«توسيع قاعدة الإنتاج».. عنوان للتغطية على موبقات جديدة
صدر قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021، الذي تضمن 12 فصلاً بـ 51 مادة، وقد منح القانون المزيد من التسهيلات والإعفاءات الضريبية والجمركية لأصحاب رؤوس الأموال من المستثمرين (المحليين والاجانب)، الباحثين طبعاً عن فرص الربح العالية والسريعة من جيوب العباد وعلى حساب البلاد، وهو بذلك كما غيره من قوانين الاستثمار السابقة.
وبحسب المادة 2 تحت عنوان «أهداف القانون» في الفصل الثاني منه، ورد التالي: «يهدف هذا القانون إلى إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال، والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة، لتوسيع قاعدة الإنتاج بهدف زيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي بما ينعكس إيجاباً على زيادة الدخل القومي وصولاً إلى تنمية شاملة ومستدامة».
فهل سيحقق القانون ما ورد فيه من أهداف؟
الاستثمار وتوسيع قاعدة الإنتاج
في البداية، لا بد من الحديث عمّا ورد في متن أهداف القانون حول «توسيع قاعدة الإنتاج بهدف زيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي»، لنتساءل:
هل الصعوبات والمشاكل المزمنة، ومعيقات الإنتاج والعملية الإنتاجية، التي يعاني منها القطاع الإنتاجي (صناعي- زراعي- حرفي)، سواء كان عاماً أم خاصاً، مرتبطة ببعض مواد وحيثيات القوانين المعمول بها، أم بمجمل السياسات الليبرالية المعتمدة والمطبقة منذ عقود، ونتائجها السلبية الكارثية على هذا القطاع على أرض الواقع؟
المتتبع لمطالب الصناعيين والمنتجين عموماً، طيلة العقود الماضية، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة وحتى الآن، لا يجد في متنها البحث عن امتيازات أو إعفاءات بقدر ما يريدون بعض الحقوق مما هو منصوص عنه في بعض القوانين الخاصة بهم والناظمة لعملهم، أو الحد من بعض الصعوبات والتخفيف من المشاكل التي لا يد لهم بها، مع تأكيدهم الدائم على ما يعانونه على مستوى زيادة التكاليف، وخاصة بما يتعلق بمدخلات ومستلزمات الإنتاج والعملية الإنتاجية، والأهم بهذا المجال بالنسبة لهؤلاء هو توفير حوامل الطاقة، طبعاً مع إعادة تذكيرهم بكل ذلك في كل مرة تتاح لهم الفرصة لذلك، وجل ما يرغب به هؤلاء هي معاملتهم على قدم المساواة مع القطاع الاستثماري المحظي، من حيث التسهيلات وليس الامتيازات، فهؤلاء لا مشكلة لديهم في أن يسددوا ما عليهم من رسوم وضرائب بمختلف مطارحها وتسمياتها، الرسمية طبعاً، وليس الإتاوات والرشاوى التي تفرض عليهم ابتزازاً، وسبق أن أكدوا على ذلك مراراً وتكراراً.
فهل سيستفيد هؤلاء من القانون الجديد فعلاً، أم أنه سيكون من حيث النتائج كما سبقه من قوانين استثمار وبالاً عليهم وعلى الإنتاج والعملية الإنتاجية والاقتصاد الوطني عموماً؟
الخصخصة مستمرة مع الاعتراف بفشل التشاركية
على الطرف المقابل، يبدو أننا مقبلون على أسلوب وشكل جديد من الخصخصة تحت عنوان الاستثمار مع القطاع الخاص، طبعاً مع مزيد من الإعفاءات والمزايا التي تصب بمصلحة المستثمرين وأصحاب الأرباح، بموجب القانون الجديد!
فأول ما يلفت النظر بالقانون الجديد، هو ما ورد في الفقرة /ب/ من المادة 3 في الفصل الثالث، تحت عنوان «نطاق تطبيق القانون«: «المشروع الذي يتم بناءً على طرح الجهات العامة لأملاكها الخاصة على الاستثمار مع القطاع الخاص ولا يخضع لقانون التشاركية».
فعلى الرغم من كل التحفظات والملاحظات التي وضعت سابقاً على قانون التشاركية كبوابة مشرعة ومقوننة للخصخصة، وما أسفر عنه من نتائج، إلّا أنه لم يكن كافياً على ما يبدو بالنسبة لأولي الأمر من القائمين على تطبيق السياسات الليبرالية، حيث أتيح المجال مجدداً، عبر بوابة وقوننة جديدة بموجب القانون الجديد، لطرح الأملاك الخاصة للجهات العامة على الاستثمار مع القطاع الخاص!.
وربما هذا الشكل من الخصخصة الجديدة، بعد فشل استكمال الخصخصة عبر التشاركية، من الأهداف المبيتة غير المنصوص عليها بشكل مباشر وصريح في متن القانون، والتي تتوافق عملياً مع السياسات الليبرالية المعادية لكل ملكية وحقوق عامة، وتسعى إلى ابتلاعها تباعاً بأقل الكِلف وأعلى الأرباح، فكيف إن كانت هذه الملكية العامة منتجة؟!
بكل اختصار
مبدئياً، وقبل المزيد من الخوض في تفاصيل وحيثيات القانون، يمكن القول: إن إيراد عبارة «توسيع قاعدة الإنتاج» في متن أهدافه تعتبر نوعاً من التغطية على موبقات مضمونه ونتائجه النهائية، وخاصة ناحية شريحة حيتان المال والفساد المستفيدة منه، وشريحة أمراء الحرب والأزمة الجدد، التي لا علاقة لها بالإنتاج والعملية الإنتاجية.
فكل قوانين الاستثمار التي صدرت حتى تاريخه لم تكن إلّا من أجل المزيد من تغوّل هذه الشريحة والحفاظ على مصالحها دوناً عن مصالح الشرائح الاجتماعية الأخرى، وخاصة الغالبية المفقرة، وعلى حساب المصلحة الاقتصادية والوطنية عموماً.
وللحديث تتمة..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1019