لقاء وزير التربية مع قناة نور الشام.. قيم تربوية أم تلميع؟
عمار سليم عمار سليم

لقاء وزير التربية مع قناة نور الشام.. قيم تربوية أم تلميع؟

أجرت قناة نور الشام الفضائية مؤخراً لقاءً تلفزيونياً مع وزير التربية، طرح المُقدِّم من خلالها على الوزير عدة أسئلة، وكانت فيما يخص تطوير المناهج والتعليم الوجداني والاجتماعي، وغيرها من الأسئلة المعدة مسبقاً، لا من تساؤلات الشارع، بل تم إعدادها مسبقا لتبرير وتوضيح ما تقوم به الوزارة من خطوات.

ولا شك أن بعض الكلام الذي تحدث به الوزير يرسم لوحة ناصعة عن مستقبل التعليم في سورية، وأن مثل هذا الكلام يبعث الطمأنينة في نفس المجتمع.

إنجازات بلا عوائق!

لقد عرض الوزير خلال اللقاء «الإنجازات» التي قامت بها وزارة التربية في تطوير المناهج، وأن المنظمات الدولية قد أصابها «الذهول» مما حققه المعلمون رغم ظروف الحرب والحصار الاقتصادي، وأن «التجربة السورية» في التعليم هي في الريادة على مستوى العالم بما حققته من نجاحات، وأن العمل التربوي في المدارس يقوم على «أتم وجه»، فلم يتخلف مدرس عن الالتحاق بالمدارس رغم كل الصعوبات.
واللافت في اللقاء، أنه لم يسلط الضوء على العائق أمام العملية التربوية، بدءاً من تجهيز المدارس ومستلزماتها، وانتهاءً بالفساد الناخر في المؤسسة التربوية، واكتفى بعرض الإنجازات وتلميعها عبر اللقاء!

تغيير وليس تطوير!

جرى الحديث خلال اللقاء عن أهمية تطوير المناهج كونها حاجة اجتماعية ومواكبة للتطور الإنساني في العالم، وهذا حقٌّ، ولكن ما نود أن نقوله: كيف تم تطوير المناهج التربوية منذ بدايات الأزمة، وهل حققت الهدف المنشود من التغيير، وماذا يختلف آخر تطوير من عامين عن سابقه؟
في الحقيقة، ومن خلال آراء المدرسين، أنه لم يكن تطويراً، بل تغييراً، وأن السلبيات ما زالت موجودة في المناهج الجديدة، بل ازدادت مشكلاتها تبعاً للشرخ الكبير بين واقع التعليم وبين الكتب المحدثة، وإن كان هناك تطوير في بعض الإستراتيجيات في طرح المعلومات، فهناك تراجع كبير على صعيد محتوى المادة العلمية، ما سبّب تراجعاً في المستوى العلمي لدى الطلاب، وهذا لا ينكره أي معلم، إلّا ما ندر في بعض المواد التي نالت اهتماماً كبيراً من بعض لجان الإشراف، وأكبر دليل على هذا التراجع انخفاض مستوى الطلاب حتى في الحلقة الأولى، إذ ارتفعت نسبة الطلاب الذين لا يتقنون القراءة والكتابة إلى حد الأمية، وذلك بعد طرح المناهج الحديثة.
ونلخص القول، إن الوزارة عملت على تطوير تقنيات التعليم نظرياً في الكتب، وعملت على تراجع محتوى المادة العلمية، وهذا واضح لدى المتخصصين والمعلمين.

