جديد وزارة التربية..  التعليم الوجداني والاجتماعي ومزيد من الغرق في وحل المشكلات!
عمار سليم عمار سليم

جديد وزارة التربية.. التعليم الوجداني والاجتماعي ومزيد من الغرق في وحل المشكلات!

سبق وأن طرح وزبر التربية إدخال مادة التعليم المهني في المراحل التعليمية من الصف الرابع الابتدائي، وتناولنا هذه المشكلة في عدد سابق من حيث تناقضات مثل هذا القرار ومشكلاته وأبعاده الاجتماعية والتعليمية، ومن حيث الإمكانات والتطبيق والمشكلات الناتجة عنه وسلبياته التي تفوق إيجابيّاته في مثل هذه الظروف، حيث إن من أسلوب عمل الوزارة أن تكتشف الآفات بعد تطبيقها على الطلاب والكادر التدريسي لديها لتغرق أكثر فأكثر في مستنقع المشكلات المعقدة!

ولم تقف الوزارة عند هذا الحد من الإبداع، فقد قرر وزير التربية أن يضيف مادة جديدة، وهي التعليم الوجداني والاجتماعي، الذي يعتقد أنه من خلاله سوف تحل مشكلات هذا الجيل الاجتماعية والنفسية!
فقد ورد في صحيفة الوطن تصريح من وزير التربية الدكتور دارم الطباع بما يلي: «كشف وزير التربية دارم طباع عن بدء تنفيذ التوجه الجديد في التعليم من خلال إدخال التعلم الوجداني الاجتماعي في مختلف المراحل التعليمية، الذي سيبدأ في هذا العام من خلال حصتين أسبوعياً، لتوسع في السنوات التالية».
وقبل أن نفصل حيثيات هذه المادة، لا بدّ أن نشير أولاً إلى موضوع تحديد حصتين درسيّتين في هذا الواقع الاجتماعي الصعب، وفي أيام الشتاء التي يكون فيها النهار قصيراً، والطالب بأمس الحاجة إلى ساعة يقضيها في البيت نهاراً في ظل تقنين الكهرباء المرير، والمدرسون كذلك الأمر هم بأمس الحاجة إلى ساعة يكسبون بها عملاً لسد رمقهم، وهذا سيضطرهم إلى التهرب من هذه الحصص بكافة الطرق والأشكال، وهذه أولى المشكلات التي ستبرز إلى الواجهة.

التعامي عن أصل المشكلة

تصر السياسات الحكومية، ومنها وزارة التربية على تجاهل أصل المشكلة والقفز إلى نواح أخرى لتغطيها والاختباء وراء الإصبع، ونلحظ في الفترة الأخيرة نشاط مجموعات ما تسمى بالتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية لتدريب الأفراد- حسب زعمهم- على تجاوز المشكلات وتنمية قدراتهم، وهو في الحقيقة تغييب الناس عن أن العائق الأكبر أمام معيشتهم هو الواقع الاقتصادي المتردي والسياسات الداعمة له، وتحميل الأفراد والشعوب مسؤولية حل مشكلاتهم بعيداً عن إصلاح السياسات التي تزرع الفقر والمرض والتخلف والجهل، وعندما أصبح التعليم عرضة للانهيار وأصبح لا يؤتي ثماره امتدت يد «التنمية البشرية» إلى قطاع التعليم، ولكن باسمٍ مختلفٍ، وتحت عنوان «التعليم الوجداني والاجتماعي» على ما يبدو، وقد بدا ذلك صراحة في تصريح وزير التربية بقوله: «الركيزة الثالثة التي نعمل على تطبيقها هي تعلم كيفية الدخول إلى سوق العمل، وعدم الاعتماد على الوظيفة العامة وانتظار توفيرها من الدولة للخريج، حيث يتعلم الطالب كيفية بناء مشروعه الذاتي، وكيفية الدخول إلى سوق العمل، وإيجاد فرصة عمله المناسبة بشكل ذاتي، وهناك الركيزة الرابعة والأساسية، وهي تنمية الشخصية الذاتية وبناء الذات لكل طالب»، وهذا اعتراف صريح يمثل نهج الحكومة تجاه الأجيال، حيث يريدون أن يبرمجوهم ويعودوهم منذ الصغر على تخلي الحكومة عن تأمين العمل والوظائف، وتركهم مع قدراتهم وأقدارهم يلتقطون فرص عملهم بعيداً عن دور الدولة، وتحميلهم مسؤولية بطالتهم وفشلهم تجاه المجتمع.
ولعل الأولى من الوزارة أن تعمل على تحسين الواقع بدلاً من إيهام الطلاب والمجتمع بأن المشكلة مشكلة انعزال اجتماعي ومشكلات نفسية وسلوكية، والأجدر، أن يتم البدء بالتطوير الحقيقي، بدءاً من أجور المدرسين والاعتراف بالخلل الواضح في جهاز التعليم في سورية، بدلاً من أن تُجير المشكلة على الطلاب، وأن توضع إمكانات الوزارة لمزيد من طباعة المناهج وزيادة الحصص، ولا ندري ما علاقة الانغلاق الذاتي وماهيّة هذا المصطلح النفسي الذي ورد بالتصريح، والذي الغاية منه هي التضليل فقط، حيث ورد ما يلي: «وشدد طباع على حاجة أجيالنا إلى تنمية العلاقات الاجتماعية، لأنه تبين من خلال الحرب التي نخوضها أننا كبيئة اجتماعية كنا نعاني من الانغلاق الذاتي، حيث لا يعرف كل منا الآخر، وقال: نعمل الآن في مهارات التعلم القادمة على أن يعرف كل منا الآخر بشكل صحيح، وكذلك تعلم المهارات الحياتية والموسيقا والرياضة والمهن، وسيكون هناك منهاج خاص بكل منها في المرحلة القادمة، ونعمل على تضمين مبادئ التعلم الوجداني الاجتماعي في كل المناهج الدراسية».
من المعلوم، أن كل الآفات الاجتماعية منشؤها الواقع الاقتصادي المتردي إلى مرحلة الفقر المدقع، الذي أدى إلى انشغال الصغير والكبير بلقمة طعامه، وتفكك الأسر وحالات الطلاق والعنف الأسري، وغيرها من الآفات التي تعصف بالصغار والكبار.

