تمهيد لرفع سعري جديد للغاز المنزلي والصناعي
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

تمهيد لرفع سعري جديد للغاز المنزلي والصناعي

استعرض وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عبر صفحته الشخصية بتاريخ 22/10/2021، بعض مصادر أسطوانات الغاز المنزلي التي توفرها السوق السوداء، ممهداً إلى رفع سعري قادم للغاز المنزلي والصناعي «بنسبٍ لا تؤثّر على المواطن»، دون تحديد لهذا لسعر، أي تمهيد لتخفيض جديد على الدعم المقدم باسم هذه المادة!

وقد تناسى الوزير، أو غيّب، القضية الأهم في جعل السوق السوداء نشطة على هذه المادة وسواها، وهي عدم توفرها، أو نقصها، في السوق النظامي بما يكفي حاجات الاستهلاك الفعلي، مما يضطر المواطنين للجوء إلى ما توفره السوق السوداء منها، وبالسعر الذي تفرضه عليهم، استغلالاً ونهباً وفساداً.

استفاضة منقوصة

استفاض وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالإجابة على تساؤله: «من أين يأتي الغاز بسعر لا يقل عن ١٠٠ ألف ليرة طالما أنّ الغاز يوزّع على البطاقة الذكيّة»؟ دون أن يقدم حلولاً ناجعةً للحد من النشاط الاستغلالي لشبكات هذه السوق!
حيث حدد مصادر الغاز الذي يباع في السوق السوداء بالتالي: حصص بعض من يقيمون بالخارج– حصص تفوق حاجة بعض المنشآت– حصص محلّات ومنشآت توقّفت عن العمل– بيع جزء كبير من حصص جهات ونشاطات وجمعيّات تحصل على الغاز بموجب موافقات ورقيّة– سرقة كيلوغرام تقريباً من كل قارورة غاز وتعبئتها في قوارير فارغة من قبل معتمدي الغاز.
إن جميع النقاط أعلاه معروفة مسبقاً، ولا جديد فيها، وهي سلفاً تعتبر في عهدة وزارتي النفط والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، وبمسؤوليتهما مشتركتين، وبنفس الوقت فإنها لا تجيب على السؤال الأهم الذي كان من المفترض أن يطرحه الوزير، وهو: لماذا توجد السوق السوداء أصلاً، وما الذي يفرض الضرورة للجوء إليها بسعرها الاستغلالي الخيالي؟

أزمة مستمرة بلا حلول

إن إطلاق مفردة «أزمة» على مشكلة الغاز، المنزلي أو الصناعي، لم تعد كافية، وكذلك فإن عبارة «السوق السوداء» لم تعد تعبر عن حقيقة حجم استغلال حاجة المواطنين لهذه المادة «المدعومة».
فالمبررات والذرائع الرسمية، عن التقصير في توزيع أسطوانات الغاز للمستحقين، لها بداية وليس لها نهاية، مع الضرب بعرض الحائط باحتياجات المواطنين الفعلية من هذه المادة الهامة.
أما الجديد على مستوى الذرائع والمبررات، فهو ما تم طرحه من قبل الوزير من خلال عبارة «كلّ هذا في وقتٍ يشهد فيه العالم أزمة غاز منزلي. وارتفعت فيه الأسعار وأجور النّقل».

تخفيض دعم متتالٍ ومستمر

قصة التوريدات ونقصها والتأخر بها أحد المبررات، وقصة العقوبات والحصار مبرر آخر، والتكاليف والنفقات وكتلة الدعم المصروف على هذه المادة مبرر إضافي كذلك الأمر، لتأت أخيراً أزمة الغاز المنزلي العالمية المترافقة مع ارتفاع الأسعار وأجور النقل، بحسب كلام الوزير!
وبناء عليه، فقد جرى خلال السنوات السابقة تخفيض متتالٍ للدعم على الغاز المنزلي، سواء عبر رفع السعر المباشر لأسطوانة الغاز ولعدة مرات، أو من خلال تخفيض كمية الغاز في كل أسطوانة، ولعدة مرات أيضاً، حتى وصلنا إلى أسطوانة الغاز الموزعة حالياً بسعر رسمي 4200 ليرة، وبوزن 8 كغ غاز فقط، طبعاً يضاف إلى ذلك نوع آخر من تخفيض الدعم، يتمثل بزيادة المدة بين مواعيد استلام أسطوانات الغاز للمستحقين بموجب البطاقة الذكية، والتي وصلت إلى مدة غير مسقوفة مؤخراً!
وبعد كل ما سبق، قدم لنا الوزير تمهيداً جديداً لرفع سعر الغاز المنزلي والصناعي، أي تخفيض جديد على الدعم المقدم لهذه المادة، حيث قال: «لذلك علينا أن نعالج تلك الثّغرات المذكورة أعلاه وبسرعة، إصافةً إلى رفع تسعيرة الغاز المنزلي والصّناعي بنسبٍ لا تؤثّر على المواطن».
فهل رفع السعر المرتقب رسمياً على الغاز المنزلي والصناعي سيكون «بنسبٍ لا تؤثّر على المواطن»!؟

