طوابير المواصلات والبديل المُقيّد!
أزمة تلو الأخرى تعصف بالسوريين، فمشهد الطوابير أصبح حالة اعتيادية وبـ «الإجبار» في سورية، شوارع فارغة من السيارات والسير، سيارات مصطفة يميناً- يساراً وبشكل طوابير طويلة لعدة كيلومترات أمام الكازيات تنتظر مادة البنزين.
الناس يقفون على طوابير جديدة انتظاراً لأية وسيلة نقل كي يعودوا إلى منازلهم، طوابيرٌ على الغاز- الخبز..، أشخاص يتحدثون مع أنفسهم، «فقر- غلاء- جوع- مرض- تعب- هموم...»، شكوى هنا وحسرة ووجع هناك، وأرواح تنتظر رحمة الله، غلاء فاحش- أسعار دون رقيب أو حسيب، كآبة في كل ركن من أرض الوطن... إنها حياة السوريين اليوم.
أزمة خانقة مجددة
يعاني المواطن اليوم أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وامتد موضوع الاختناق حتى وصل إلى الكازيات، فقد شهدت الكازيات ازدحاماً بالسيارات والسرافيس عليها، هذا الوضع المأساوي أوصل المواطن إلى الاستياء المتزايد قبالة هذه الأزمة التي لم ترَ لها عين ضوء لحلها حتى الآن.
وتزامناً مع التدهور الاقتصادي- المعيشي- وتدهور الليرة السورية، قامت اللجنة المختصة بالمحروقات بتاريخ 29 آذار 2021، «بتخفيض كمية من المواد البترولية بالنسبة للسيارات بمعدل ما يقارب 50% في العاصمة دمشق».
بينما كانت الصدمة الكبرى بالنسبة لسائقي السرافيس العاملة على الخطوط داخل دمشق، فقد تضمن قرار لجنة المحروقات، «إيقاف إمداد السرافيس بمخصصاتهم من مادة المازوت أيام الجمعة، وهذا القرار سيبقى على حاله حتى إشعار آخر بخصوصه».
ومع هذا القرار، ازدادت أزمة المواصلات، وبات الحصول على وسيلة نقل أمراً بالغ الصعوبة، لقد باتت شوارع الكثير من المحافظات السورية شبه خالية من السيارات، ودخلت الكثير من المناطق في أزمة مواصلات لم يسبق لها مثيل، حتى في أحلك سنوات الحرب.
شكوى المواطنين من شبه انعدام لوسائل النقل لم يعد ينفع، بينما يوجه المعنيون هذه الأزمة الكارثية لأسباب لا تدخل في العقل البشري، خصوصاً في ظل توفر مادتي «المازوت والبنزين» بكثرة في السوق السوداء.
تعرفة جديدة
بالمقابل، فقد انعكس هذا القرار سلباً على حركة تنقل المواطنين- الباحثين دائماً على أرخص وسيلة للتنقل بين بيوتهم ومنازلهم وأماكن عملهم وجامعاتهم، أو الأسواق ومراجعة الجهات الحكومية لتسيير بعض الضرورات، فلم يعد هناك أي نشاط للسرافيس، إلّا في حال تمت التعبئة من السوق السوداء، أو بعد طول انتظار على الكازيات لأكثر من 12 ساعة، كما هو الحال لسيارات الأجرة «التكاسي».
وهذا ما يدفع ثمنه المواطن كالعادة، فكل من السائقين يغني على ليلاه، وكل واحد منهم يضع التسعيرة الباهظة «على كيفه»، ولم يعد هناك «خط أو نصف خط أو عدة أمتار!!» مستثناة من ذلك.
فنقلاً على لسان أحد السائقين حول وضع التسعيرة: «عم نضطر نشتري البنزين من السوق السودا بعد ما خفضولنا المخصصات لأنو بدنا نعيش ونطعمي ولادنا، والتنكة حقا بين 50 والـ 70 ألف، فشو متوقع نطلب من العالم؟؟ هاد وضعنا نحن والركاب الله يعينون ويعينّا».
