الخبز... آلية جديدة وتخفيض دعم جديد!
عبير حداد عبير حداد

الخبز... آلية جديدة وتخفيض دعم جديد!

يدور المواطن في فلك الأزمات الفاقعة غير المنتهية، وما من مجيب لنداءاته مما أرهقه من ويلات الأزمات المتلاحقة، فكل ما يحاك من قرارات داخل البيت الحكومي، والتي يعاد نسجها وصياغتها بين الحين والآخر، أثبتت مع التكرار أنها ليست أكثر من أشباه حلول، والتجربة خير دليل، فالتغذية الراجعة للقرارات والتعديلات، التي سبق وطبقت، لم تحرك ساكناً أو تنهي أياً من أوجه المعاناة، بل تمادت على حياة المواطن وصبغتها باللون الأسود أكثر مما سبق.

محاولات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المتكررة لإعادة صياغة آليات توزيع المواد المدعومة (خبز- سكر- رز- شاي)، بهدف تدارك «طوابير الأزمات» حسب تعبيرها، دائماً تعود نتائجها بالفشل الذريع.
على سبيل المثال لا الحصر، في أزمة الخبز المستمرة والمستفحلة حدث ولا حرج، حيث ما تزال الطوابير أرتالاً، وكذلك حال السوق السوداء على المادة أمام الأفران، برغم كثرة وتكاثر الآليات المجربة والمختبرة، وما هو آت منها ليكون قيد الاختبار المجدد! إلا أن الواضح فيها جميعاً أنها تصب بقناة واحدة «تخفيض الدعم الحكومي المتواصل والمستمر على هذه المواد، بطرق مباشرة وغير مباشرة».

التجربة أولاً من ثم التعميم

أعادت وزارة التجارة وحماية المستهلك وضع أزمة الخبز على طاولة النقاش، لتعتمد آلية جديدة لتوزيعه، عبر ربط مستحقي المادة بمعتمد أو فرن آلي محدد، يتم اختياره من قبل المواطن نفسه، مع تخصيص 10 ربطات لكل فرد في العائلة!
وكشف معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك لإحدى الصحف المحلية، أن تطبيق الآلية الجديدة سيكون مبدئياً على ثلاث محافظات «طرطوس –اللاذقية –حماة»، وبيّن أنه تم تجهيز البنى التحتية ومستلزمات الآلية الجديدة، حيث سيفتح باب الاكتتاب لاختيار المعتمد بتاريخ 28 الشهر الجاري حتى 7 تموز القادم، لتكون جاهزة للتنفيذ بتاريخ 12 تموز، ومن ثم تعميمها على باقي المحافظات.
وأن اختيار المواطن للمعتمد أو الفرن حسب التصريحات، سيضمن حقه بمخصصاته طيلة اليوم، والجهاز لن يتعرف إلا على البطاقات المخصصة ضمن المعتمد أو الفرن حصراً، مع إمكانية تغيير المواطن للنقطة التي يستلم منها الخبز عند الحاجة، بالإضافة إلى أن الآلية الجديدة تحد من مزاجية وتلاعب المعتمدين كونه سيتم منح المعتمد كمية من الخبز حسب البطاقات والمسجلين، كما بيّن معاون أيضاً أن الآلية مدروسة وفق الطاقة الاستيعابية، وذلك على حد تعبيره!
فالقرار سيتم تنفيذه وفق مرحلتين، الأولى إمكانية تحديد المعتمد أو الفرن، والثانية إمكانية تحديد عدد ربطات الخبز التي يريدها المواطن خلال عملية التسجيل الواحدة.

