الفساد التعليمي والتربوي والغش في الامتحانات

الفساد التعليمي والتربوي والغش في الامتحانات

منذ أكثر من شهر صدر قرار عن رئاسة جامعة الفرات بإيقاف 3 دكاترة من الكليات عن العمل، وذلك في كلية التربية وكلية الحقوق وكلية الهندسة البتروكيميائية، وذلك بسبب الفساد التعليمي والمالي، وحتى الأخلاقي.

وخلال الأسبوع الماضي صدر قرار من رئيس الوزراء بفصل 17 معلماً ومدرساً من العمل، في دير الزور، بسبب الفساد فيما يتعلق بالغش في امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
فهل الفساد التعليمي والتربوي والغش في الامتحانات ظاهرة محصورة بمنطقة معينة أم ظاهرة عامة؟
ما هي أسبابها وكيف يمكن معالجتها، هل بالعقوبات أم بتغيير السياسات؟

الآفات نتيجة السياسات

طبعاً لا نحاول هنا تثبيت الاتهام على أحد بالفساد أو تبرئة أحد منه، وإنما سنحاول تناول الظاهرة من حيث وجودها وحجمها وأسبابها وكيف تتم معالجتها، وانعكاساتها على الدولة والمجتمع عموماً.
وقد سبق أن تناولت قاسيون العديد من جوانب السياسات التربوية والتعليمية، سواء في جوهرها أو ظواهرها المرافقة، والتي بعمقها هي جزء من نتائج السياسات الليبرالية المتبعة منذ عقدين على الأقل، تحت مسمى خادع (اقتصاد السوق الاجتماعي) والتي كانت أحد أهم الأسباب لانفجار الأحداث، وتحولها إلى أزمة عميقة أهلكت البلاد والعباد، والتي ما زالت مستمرة وتتفاقم يوماً عن يوم، ومنها ما يتعلق بالتربية والتعليم والمناهج والمعلمين والقرارات الوزارية وغيرها، والتي تدفع إلى مزيدٍ من الفساد والتهميش والغش، وغيرها من الآفات التي تضرب مؤسسات الدولة والمجتمع، وبشكلٍ متعمد.

تراجع مستمر

إن المتابع للمسألة التعليمية والتربوية خلال العقود الماضية، يتبين أنها في تراجع مستمر مما قبل انفجار الأزمة، وتسارع انحدارها خلال الأزمة وإلى الآن، وأهم مؤشرات هذا التراجع هي: انخفاض المستوى التعليمي والتربوي إلى درجات خطيرة، وزيادة نسب الجهل والأمية والتسرب وحرمان آلاف التلاميذ والطلاب من التعلم، أو من متابعة التعليم، وارتفاع تكاليف التعليم بمختلف مستوياته، حيث وصل إلى مئات الآلاف في المدارس والجامعات الحكومية، وعشرات الملايين في المدارس والجامعات الخاصة، وآخرها انخفاض مستوى تصنيف الجامعات السورية على مستوى المنطقة والعالم!

الغش في الامتحانات!

الغش الامتحاني أصبح ظاهرة عامة، وخاصةً مع تطور تكنلوجيا الاتصالات وغيرها، وليست ظاهرة مكانية كما يجري الحديث عن ذلك في بعض الأحيان، للهروب من المسؤولية، وأكبر دليل على ذلك، أنه خلال الامتحانات العامة لشهادتي التعليم الأساسي والثانوية، يجري قطع شبكة الاتصالات في كافة المحافظات بحجة الغش، وهذا يبين هشاشة السياسات التعليمية والتربوية، إضافة لسياسات الاستيعاب الجامعي والتي تدفع الطالب وأسرته للحصول على الدرجات بأساليب متعددة، منها: الاضطرار للاعتماد على الدروس الخصوصية التي أصبحت ظاهرة سائدة، والغش الذي يتفاقم وتتنوع أساليبه، رغم الآثار السلبية لكل ذلك على الطالب وأسرته والمجتمع، مالياً واجتماعياً وعلمياً.

فساد وتزوير

لا شك أن المؤشرات التي ذكرناها تؤكد أن ظاهرة الفساد التعليمي والتربوي، والغش في الامتحانات ليست ظاهرة مكانية في محافظة من المحافظات، وإنما ظاهرة عامة، لكن تجلياتها تختلف بدرجاتها بين محافظة وأخرى، وتزداد في المناطق المهمشة، سابقاً وحالياً، ويجري تسليط الضوء عليها، والأمثلة التي تظهر عليها كثيرة، وما خفي أعظم من فساد ورشاوى وانخفاض نسب النجاح، ووصلت إلى حد تزوير الشهادات الجامعية، واستخدامها حتى من قبل بعض مسؤولي الدولة والسياسيين، وقد نشر وتم فضح العديد منها بشكل رسمي، وعبر وسائل الإعلام، وربما ما زال هناك تستر على بعضها بسبب كون أصحابها في مراكز النفوذ، ناهيك عن الوقائع فيما يتعلق بالفساد المالي وإعداد وطباعة المناهج وتحريفها، أو ببعض العقود الخاصة بتوريد بعض مستلزمات العملية التعليمية، لمسؤولين جرى إزاحتهم فقط دون أن تظهر نتائج محاسبتهم، إن وجدت، حتى الآن، إضافة لظاهرة الغش بالامتحانات والتلاعب بالنتائج وغيرها.