طوابير إلكترونية طويلة

إن توزيع أسطوانات الغاز المنزلي على المواطنين بات مؤتمتاً ومتحكماً به من خلال البطاقة الذكية والرسائل، وفعلاً فقد اختفت طوابير الانتظار في الشوارع، لكنها استبدلت بطوابير إلكترونية طويلة، حيث أصبح صاحب الاستحقاق متابعاً لمتغيرات تسلسل دوره عبر تطبيق «وين»، انتظاراً للرسالة الميمونة التي تبلغه بموعد استلامه لأسطوانة الغاز من الموزع المعتمد، مع منحه مدة 24 ساعة للاستلام.
المدة بين موعدي استلام أسطوانة الغاز كانت بالبداية 23 يوم، ثم تزايدت هذه المدة وصولاً إلى 60 يوم، ومؤخراً تزايدت هذه المدة بحيث لم تعد هناك مدة محددة ومسقوفة، ففي بعض المدن قد تصل المدة بين موعدي الاستلام إلى 65 أو 70 يوماً، بينما في مدن أخرى قد تصل المدة إلى 90 يوماً، وذلك بحسب بعض المواطنين، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الفوارق النسبية بالتوزيع بين المعتمدين في نفس المدينة أيضاً.
وهذا بالضبط السبب الرئيس لتغول نشاط شبكات السوق السوداء على احتياجات المواطنين وفرض أسعارها الاستغلالية عليهم، وكل ما عدا ذلك ذرائع!

مليارات السوق السوداء سيدة الموقف

الطامة والكارثة لم تعد مقتصرة على المدة الفاصلة بين مواعيد الاستلام، فقد سبق أن لجأ بعض المواطنين إلى السوق السوداء لتأمين حاجتهم من الغاز المنزلي، بسبب التأخر في عمليات التسليم النظامية، حيث كان سعر أسطوانة الغاز في هذه السوق يتراوح بين 15-25 ألف ليرة، لكن منذ عدة أشهر وحتى الآن تزايد هذا المبلغ وصولاً الى أرقام فلكية، فقد وصل سعر أسطوانة الغاز إلى أكثر من 100 ألف ليرة.
فبعد كل الحديث عن أهمية الأتمتة والذكاء، ها هي أسطوانات الغاز تسرح وتمرح في السوق السوداء، لكن بسعرها الاحتكاري المرتفع والخيالي، وما على المواطن المحتاج إلا الرضوخ لمشيئة المتحكمين في هذه السوق، ودفع ما يفرض عليه من سعر!
ولا داعي للحديث بأن كل ما هو موجود من أسطوانات في السوق السوداء مصدره شركة محروقات، بغض النظر عمن يقوم بعملية البيع والتوزيع من شبكات تعمل في السوق السوداء، وبغض النظر عن كل ما قدمه الوزير من مصادر لهذه السوق، فشركة محروقات هي المصدر والموزع الوحيد لهذه الأسطوانات افتراضاً، والكميات المسلمة للموزعين من المفترض أنها باتت مراقبة ومتحكم بها عبر الذكاء!
فأين المشكلة؟ وكيف لم يتم التمكن من ضبط إيقاع حركة أسطوانات الغاز وصولاً إلى مستحقيها؟ وبالتالي الحد من دور وحجم السوق السوداء الاستغلالي الكبير!
ولعل الأهم، هو حجم النهب في هذه السوق، والذي أشار له الوزير، حيث قال: «المشاكل التي تثبّت بالدليل القاطع، لا بدّ من أن تعالج. مهما أزعجت لصوص الغاز وجعلتهم يستأجرون أقلاماً تكتب لتبرّر لهم بقاء الوضع الحالي الًذي يجعلهم يجمعون المليارات على حساب المواطن والدّولة».
لكنه أيضاً أغفل مجدداً أن هذه «المليارات على حساب المواطن والدّولة» لا تشتري بعض الأقلام فقط، بل والكثير من الذمم أيضاً، نهباً وفساداً وتبريراً!

الحكومة دائماً متفاجئة

تجدر الإشارة إلى أن مشكلة التوريدات مرتبطة أصلاً بالتعاقدات التي من المفترض أن تكون معدة ومتفق عليها مسبقاً مع الموردين، أياً كانوا هؤلاء، وذلك لتأمين حجم الاحتياج الفعلي من المادة، كي لا نقع بالنقص المتكرر، وبالتالي شرعنة السوق السوداء لتأمين احتياجات المواطنين المضطرين!
فواقع الحال المسيطر منذ سنوات وحتى الآن، يقول: إنه وفي كل مرة تتفاقم بها أزمة الغاز يتم التذرع بنقص التوريدات أو بالتأخر فيها، وصولاً إلى تخفيض الدعم على هذه المادة، وكأن عامل المفاجأة هو الطاغي والمسيطر على عمل الحكومة ووزارة النفط وشركة محروقات!
بمقابل ذلك، نراقب ونسجل ما يتحفنا به الرسميون من تفسيرات وحلول لا تصب إلّا في مصلحة السوق السوداء، وعلى حساب المواطنين!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1041
آخر تعديل على الإثنين, 25 تشرين1/أكتوير 2021 23:33