اعتراف غير مباشر بفشل المناهج المطورة

طنّبت الوزارة أسماعنا على مدى سنوات بأهمية إضافة التوجيه القيمي في المادة العلمية، حيث تمت إضافة القيمة المبتغاة من كل درس في الكتاب وربطه بمناحي الحياة المختلفة، بدءاً من اللغة وانتهاءً بالفنون، وكان ينبغي أن يكون التوجيه كفيلاً بزرع القيم الوجدانية والخبرة الحياتية لدى الطلاب على حسب ما تقدم، ولكن يبدو أن هذه المساعي باءت بالفشل باعتراف رسمي من الوزير حيث ورد أيضاً: «أشار طباع إلى أنه في الفترة الماضية كان التعليم يركز على الرياضيات والفيزياء والعلوم ويهمل الموسيقا والرسم والرياضة، اليوم كل المراجع العالمية تؤكد أن التعلّم يُبنى على الجوانب الصحيحة بالاعتماد على التعلم الوجداني الاجتماعي»، وهذا اعتراف صريح منه أن المناهج بحاجة إلى إضافة مادة مستقلة لتعزيز الجانب الوجداني والسلوكي، ولكنها في الحقيقة إضافة الفشل إلى سابقه!.

المواطنة والانتماء وتشويه المفهوم على المستوى التربوي

ورد في المقال على لسان الوزير: «اليوم كل المراجع العالمية تؤكد أن التعلم يُبنى على الجوانب الصحيحة بالاعتماد على التعلم الوجداني الاجتماعي، وهذا من شأنه أن يعزز المواطنة والانتماء».
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن المواطنة الحقيقية هي أن يعيش أبناء الوطن الواحد متساوين في الحقوق والواجبات بعيداً عن الطبقية، والانتماء الحقيقي لا يتم إلا إذا عرفت الأجيال عدوها الحقيقي المتمثل بالكيان الصهيوني وحلفائه الدوليين، وحال مناهجنا أصبح يفرغ هذه المناهج تدريجياً من هذا الصراع كما أشرنا في مواد سابقة بعنوان «مناهج ممنهجة لحرف البوصلة»، أما ما تكرسه الوزارة اليوم فلا ينمّ عن تعزيز المواطنة أبداً، فتشجيع خصخصة التعليم وما تنتجه من فرز طبقي وتوجيه التعليم المهني نحو تشجيع التوجه الطبقي هو أكبر دليل على هذا الكلام.

ما علاقة قانون الاستثمار في صيانة المدارس؟

من العجيب أن ترد عبارة قانون الاستثمار ضمن حديث الوزير، حيث ورد في صحيفة الوطن ضمن سياق الحديث معه ما نصه: «ودعا إلى أهمية التركيز على المهارات اليدوية والفنية والرياضية...، وضرورة الاستفادة من قانون الاستثمار لتأمين صيانة مستمرة للأبنية المدرسية، ومتابعة موضوع الإشراف التربوي، والتفكير بآلية جديدة ووضع نظام متابعة»!
فماذا يقصد السيد الوزير بقوله الاستفادة من قانون الاستثمار؟
هل يريد أن يمهد لخصخصة جديدة لمرافق الدولة، وهذه المرة في قطاع التربية، أم هو طرح لتنفيع بعض المستثمرين؟
وأياً يكن، فما هذه العبارة إلا دليل واضح على توجه الوزارة والحكومة عامة نحو إثراء المستثمرين والفاسدين وأمراء الحرب على حساب أطفالنا ومعيشتنا، وعلى حساب مرافق الدولة.
فهل وضعت وزارة التربية بالتعاون مع الحكومة حلاً للمشكلات التي تقف عائقاً حقيقياُ في وجه التعليم، وهو تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي، أم أنها ستستمر بسياساتها المدمرة للتعليم مع بناه التحتية المتعلقة بنجاحه؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1032
آخر تعديل على الإثنين, 23 آب/أغسطس 2021 23:12