الرواتب والأجور لا تلعب كرة القدم

الرواتب والأجور لا تلعب كرة القدم

النسخة الأخيرة المستحدثة من نماذج «الديمقراطية السورية» كانت محاولة إرضاء جمهور كرة القدم!

فذلك الجمهور الممتعض، بعد الخسارات المتتابعة للمنتخب الوطني، ظهر وكأنه فرض وجوب تلبية مطالبه «الديمقراطية» التغييرية فوراً، عبر استقالة «القيادة الكروية»، والدعوة لمؤتمر استثنائي لاتحاد اللعبة.
وبعيداً عن الخوض في التفاصيل الرياضية، بما لها وما عليها، نتساءل:
ماذا بشأن ديمقراطية جمهور الخبز الممتعض، مثلاً، إذا ما فكر وطالب بالتغيير أيضاً، ودعا إلى مؤتمر استثنائي لرغيف الخبز فوراً؟
فهل هناك أهم من رغيف الخبز، القوت اليومي للمواطنين، الذي يمثل أمنهم الغذائي بحده الأدنى، بعد كل ما أصابه من فساد ونهب وموبقات، باسمه وباسم الدعم المصروف عليه؟!
وماذا بشأن ديمقراطية جماهير الغاز والمازوت، إذا ما فكروا وطالبوا بالتغيير أيضاً، ودعوا إلى مؤتمرٍ استثنائي فوراً، ليس من أجل توزيع عادل للمحروقات، بل من أجل تأمينها بعيداً عن استغلال السوق السوداء؟
وماذا بشأن ديمقراطية جمهور الماء والكهرباء إذا ما فكروا وطالبوا بالتغيير، ودعوا إلى مؤتمرٍ استثنائي لحل أزمات الماء والكهرباء؟
وهناك ديمقراطية جمهور الأحياء المهمشة وأحزمة الفقر حول المدن وبداخلها، الذين يريدون التغيير أيضاً والدعوة لعقد مؤتمرٍ استثنائي لحل مشكلة السكن والخدمات جذرياً.. وجمهور الأرياف الذين يريدون التغيير لإنعاش الريف تنموياً واقتصادياً وخدمياً.. وثمة طبعاً من يريد التغيير بما يخص الطبابة والعلاج، والدعوة لعقد مؤتمرٍ استثنائي عاجل من أجل الضمان الصحي الحقيقي والفعلي لعموم المواطنين في البلاد.. والطلاب يريدون التغيير في السياسات التعليمية والدعوة لمؤتمرٍ عاجل من أجل التعليم المجاني لجميع السوريين، بعيداً عن تكريس الطبقية فيه.. والعمال الذين يريدون التغيير، والدعوة لمؤتمرٍ عاجل من أجل مطالبهم الكثيرة والقديمة والمتراكمة وخاصة تعديل سياسات الأجور، وتفعيل دور النقابات في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة.
ولعل الأهم، ماذا بشأن ديمقراطية أصحاب الرواتب والأجور إذا ما فكروا وطالبوا بالتغيير، ودعوا إلى مؤتمرٍ استثنائي من أجل توزيعٍ عادل لثروة البلاد، التي يستحوذ عليها أصحاب الأرباح من كبار الحيتان؟
لقد تجاهلت النسخة المسوقة من «الديمقراطية السورية» التي تلعب كرة القدم، وتتلاعب بوعي الناس، كل تلك الديمقراطيات الهامة أعلاه، لأنها بكل بساطة ديمقراطية المنهوبين، ديمقراطية من هم في الأسفل في مواجهة الخصوم الطبقيين، كبار الحيتان وأمراء الحرب وتجار الأزمة، الذين يكرسون ديمقراطيتهم المتمثلة بالجوع والعوز والتهميش والموبقات والأمراض الاجتماعية، على حساب، وفي تجاهل متعمد، لجمهور الخبز والغاز والمازوت والماء والكهرباء والدواء والتعليم والخدمات والغذاء والسكن والأجور و..
إن جمهور أصحاب الأجور، الجمهور الأوسع من كل الشرائح الاجتماعية في سورية، وهم الغالبية الساحقة من المفقرين، يريد تغييراً شاملاً وجذرياً وعميقاً يطال واقع الأجور والخبز والمحروقات والخدمات والصحة والسكن وتوزيع الثروة العادل، وواقع ضوء مصباح آخر قرية في أقصى البلاد، إلى آخر حي من أحياء المفقرين في مدن البلاد.
فذلك الجمهور، الغالبية الساحقة والمسحوقة، هو من يجب إرضاءه في سورية، بعيداً عن كل أشكال ألعاب الديمقراطية، ومن يلعبها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1040
آخر تعديل على الثلاثاء, 19 تشرين1/أكتوير 2021 23:08