عناءٌ فوق المعاناة

تطرق الحديث كذلك خلال اللقاء إلى أهمية تطوير الذات والمهارات والمشاريع، من خلال طرح مادة التعليم الوجداني والاجتماعي، مع الإشارة إلى أن الوزارة عملت على تدريب المعلمين من خلال دورات تشرف عليها، علماً أن هذه الدورات كانت عبارة عن جلستين فقط خلال يومين!
ونشير هنا إلى أهمية تطوير الذات، وكل ما تم التحدث عنه، وهي موجودة أيضاً ضمن نسيج مادتي التربية الاجتماعية واللغة العربية، من جانبها القيمي والاجتماعي، والمدرس المتمكن يستطيع أن يطور الطالب مهاريّاً وذاتياً ونفسياً دون أن تُلقى على كاهله مادة جديدة يتحمل تبعاتها ومستلزماتها، لتزيد من عنائه فوق معاناته، هذا طبعاً إذا ما كان المعلم مهيأً مادياً ونفسياً واجتماعياً!

اعترافات بجهود المعلمين وتقصير الحكومة بلا حلول!

من تابع اللقاء يلحظ أن التركيز على موضوع تقديم الجديد ضمن «الإمكانات المتاحة»، كعادة أي قطاع حكومي بتبرير العجز وسوء الخدمات، والذريعة جاهزة ومعروفة، وهي «الحصار الاقتصادي وقلة الموارد».
فبعد السؤال الذي طرحه معد البرنامج عمّا تقدمه وزارة التربية للمعلمين، تمت الإشادة بدور المعلمين وجهودهم، وأنهم هم الجنود الذين يعملون بصمتٍ وتفانٍ لا مثيل له في العالم، وأنهم هم الذين حافظوا على بنية التعليم في سورية رغم كل العوائق والصعوبات، وهذا صحيح لا شكّ، وجرى التشجيع على تقديم «حوافز» للمعلمين تشجعهم على الاستمرار برسالتهم!
ولكن ماذا تفعل الحوافز أمام واقع المعيشة الطاحن، إذا لم يتغير الوضع المعيشي للمعلم، وحصل على أجر يراعي وسطي المعيشة للأسر الذي تجاوز الـ 1800000 ليرة، وهو يتقاضى تكاليف أول يوم في الشهر فقط!
أما الحديث عن زج المنظمات الدولية في تمكين التعليم في سورية، بما يخص تمويل الدورات التي تقام لتطوير المعلمين وتطوير مقدراتهم، فهذا صحيح، ولكن الواقع يقول: إن هذه الدورات الممولة من قبل المنظمات لا يحصل المدرس منها إلّا على جزء يسير.. «من الجمل أذنه»!
مثال على ذلك: دورات الاستلحاق التي أقيمت في آخر شهر شباط، خضع فيها ثلة من المعلمين لدورات تدريبية لمدة أسبوعين، ولم يحصلوا إلا على 18000 ليرة سورية في شهر أيلول، وإلى الآن لم يحصلوا على أجر حصصهم الدرسية من دورة الاستلحاق، رغم أنهم وقعوا على استلامها من شهر حزيران، أي من الشهر السادس، مع أنها ممولة مسبقاً من منظمة «اليونسكو»، فأين هذه الأموال التي تدعم المدرسين، وفي أي مصرف تقبع؟!

طرح مشروع الحكومة للتعليم المأجور!

من أغرب ما تم طرحه في اللقاء، كان الحديث عن قبول الحكومة لفكرة افتتاح بعض المدارس بأسعار «مقبولة»، رغم الاعتراف بأن المدارس المجانية العامة هي أكثر فاعلية، وما هذه إلّا خطوة أولى تجاه أن يذهب التعليم إلى الطبقية شيئاً فشيئاً بعد مسيرة خصخصته، وربما انتهاء بإلغاء مجانية التعليم، ونعلم أن مجانية التعليم في سورية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، ومع ذلك تم طرح مثل هذا الطرح وعلى قناة رسمية!
خلاصة القول: إن التربية والتعليم لن ينهضا إلا بتغيير جذري للاقتصاد والحالة الاجتماعية، وليس «بترقيعات» على مستوى مادة ضمن منهاج، أو حوافز للمعلمين، لا تكفي ثمن حذاء في السنة!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1041
آخر تعديل على الإثنين, 25 تشرين1/أكتوير 2021 23:32