الجفاف والاستفاقة الحكومية الخلبية
عادل ابراهيم عادل ابراهيم

الجفاف والاستفاقة الحكومية الخلبية

يعتبر الجفاف ظاهرة طبيعية تصيب مناطق من الأرض تؤدي إلى التسبب بأضرار متفاوتة النسبة وبدرجات مختلفة، وخاصة على مستوى تضرر القطاع الزراعي ومحاصيله، التي قد تصل إلى درجة الكوارث، وقد تؤدي إلى حدوث المجاعات في بعض الأحيان، والتاريخ (القريب والبعيد) يسجل الكثير من الأمثلة على ذلك، بالإضافة إلى الكثير من التداعيات السلبية الكثيرة الأخرى، فآثار الجفاف السلبية لا تقف عند حدود الإضرار بالقطاع الزراعي فقط.

على الطرف المقابل لا بد من الإشارة إلى أن العنصر البشري يعتبر من العوامل التي تؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن الجفاف، فقد يكون هذا العامل مساهماً في زيادة حدته ومضاعفة آثاره، وقد يكون ملطفاً من هذه الآثار، والحديث عن العامل البشري هنا هو كناية متشعبة تشمل السياسات المعتمدة والمنفذة على أرض الواقع، في رقعة جغرافية ما من قبل الحكومات المعنية، بالتوازي مع الممارسات الفردية.
فماذا عن الجفاف في سورية، ودور العامل البشري (الحكومي تحديداً) حياله؟

بين الرسمي والشعبي

لم تغب ظاهرة الجفاف عن الحديث الرسمي والشعبي طيلة العقود السابقة وحتى الآن، فبين الحين والآخر يتم تسليط الضوء على الظاهرة ونتائجها السلبية الملموسة، سواء من قبل الرسميين أو من قبل شرائح المتضررين المباشرين من هذه الظاهرة، وخاصة الفلاحين والمستهلكين للمنتجات الزراعية، بالإضافة إلى عموم المواطنين ربطاً مع ظاهرة شح مياه الاستخدام اليومي (للغسيل والتغسيل والشرب) كنتيجة من نتائج الجفاف أيضاً.
مؤخراً، أقامت وزارة الزراعة، بالتعاون مع المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة اكساد، ورشة عمل بتاريخ 22/5/2021، تحت عنوان «أثر التغيرات المناخية على القطاع الزراعي والتكيف معها».
وبحسب وزير الزراعة، فإن الهدف من الورشة هو: «تسليط الضوء على التغيرات المناخية والجفاف وارتفاع درجات الحرارة التي حدثت هذا العام وتأثر الإنتاج الزراعي بشكل كبير، وخاصة المساحات المزروعة بالمحاصيل الإستراتيجية من القمح والشعير، وخاصة المساحات البعل وأيضاً الأشجار المثمرة والمناطق الحراجية التي تعتمد على الأمطار بشكل رئيسي في زراعتها ونموها وحياتها».
الورشة أقيمت في محافظة حماة بحضور كل من وزير الزراعة والإصلاح الزراعي، ووزير الموارد المائية، ومدير عام المركز العربي اكساد، ومحافظي حماة وإدلب والرقة، وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في سورية، ونقيب المهندسين الزراعيين، وعدد من أعضاء مجلس الشعب واتحاد الفلاحين في حماة، والمعنيين في وزارة الزراعة ومحافظات حماة وحمص وإدلب والرقة.

الأهمية والضرورة

تأتي أهمية الورشة وضرورتها، بحسب ما نقلته صفحة «الإعلام الزراعي في سورية»، بعد تعرض القطاع الزراعي في سورية هذا العام إلى ظروف استثنائية نتيجة للتغيرات المناخية التي تأثرت بها البلاد، والتي أدت إلى:
تدني إنتاجية الأراضي وتناقص الغلة بسبب الإجهاد الحراري وسوء توزع الهطول المطري والجفاف.
انخفاض مردود الأراضي الرعوية الناتج عن تدهور الغطاء النباتي الرعوي واضمحلاله.
الآثار طويلة الأمد على تدهور الأراضي وتناقص مساحتها القابلة للزراعة، وعلى تسارع انجراف التربة وتباطؤ عمليات تحليل المادة العضوية وندرة موارد المياه.
انخفاض كميات المياه المخزنة في السدود إلى نسب كبيرة.
انخفاض المياه الجوفية إلى حدود حرجة.
خروج المساحات المزروعة بعلاً وعدم وصولها إلى مرحلة الإنتاش.
ارتفاع تكاليف إنتاج المواد الغذائية، لأن هناك تكاليف أكبر من أجل سحب المياه الجوفية.