المعالجة بالعقوبات!

إن أساليب المعالجة التي تتبعهما وزارة التعليم العالي ووزارة التربية، تتناول شكل الظاهرة غالباً، وليس جوهرها، فهي لا تعالج ولا تتناول السياسات اللتين تتبعانها هرباً من المسؤولية، وإنما تحصران المشكلة في بعض المناطق وبأفراد فقط، كما حدث في دير الزور في الأمثلة الواردة في المقدمة أعلاه، بإحالة 3 دكاترة إلى المجلس التأديبي، وفصل 17 معلماً ومدرساً من العمل، رغم أن بعضهم أقروا أن الأمور فرضت عليهم من قبل قوى الهيمنة والنفوذ، بالسماح بإدخال الجوالات المحمولة إلى قاعات الامتحان، وآخرين تُحل لهم الإجابات في خارج القاعة، وتقدم لهم عنوةً عن المراقبين، الذين يتعرضون لضغوطٍ كبيرة، رغم أن هذا لا يعفيهم، لكنه واقع فرض عليهم بالقوة.
إن معالجة ظاهرة الفساد التعليمي والتربوي، والغش في الامتحانات، وغيرها من أشكال الانحراف والخطأ بالعقوبات فقط لن تحل المشكلة، بل ستستمر وستتفاقم.

تهميش دور الدولة

لا شك أن الأسباب المباشرة هي السياسات الليبرالية التي جرى تطبيقها والتي تعمد إلى إضعاف وتهميش دور الدولة في مختلف النواحي، والدفع نحو الخصخصة ومحاباة أصحاب المال والأرباح على حساب مصلحة الشعب والوطن، وخاصة الغالبية وهم الفقراء، والتي وصلت نتائجها العملية على مستوى توزيع الثروة في البلاد إلى أكثر من 80% لصالح أصحاب الأرباح، وأقل من 20% لصالح أصحاب الأجور، والسياسات التعليمية والتربوية جزء من هذه السياسات الليبرالية، ومسألة الرواتب والأجور والتعويضات تعتبر في صلب النتائج السلبية لتلك السياسات.
فقد ازدادت الجامعات الخاصة، وأصبح عددها يفوق جامعات الدولة، وازدياد عدد المدارس الخاصة وتكاليفها المرتفعة، والسياسات الامتحانية التي لا تقيس القدرة العلمية والعملية، وإنما تعتمد على الذاكرة والحفظ غالباً، والتي تدفع إلى البحث عن أساليب الغش، وتسمح لقوى الهيمنة والنفوذ بتمرير امتحانات أبنائها، إضافة لسياسات الاستيعاب الجامعي والقبول في المفاضلات، ورفع نسبها عاماً بعد آخر، والتي تحرم أبناء الفقراء الذين ليس لديهم إمكانات مادية، ولا تتوفر لهم مستلزمات التعليم، فتحرمهم من متابعة تعليمهم الجامعي، وتدفعهم نحو مزيدٍ من البطالة والتهميش، مما يوفر الأرضية الخصبة للانحراف، كما حدث منذ أسبوع بقيام طالبين جامعيين بالاشتراك مع ثالث بخطف أحد التجار والمطالبة بفدية 150 ألف دولار في دمشق، وغيرها العشرات من الحوادث التي هي من نتائج هذه السياسات الكارثية.

التغيير الحقيقي

يبدأ الحل الحقيقي من القطع التام وإلغاء السياسات الليبرالية الاقتصادية الاجتماعية، واستعادة دور الدولة المغيّب، وأن يكون التعليم مجانياً وديمقراطياً، من خلال تغيير السياسات التعليمية والتربوية، بحيث تكون في خدمة غالبية أبناء الشعب الفقير، ومصلحة الوطن، في التنمية وإعادة الإعمار، لتعويض النقص الكبير في الكوادر، وخاصة بعد أن فقد الوطن مئات الآلاف من كوادره خلال الأزمة، موتاً أو هجرةً، واعتماد سياسات امتحانية تقيس المستوى العلمي والمعرفي والعملي للطلاب، ولا تعتمد على الذاكرة الحفظية والصورية فقط، وهذا أيضاً سيقلل كثيراً من أساليب الغش وغيرها، والأهم، هو إعادة الاعتبار لدور المعلم بكافة المستويات التعليمية، والذي يبدأ بحفظ كرامته من خلال إعادة النظر بسياسة الاجور والتعويضات.
إن تحقيق كل ذلك، يتطلب حلاً جذرياً وشاملاً للأزمة السورية الكارثية، وتحقيق التغيير الحقيقي لكل البُنى والسياسات القائمة، الاقتصادية الاجتماعية، بما يخدم الشعب والوطن، لأن البُنى والسياسات القائمة أصبحت عاجزة عن حل أية مشكلة، مهما كانت بسيطة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1035
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيلول/سبتمبر 2021 23:41