المحروقات بين الأزمات والإجراءات التعجيزية
عبير حداد عبير حداد

المحروقات بين الأزمات والإجراءات التعجيزية

تستمر تراجيديا المواطن السوري اللانهائية ضمن أجزائها المترابطة، فلا يمكن فصل أزمة عن أخرى، بل واشتداد واحدة منها تعني اشتداد الأخرى، وكأنها سلسلة متصلة لا يمكن فصلها.

فمع انتهاء عام 2020 بقيت ويلات الأزمات مستمرة تنصب على رأس المواطن السوري ضمن دوامة تأمين الخبز إلى دوامة طوابير الوقوف على الكازيات، واحتمال البرد القارس بسبب غياب سبل التدفئة من كهرباء ومازوت، لتذهب به إلى دوامة أسعار المواد التموينية وصعوبة استلامها عبر البطاقة الذكية، والتي كثير منها غير متوفر.

أزمة المحروقات

أزمة المحروقات واحدة من سلسلة الأزمات التي بقيت حاضرة النقاش خلال عامنا الحالي، والتي لها النصيب الأكبر من التأثير على كافة مفاصل الحياة السورية، وقد بدت لنا أنها قد حلت بشكل جزئي خلال نهاية العام الماضي، لتعود وتتفاقم بشكلها الأشد مع بداية 2021 ولا حلول سوى التعجيزية منها، والتي تنعكس على الواقع السوري من سيء إلى أسوأ، فمع كافة الحلول والمقترحات المقدمة من قبل الحكومة، بقيت طوابير السيارات أمام الكازيات تنتظر لساعات، ينسى بها المواطن أو يتناسى أن يسأل نفسه متى العودة للمنزل؟ بالإضافة إلى المحسوبيات على الدور رغم الرقابة الموضوعة على محطات الوقود، والتي لا تمارس دورها الفعلي كما يقول المثل: «حاميها حرميها».
ولا تقتصر أزمة المحروقات عند ذلك الحد، فالقليل من العائلات السورية قد ابتسم لها القدر، وكانت ممن تسلم مخصصاته عبر البطاقة الذكية ولو كانت 100 ليتر لا أكثر، أما القسم الأكبر، فقد بقي ينتظر الفرج علّه يُبلغ باستلام مخصصاته، التي ربما لم ينلها حتى في السنة الماضية، وفي الوقت ذاته نجد ما يفيض عن الحاجة من المشتقات النفطية سواء لمادة المازوت أو البنزين، وبمعدلات استغلال عالية ضمن شبكات السوق السوداء، التي من الجدير بالذكر أنها تنشط وتزداد بشكل طردي مع كل أزمة جديدة.

الإجراءات ونتائجها

فاقمت سلسلة من الإجراءات المتبعة من قبل المسؤولين هذه الأزمة ونتائجها الكارثية على المواطن، الإجراءات التي كانت بدايتها استمرار تخفيض الدعم عن المواد النفطية بداية العام الحالي، معللين ذلك بسبب تأخر التوريدات النفطية المتفق عليها، ليتلوها قرار رفع سعر البنزين المدعوم وأسطوانة الغاز من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وما تبعها من نتائج انعكست على القطاعات الإنتاجية والصناعية والنقل، بالإضافة إلى تردي واقع المواصلات العامة وتسعيرة سيارات الأجرة التي ارتفعت إلى حدّ جنوني، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية التي لا يمكن للمواطن أن يتحمل أعباءها.
وآخر ما حرر، والذي يزيد الطين بلة، تصريح وزير النفط «بسام طعمة» الأخير، أن انفراج أزمة المحروقات كان وشيكاً لولا جنوح السفينة في قناة السويس، التي عطلت وصول المشتقات النفطية، والتي كان من المفترض إفراغ حمولتها في ميناء بانياس يوم الجمعة 26 آذار حسب تصريحه الذي أدلى به عبر أحد القنوات السورية الرسمية!
وأشار التصريح إلى أن الوزارة ستلجأ إلى ترشيد توزيع الكميات «المرشد استخدامها أصلاً» للحفاظ على استمرار عمل المؤسسات الحيوية من أفران ومشافٍ ومحطات مياه واتصالات، وهكذا رمى بثقل امتداد المشكلة المتأزمة على السفينة الجانحة في قناة السويس، والتي ربما تمتد إلى ما بعد حل مشكلة قناة السويس، ومن يدري ما المبررات التي سيطلقونها بعد ذلك.

اقتراحات وغياب الرقابة

رفعت لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة للحكومة مقترحاً تضمن دراسة آلية جديدة لتوزيع المحروقات، وذلك بحصر توزيع المازوت والبنزين بوزارة النفط بدلاً من لجان المحروقات المركزية «المعنية بعملية توزيع المشتقات النفطية، وخاصة المازوت والبنزين» حيث أكد وزير النفط بسام طعمة خلال الاجتماع، استعداده للآلية الجديدة، ولا بد من الإشارة إلى أن لجان المحروقات المركزية تتألف من شركات المحروقات والتموين وقائد الشرطة، وهذه اللجنة يترأسها المحافظ، حيث جاء طرح هذه الآلية كمحاولة لحصر المسؤولية في حال وجود أي خلل ضمن لجان المحروقات المركزية وتضيع المسؤولية، فهي تابعة لجهات عدة كما ذكر سابقاً، ومن المفيد السؤال هنا: أين دور الرقابة من عملية التوزيع؟ سواء كانت ضمن اللجان مركزية أم ضمن الوزارة، وإذا تغير شكل الجهة الموزعة، هل سيتم ضبط العملية فعلاً؟ وما هي الآليات المتبعة؟ وسواء تمت الموافقة على اقتراح حصر توزيع المشتقات النفطية عبر وزارة النفط، أو بقي ضمن اللجان المركزية، سيبقى المتضرر الوحيد هو المواطن الذي أنهكه تقاذف مسؤوليات التقصير بين الجهات المعنية.

دور الوزارة

مما سبق، يبدو أن وزارة النفط دورها محصور ضمن نطاق تأمين المشتقات النفطية، بينما توزيع المحروقات ضمن المحافظات يتم عبر لجان المحروقات المسؤولة عن الموضوع.
ومن هنا يبقى السؤال الأهم: هل المشكلة بالجهة القائمة على آلية توزيع المحروقات؟ أم إننا بحاجة إلى رقابة فعلية حقيقية، وعلى أعلى مستوى؟ فمن دون الرقابة، سواء بقي التوزيع عبر اللجان أم عبر الوزارة، لن ينعكس ذلك على واقع المواطن من جهة، ومن جهة أخرى، على عملية ضبط السوق السوداء.
فمع غياب الرقابة الحقيقية، يجري تمركز النهب بيد القلة المسؤولة عن المحروقات. ويفقد المواطن السوري حقه في هذه المحروقات، أو على الأقل يجري تخفيض حصته منها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1011
آخر تعديل على الإثنين, 29 آذار/مارس 2021 14:23