ما الجديد؟

من المؤكد لا جديد سينعكس بشكل إيجابي على واقع المواطن واحتياجاته، ودائماً تخرج الجهات المعنية لتتحفنا بقراراتها الخلبيّة، معتبرةً أن معاناة المواطن ستحل عند ذلك القرار الإبداعي، الذي هو بالمحصلة تخفيض دعم على حساب لقمة المواطن!
من حيث الجوهر فإن الآليات جميعها أصبحت متشابهة، ودعونا نتفق أن الدور الطويل لم يُحل حتى اليوم رغم كل الإجراءات المتخذة، والأهم أن التلاعب أيضاً لم يُحل رغم عمليات الأتمتة والذكاء، والتطبيل والتزمير الذي أشبعتنا منه الجهات المعنية، ومن المؤكد أن المشكلة لن تحل، طالما الحلول الجدية في سبات طويل، ودور الرقابة غائب ومنسي، والأهم أن التخفيض مستمر مع كل صياغة جديدة للقرارات!.
لنقوم بمسح سريع لما نُفذ من آليات خلال الفترة الماضية بالنسبة لمشكلة الخبز، فجودة الرغيف قد انخفضت عمّا سبق، إضافةً إلى ذلك نلاحظ مع كل تغير يطرأ على آلية التوزيع يطبق تخفيض على كمية المستحقات، مع عدم إغفال ما يطرأ على السعر من تغيير نحو الارتفاع بين الحين والآخر، كشكل مباشر لتخفيض الدعم.
فالتعديل السابق مثلاً، حصر عدد الربطات اليومية لكل أسرة حسب عدد أفرادها، لتصبح ربطة واحدة لأسرة مكونة من شخصين، وربطتين لأسرة مكونة من ثلاثة أو أربعة أشخاص، أما الأسرة المكونة من خمسة أو ستة أشخاص فمخصصاتها هي ثلاث ربطات، والأكثر فمخصصاتها أربع ربطات، ومع أن هذه الآلية لم تحقق تأمين الحاجات الاستهلاكية الفعلية للمواطنين من المادة، إلا أنها حملت تغييراً على وزن الربطة انخفاضاً، وزيادة على سعرها أيضاً، وبالمجمل كانت عبارة عن تخفيض للدعم بكل أشكاله، المباشرة وغير المباشرة، المعلنة وغير المعلنة.
أما اليوم وبموجب الآلية المقترحة، قيد الاختبار خلال الفترة القريبة القادمة، فأصبحت المخصصات 10 ربطات للشخص الواحد خلال الشهر بحسب ما تم الإعلان عنه! وهي عبارة عن تخفيض جديد على الدعم بالمحصلة.

دور مفترض غائب

وبغض النظر أن الجودة انخفضت بشكل عام، ولكن من الملاحظ وجود فارق بجودة المادة من فرن لآخر أيضاً، وهذا ما يجعل «سين» من الأفران مرغوب أكثر من غيره وما يشكل ازدحاماً أكبر عليه، وهذا لا يلام به المستهلك، بل وزارة حماية ذلك المستهلك، كونها لا تنفذ واجباتها بشكلها المطلوب، فدورها الرقابي على جودة المنتج بكافة الأفران شبه غائب، فمن المفترض أن الجودة والمواصفة للرغيف واحدة ومعتمدة رسمياً، فأين دور الوزارة من الرقابة الفعلية لحماية المستهلك بهذا الشأن؟! وأين دورها على مستوى السوق السوداء للرغيف أمام الأفران؟.
مقارنة بين الآلية السابقة والجديدة قيد التجريب
خلال حسبة تقريبية نجد أن الأسرة المكونة من خمسة أشخاص سابقاً كانت تحصل على ثلاث ربطات يومياً، أي ما يعادل 90 ربطة شهرياً، وهي غير كافية من الناحية العملية لتسد الحاجات الفعلية للأسرة، ومع الآلية الجديدة أصبحت مخصصات الفرد الواحد10 ربطات شهرياً، أي إن العدد الإجمالي 50 ربطة خلال الشهر الواحد للأسرة ذاتها المكونة من 5 أشخاص، والفارق بين الآليتين 40 ربطة فقط!.
أي إنه تم قضم 40 ربطة للأسرة ذاتها، تحت عنوان «الآلية الجديدة»، وبالعمق هو تخفيض دعم مباشر، لكنه غير معلن، بل غير معترف به!.
وإذا أردنا أن نحسب مخصصات الفرد اليومية وفق الآلية الجديدة فستكون ما يعادل الرغيفين فقط!
فهل سيشبع المواطن برغيفي خبز يومياً، أم أن الحكومة تركت المواطن للأقدار، وعليه أن يتدبر وضعه بشراء الخبز السياحي مرتفع الثمن أو الخبز المدعوم بشكله الحر، والذي وصل سعر ربطة الخبز منه إلى ما يقارب 1000 ليرة سورية، وأحياناً أكثر من ذلك؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1024