع الزراعي وإستراتيجية الانهيار المتكاملة
عبير حداد عبير حداد

القطاع الزراعي وإستراتيجية الانهيار المتكاملة

طرحت وزارة الزراعة يوم 6 تشرين الثاني الجاري، إستراتيجية متكاملة لإدارة القطاع الزراعي، وتتبع تنفيذ الخطتين الإنتاجية والاستثمارية للموسم القادم2021-2022، بالإضافة لتتبع نتائج ملتقى القطاع الزراعي الذي عقد يوم 7 تموز الماضي.

وخلال الاجتماع ناقش وزير الزراعة، مع كافة المدراء المركزيين ومدراء الزراعة والهيئات والمؤسسات التابعة لوزارة الزراعة، تتبع الخطتان الإنتاجية والاستثمارية، إضافةً لمستلزماتهما والصعوبات التي تعترضهما، كما قدم الوزير خلال الاجتماع عرضاً حول إستراتيجية الإدارة القطاعية لتحقيق الكفاءة واستدامة الزراعة للأعوام من 2021-2030 والمنبثقة من مخرجات ملتقى تطوير القطاع الزراعي.

تفاصيل الخطة الإنتاجية المقبلة!

وُضِعَت الخطة الإنتاجية وفقاً لرؤى وزارة الزراعة والقائمين عليها، لتشمل المحاصيل الإستراتيجية للموسم القادم بالدرجة الأولى، التي تمس الأمن الغذائي الوطني بشكل مباشر، بدءاً من خطط المساحات الزراعية التي ستغطي كل محصول، على الشكل التالي:
زراعة 1,5 مليون ونصف هكتار من القمح، 556118 هكتاراً منها تقع ضمن الأراضي الآمنة.
1,4 مليون و400 ألف هكتار شعير، 482632 هكتاراً منها تقع ضمن المناطق الآمنة.
4385 هكتار شوندر سكري.
16146 هكتار قطن.
30054 هكتار بطاطا ربيعية وصيفية وخريفية وبعل.
11950 هكتار تبغ.
28767 هكتار ذرة صفراء.
9183 هكتار بندورة وكلها في المناطق الآمنة.
أما عن التحضيرات التي اتخذت لإنجاح الخطة المقبلة، تجنباً للفشل الذريع السابق، والمتتالي! فقد تم تأمين المستلزمات التالية:
70 ألف طن من بذار القمح.
60% من احتياجات القطاع الزراعي من المحروقات، وذلك وفق أقصى الإمكانات المتاحة.
55 ألف طن من الأسمدة متاحة حالياً في المصارف، منها 25 ألف طن فوسفاتية و30 ألف طن آزوتية.
وكما أضاف الوزير، أن تلك المستلزمات الإنتاجية الأنفة الذكر، ما زالت مدعومة بـأقل من 15% عن سعرها الرائج، مؤكداً أنها مخصصة فقط للمناطق الزراعية الآمنة، مشيراً إلى أن المساعي مستمرة لاستمرار الزراعة في المناطق غير الآمنة واستقطاب أكبر كميات إنتاج منها.

إستراتيجية رهينة الوقع ملموس!

كل تلك العروض والترتيبات الواجب اتخاذها لضمان تنفيذ الخطة الزراعية للموسم الشتوي الحالي التي تشمل محاصيل القمح والشعير بالإضافة لإمكانية زراعة أكبر مساحات ممكنة، التي تطرق إليها الوزير، وما ناقشه حول واقع تسويق محصولي القطن والذرة، وتأمين مستلزمات الإنتاج من محروقات وأسمدة وبذار، وتشديد من ناحيته على ضرورة التفاعل المباشر بين المعنيين في المحافظات والفلاحين لمعرفة ماهي احتياجاتهم من مستلزمات الإنتاج، وعرض المشاكل لتقديم الحلول لها، في الواقع هي ضرورات لا بد منها لإنجاح أية خطة زراعية.
ولكن تبقى تلك الإستراتيجية حبيسة الأوراق الملونة بالقليل من الحبر، ما لم يطلق العنان الحقيقي لتأمين مستلزمات الإنتاج الفعلي الذي يخدم ويلبي مطالب المزارعين والفلاحين، ويحل كل تلك المشاكل السابقة والحالية، والتي ستبقى قائمة تعترض ما تستلزمه تلك العملية الإنتاجية، طالما أن الحلول هنا ما زالت حتى هذه اللحظة ورقية، وتتردد على شفاه المسؤولين بعيداً عن التطبيق الحقيقي.
فبماذا تختلف هذه الإستراتيجية التي يدعونها «إستراتيجية متكاملة لإدارة القطاع الزراعي»، عما سبقها مما سموه «عام القمح»، وأمثلة كثيرة أخرى؟!
طبعاً كثيرة هي الخطط التي سبقت هذه الإستراتيجية، وكان حليفها الفشل الذريع، نتيجة لعوامل ومشاكل عدة، كانت تصب مصلحة إفشالها في بوتقة القائمين على عمليات الفساد والإستيراد الذي يملؤون مطمورتهم السنوية من جيوب المواطنين الذين قطعوا عتبة الفقر بأشواط، بل باتوا تحت عتبة الأمن الغذائي والجوع بدرجات.