نتائج وتوصيات

تمت الإشارة خلال الورشة إلى النقاط التالية:
المشكلة ليست بفقد الإنتاج فقط وتأثر الفلاحين، لأن الفلاحين عندما يفقدون إنتاجهم يفقدون معهم أمنهم الغذائي، وإمكانية الزراعة في العام القادم لعدم امتلاكهم موارد مالية لتأمين المستلزمات.
لابد من إيجاد مؤسسات تمويل زراعي وتغيير أساليب التمويل المتبعة حالياً في المصرف الزراعي التعاوني لتمكين الفلاحين من الزراعة في الأعوام القادمة.
التعاون مع المنظمات ومراكز البحث العلمي والجامعات لإيجاد برامج ومشاريع متخصصة بمواجهة أثر التغيرات المناخية.
تعديل الدورات الزراعية، ودراسة مناطق الاستقرار الزراعي وتعديل أساليب الفلاحة والمعاملة السمادية.
الإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات وإدارة الأصناف المناسبة والملائمة للزراعة التي تواجه الجفاف.
وضع مشروع وطني متكامل لتطبيق تقنيات الري الحديث بشكل أوسع على كامل الأراضي السورية.
مع أهمية ما تم طرحه بحسب ما ذكر أعلاه، إلّا أن الغائب على مستوى النقاط المذكورة هو دور الدولة والحكومة، حيث يتضح اقتصار هذا الدور على مستوى النصح والإرشاد والتوجيه فقط لا غير.
فجل النقاط المذكورة ما زالت تحيّد الدور الحكومي ودور الدولة، بل تغيبه، وتُحمل النتائج والتداعيات السلبية للجفاف على المناخ والفلاحين والمواطنين، والاقتصاد الوطني عموماً بالنتيجة.

بين التعريف والواقع

يُعرف الجفاف، بحسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، كما يلي: «الظاهرة الطبيعية التي تحدث عندما يكون المطر أدنى بدرجة محسوسة من مستوياته المسجلة، وهي تتسبب بذلك في وقوع اختلالات هيدرولوجية تؤثر تأثيراً ضاراً على نظم إنتاج الموارد الأرضية».
بينما اقترحت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التعريفين التاليين:
- «تخلف المطر عن السقوط أو سوء توزيعه لفترة طويلة»
- «فترة يسودها طقس جاف بدرجة غير عادية وتطول بما يكفي لكي يتسبب نقص الأمطار في اختلال هيدرولوجي خطير».
المؤشرات الملموسة محلياً تقول: إن معدلات هطول الأمطار في سورية قد تراجعت بشكل كبير على مدى السنوات الماضية، بالتوازي مع الارتفاعات المسجلة على درجات الحرارة، والتي أدت مجتمعة إلى تضرر كبير في الأراضي الزراعية، كان من نتيجته تراجع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، الأمر الذي أدى فيما أدى إليه: ارتفاع أسعار الأغذية، واللجوء إلى استيراد جزء من المحاصيل الزراعية الهامة على مستوى الأمن الغذائي، مثل: القمح.
كذلك يجب ألا يغيب عن الذهن استثمار واستغلال ملف الموارد المائية من قبل تركيا وبشكل متكرر، من خلال ممارساتها ذات الصبغة العدوانية بما يتعلق بمياه نهري الفرات ودجلة، والآثار الكارثية لذلك على مستوى الأراضي الزراعية ومحاصيلها في منطقة الجزيرة، وعلى مستوى الأمن المائي والغذائي، والوطني العام بالنهاية.
أما الأكثر سوءاً على مستوى التداعيات السلبية لنتائج الجفاف وموجاته المتتالية فهو: الاضطرار إلى هجرة الأرض والعمل الزراعي على شكل موجات بشرية متتالية أيضاً، تزامناً مع موجات الجفاف ودرجاتها المتباينة، ليتفاقم كل ذلك خلال سني الحرب والأزمة مع تداعياتها، بالتوازي مع غياب الدور الحكومي، أو تغييبه، بما يحقق مصالح البعض من أصحاب الأرباح، حيتان النهب والفساد، بالإضافة إلى تجار الحرب والأزمة طبعاً بذريعة الحصار والعقوبات وغيرها، على حساب مصالح الغالبية المفقرة، توافقاً مع السياسات الاقتصادية الليبرالية المتبعة، بما في ذلك السياسات الزراعية المتبعة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1020