مواسم الـ «شوفينغ»
لدى المواطن السوري، في هذا الوقت من كل سنة، مواسم متتالية كـ «العام الدراسي الجديد وملحقاته والمؤنة... انتهاءً باستقبال فصل الشتاء وما يتبعه من تحضيرات بما يخص مازوت التدفئة، أو أية وسيلة للتدفئة (إن وجدت) واللباس الشتوي».
وعام بعد آخر، تأخذ هذه المواسم المتتالية بالتقلص، تدريجياً وبالإجبار، ورغماً عن جميع المسحوقين شاؤوا أم أبوا!
لكن الصدمة هذا العام، هي ما شهده المواطن من العجز الحقيقي، والاستغناء الكلي عمّا يُسمى بـ «المواسم بجميع أشكالها وأوقاتها» بسبب الأسعار المحلقة عالياً في السماء، والمارة فوق رؤوس الجميع، من المفقرين والمعدمين والمنهوبين، لذلك تحولت المواسم في سورية لمواسم «شوفينغ» فقط، أي أن المواطن المسحوق يرى كل الأصناف والاحتياجات في أي موسم، ولكن دون القدرة على الحصول على أيّ منها!
الملابس الشتوية تزقزق مع العصافير
كالعادة في كل سنة، تحلق أسعار الملابس الشتوية عالياً، بالرغم من انعدام الطلب عليها في الأسواق التجارية، وكالعادة المتهم الأول بهذه العملية، حسب أقوال التجار، هو: ارتفاع التكاليف وأجور النقل والعقوبات، التي تشمل اللباس والشراب، وسعر صرف العملة الأجنبية وأفعالها، كمبرر للزيادة الفاحشة بالأسعار على أرض الواقع.
فمع بداية الموسم الشتوي شهدت الأسواق ارتفاعاً جديداً على الأسعار أكبر من كل الغلاء الذي لامس الأسواق في الأعوام السابقة.
فمثلاً: «تبدأ أسعار بناطلين الجينز النسواني من الـ 25 ألف ليرة، وكنزات الصوف تبدأ من الـ 30 ألف ليرة، وبيجامات تبدأ من 35 ألف ليرة، أما بالنسبة للجواكيت الشتوية فحدث ولا حرج، حيث تبدأ الأسعار من 100 ألف ليرة في الأسواق الشعبية».
وإذا أردنا أن نتكلم عن الرفاهية، فيمكننا ذكر سعر «الشحاطة الشتوية» مثلاً، والتي تبدأ بسعر الـ 50 ألف ليرة فقط لا غير، إضافة إلى ذلك أسعار ألبسة الأطفال التي رفرفت عالياً، وأخذت بالزقزقة مع العصافير.
وهكذا فقط أصبح اقتناء الملابس الشتوية الجديدة حلماً صعب المنال لدى عامة الشعب من المفقرين، ولهذا فقد أصبحت الأسواق مجرد «شوفينغ» أيضاً، طبعاً باستثناء الفئة المسيطرة والناهبة وذويهم.
سوق البالة يحلق أيضاً
سابقاً، وبالتزامن مع الغلاء الفاحش الذي لامس الأسواق التجارية للملابس الجديدة، لجأ المفقرون والمعدمون إلى أسواق الألبسة الأوروبية- المستعملة «البالة» للحصول على بعض احتياجاتهم الأسرية، خصوصاً لاقتناء الجواكيت كي تحميهم من البرد القاسي الذي يعيشونه في ظل انعدام أية وسيلة من وسائل التدفئة، وبسبب الأسعار الباهظة في الأسواق للألبسة الجديدة. أما اليوم وبالحجج ذاتها المتكررة في كل عام فقد شهدت أسواق البالة والألبسة المستعملة ارتفاعاً جنونياً بالأسعار أيضاً، وبما يفوق الخيال!
فلم تعد هذه الأسواق «الشعبية» مقصداً للتسوق بالنسبة للمواطنين، ولم يعد ثمن القطعة، حتى من بسطاتها، أرحم من غيرها، بل أصبحت مثلها كباقي الأسواق والمحلات التجارية، غالية الثمن جداً وخالية من مستقطبيها.
جميعها كماليات
سابقاً، لدى السوريين، كان هناك ما يسمى بـ «الأساسيات والكماليات»، حيث تشمل الأساسيات الطعام والشراب واللباس والطبابة، أما بالنسبة للكماليات فقد شملت الملحقات الحياتية الترفية والتسلوية، أو ما يسمى بالرفاهيات.
وكما هو متعارف عليه، فإن اللباس يعتبر من الأساسيات، أما اليوم وتحت الحجج والذرائع فقد تحول جزء هام من الطعام والشراب لدى المواطن «المشحتف» لـ «كماليات»، ومن الصعب الحصول عليها إلّا بعد بذل جهد وتعب على مدار الشهر، وبحجج الناهبين والمسيطرين على الأسواق بجميع أنواعهم، أصبحت جميع الأسواق في سورية عبارة عن أسواق «شوفينغ» وحسرة وعجز على مدار السنة وفي جميع المواسم.
النهب الكبير وسوء توزيع الثروة
المفجع، أن كل شيء موجود في الأسواق، وعلى كل ضرس لون، وبما تشتهي النفس، من السيارات الحديثة إلى الجوالات بأحدث إصداراتها، إلى الفواكه المختلفة، بما في ذلك الإستوائية مرتفعة الثمن، وليس آخراً بكافة أنواع المأكولات والألبسة مرتفعة الثمن المخصصة للنخبة من الناهبين، حيث تتهاوى كل مبررات الحصار والعقوبات والدولار أمام المشاهدات في الأسواق والمولات والمطاعم والملاهي، لتظهر الحقيقة الفجة حول سوء توزيع الثروة في البلاد، والنهب الكبير الجاري بحق البلاد والعباد.
فالنخب الثرية، حيتان التجار والفاسدين وأمراء الحرب وتجار الأزمة، لهم الحق بامتلاك واستهلاك الأساسيات والكماليات ووسائل الترفيه، مع «البعزقة» في الصرف الترفي على ملذاتهم، فيما تُحرم الغالبية المسحوقة حتى من كفايتها من الطعام!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1042