سياسات ثابتة رغم مؤشرات الارتفاع العالمية

مثل هذه الإستراتيجية يمكن القول: إنها غير مجدية مع الواقع السوري الذي يعاني ضغوط الحصار والعقوبات الغربية، ناهيك عن النتائج الكارثية لسنيّ الحرب التي أدت إلى تراجع كافة القطاعات، ومنها قطاع الزراعة والإنتاج الزراعي بشكل كبير، بالإضافة لرفع الدعم المتتالي، والمضي قدماً بسياسة الاعتماد على استيراد جميع المواد القابلة للإنتاج محلياً، مع الإشارة أنها ليست فقط قابلة للإنتاج، بل كان تاريخ إنتاجها عريقاً، ويصدر فائضه إقليماً وعالمياً، والملفت حقاً، أن سياسة الاستيراد ما زالت مستمرة رغم العقوبات والحصار الغربي، وحتى مع ما يشهده واقع السوق العالمي من ارتفاع في أسعار السلع الغذائية والحبوب، بالإضافة لارتفاع تكاليف أجور النقل والشحن.
فحسب تقرير لمنظمة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة يوم 4 من الشهر الجاري، أن مؤشر الأسعار العالمية للأغذية قد قفز مجدداً إلى ذروة جديدة، ولنعطي بعض الأمثلة التي ذكرها التقرير للمقارنة بين أشهر عدة من العام 2021 وفق الجدول التالي، مع الإشارة إلى أن مؤشر الزيادة هنا يقاس بالنقاط:

1043-i1

فكيف يمكن تحقيق اقتصاد زراعي تنموي تنافسي مع مثل هذه الإستراتيجية والإدارة القطاعية المستقبلية التي يتحدثون عنها، ونحن ما زلنا نستورد للقطاع الزراعي «الحبوب والبذار بالإضافة للأسمدة الزراعية والمبيدات الحشرية»، وفق فواتير أعلى من التكاليف العالمية بحجج العقوبات الاقتصادية، ونحن قادرون بقليل من الإرادة الوطنية للمتنفذين على القرارات بإنتاجها محلياً، لتوفير تكاليف الاستيراد هذه لدعم العملية الإنتاجية، التي تؤدي فيما بعد لخلق اقتصاد تنافسي حقيقي؟
كيف يمكن إعادة إحياء الزراعة وعراقة الإنتاج للمحاصيل الإستراتيجية كما السابق، ودعم مستلزمات الإنتاج يتراجع من سيء إلى أسوأ ابتداءً من «المبيدات الحشرية إلى الأسمدة الزراعية وصولاً للمحروقات»؟ فالدعم المقدم حالياً لا يصل لحدود الـ 40% بأحسن الأحوال، تاركين المزارع يصارع غلاء الأسعار في الأسواق الحرة لتأمين باقي مستلزماته، مع غياب الرغبة الحقيقية لضبط الأسواق وأسعارها، ناهيك عن القرارات المتوحشة المتكررة لرفع الأسعار، التي كان آخرها رفع أسعار الأسمدة والمحروقات التي تؤثر بشكل مباشر على العملية الإنتاجية الزراعية، وفي نهاية المطاف يأتي أحد المسؤولين ليضرب المزارع بحجر كبير بقوله: نحن نقدم الدعم للمزارع من أسمدة وبذار ومحرقات، وعند شراء المحصول منه، تقدم له أسعار تسويقية، حسب مستلزمات الإنتاج الفعلية في السوق وليست المدعومة، والحقيقة، أن الاستمرار وفق السياسات الحالية يعني الذهاب نحو إستراتيجية متكاملة لانهيار القطاع الزراعي، وليس لتطويره!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1043
آخر تعديل على الثلاثاء, 09 تشرين2/نوفمبر 2021 14:28