فالتسعيرة هي نفسها الموضوعة من قبل السائق حتى وإن كانت المسافة 50 متراً فقط، وهذا ما زاد الأعباء أضعافاً على كاهل المواطن المجبر على كل تلك المصائب غصباً عنه.
ووصل جميع المعنيين إلى مرادهم كالعادة، ورُمي حمل هذه الأزمة على عاتق «الشوفيرية والركاب»، فالسائق لم تعد تكفيه التسعيرة القديمة، والمواطن ليست لديه نقود كافية للتسعيرة الجديدة، «وحلوها إذا فيكون تحلوها»، والحكومة جالسة على كرسيها تصدر قرارات لا تسمن ولا تغني من الجوع.
حركة السير مشلولة كلياً
قال أحد المواطنين في اليوم التالي من إصدار القرار: «عليك أن تخرج قبل ساعتين من منزلك استعداداً للخيار الوحيد الذي يترتب عليك، وهو الذهاب إلى عملك سيراً على الأقدام، إن لم يحالفك الحظ بالركوب.. فحركة السير مشلولة بالكامل... «ويكتر خير حكومتنا»».
فمشهد انتشار المواطنين على شكل طوابير في المواقف الرسمية يُري العالم الكارثة الحقيقية والمُفتعلة التي يعاني منها المواطنون، دون أية حلول حقيقية حتى الآن من قبل المعنيين.
باتت حمولات باصات النقل الداخلي تزداد عشرة أضعاف عن المحددة لها، سائقون يحمّلون الكثير من طوابير الناس المنتظرة رحمة الله وفرجه، مواطنون يركبون بالإجبار ولا يكترثون للتباعد الاجتماعي خوفاً من «كورونا» لكون البديل غير موجود أساساً، وإن وجد، فإن الأسعار قد تضاعفت بمجهود فردي، لتذبذب سعر مادتي «البنزين والمازوت» في السوق السوداء.
التبريرات الحكومية ورمي الذرائع المعتادة بسبب ظروف الحصار والعقوبات الاقتصادية على سورية، ووجود مشاكل فنية وتقنية في المؤسسات المعنية على التوريدات النفطية، لم تعد تجدي نفعاً.
فالتقصير الحكومي، وجميع المعنيين في هذا القطاع خصوصاً، بات واضحاً وضوحَ الشمس، والهدف منه هو الاستفادة الدائمة لبعض الحيتان من أصحاب البطون الكبيرة من خلق هذه الأزمات.
البديل المُتاح والمُقيّد
في هذا الوقت، قدمت الشركة العامة للنقل الداخلي بعض الحلول من أجل تأمين خدمات النقل للمواطنين في ظل الأزمة الخانقة، وتجلى ذلك من خلال عمل باصات النقل الداخلي بورديات أكثر من السابق، لتغطي الأوقات العادية، وأوقات الذروة الصباحية وبعد الظهيرة والمسائية.
وفي هذا الصدد، أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل بتاريخ 2 نيسان «أن المحافظة وبالتنسيق مع الشركة العامة للنقل الداخلي في دمشق تستمر بالعمل لزيادة الطاقة التشغيلية لوسائل النقل العامة»، حيث تم في صباح التاريخ نفسه «تأمين 119 حافلة من باصات النقل الداخلي وبعض شركات النقل الخاصة لتأمين نقل الأخوة المواطنين ضمن المدينة وإلى الريف القريب».
ومن هنا نرى أن العمل الحقيقي الجاد لحل جزء من مشكلة المواصلات موجود وُمتاح، ويتمثل بإعادة الاعتبار لشركة النقل الداخلي، حتى وإن لم يكن كافياً كما يجب، لكنه كان خارج نطاق التنفيذ من قبل المعنيين، ولأسباب باتت معروفة لدى الجميع، وهي خلق أزمة تُنهك المواطن أكثر من الأزمات السابقة، والاستفادة منها من قبل البعض لمصالحهم الشخصية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1012