الخبز.. تعميم جديد لمصلحة الفساد والسوق السوداء!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الخبز.. تعميم جديد لمصلحة الفساد والسوق السوداء!

مزيد من هدر وقت وجهد بعض المواطنين، ومزيد من الازدحام أمام المخابز، ومزيد من المشاكل والخلافات بنتيجة الازدحام، ومزيد من استغلال الحاجات، هي بعض النتائج الجديدة الملموسة جراء تنفيذ مضمون التعميم الصادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الموجه إلى كافة مديريات التموين في المحافظات، والذي تضمن: «عدم بيع الخبز للمواطن إلا ببطاقة ذكية واحدة لا أكثر تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة».

فالتوجيه الرسمي الجديد أعلاه، كان عبارة عن عدد محدود من الكلمات، لكنه أدى عملياً إلى مزيد من الصعوبات من أجل الحصول على رغيف الخبز، ولا غرابة في ذلك طالما بقيت التوجهات الرسمية تجير أزمة الخبز بأسبابها على المواطنين فقط لا غير!

التركيز على النتيجة دون الأسباب

مما لا شك فيه، أن الازدحام أمام المخابز والأفران مشكلة قائمة ومستمرة وبحاجة للحل، لكنها بآن تعتبر نتيجة لجملة من الأسباب، كان للتوجهات والتوجيهات الرسمية الحصة الأكبر فيها، التي أضيفت إلى عوامل الفساد والاستغلال كسبب رئيس، ليس لأزمة الخبز فقط، بل ولكل الأزمات التي تنعكس سلباً على حياة ومعيشة وخدمات المواطنين، والتي لم تجد لها حلولاً حتى الآن!
فالتوجيه الجديد أعلاه، يبدو في أحد جوانبه يركز على مشكلة الازدحام بغاية التخفيف منها، وبجانب آخر يبدو بغاية الحد من تسريب بعض المخصصات من الخبز المدعوم إلى السوق السوداء عبر شبكاتها العاملة استغلالاً وفساداً، لكنه بالواقع العملي زاد من الازدحام، ولم يحد من الكميات المسربة من الخبز التمويني إلى هذه السوق.

لا تأثير على الكميات

من المفروغ منه، أن المواطنين يستعينون ببعضهم البعض، ومن المفروغ منه مثلاً: أن يؤمن أحد الأبناء الخبز لنفسه ولذويه، أو لأحد أقربائه، بنفس الوقت، أما مع التعميم الجديد فقد أصبح لزاماً على هؤلاء أن يقفوا في طوابير الانتظار مرتين، أو تخلي المواطنين عن مساعدة بعضهم البعض، واضطرار كل صاحب بطاقة أن يقف في الطوابير، والنتيجة واحدة، هي زيادة الازدحام على الطوابير، وزيادة ساعات الانتظار.

فالمضمون من الناحية العملية كان على حساب أولئك الذين يقومون بمساعدة ذويهم أو أقربائهم أو جيرانهم باستلام مخصصاتهم من الخبز فقط لا غير، فالكميات المسلمة بموجب البطاقة الذكية للمصطفين في طوابير الانتظار لن تتأثر بمضمونه، لكن الازدحام هو المستمر والمتزايد.
ولا ندري ماهي المشكلة لدى الوزارة بهذا الشأن، طالما لن يكون لها تأثير على الكم المسلم بموجب البطاقة الذكية، ووفقاً للمخصصات المسقوفة لكل أسرة، المبوبة والمتحكم بها عبر الذكاء، برغم عدم كفايتها، والتي لا يمكن تجاوزها؟!

تساؤلات مشروعة

يتساءل المواطنون: إذا كانت الغاية من التعميم أعلاه تخفيف شدة الازدحام أمام المخابز والأفران، فلعله كان من الأجدى أن يفسح المجال لاستلام مخصصات كل بطاقة عن عدة أيام، بدلاً من الشكل اليومي للتوزيع المعتمد لهذه المخصصات، والتي تزيد الازدحام والوقت المهدور للمواطنين وعلى حساب تعبهم وإرهاقهم؟!
إلّا إن كان من ضمن الغايات البعيدة أن يستغني البعض عن مخصصاته من الخبز التمويني، لعدم تمكنه من الوقوف في الطوابير والانتظار لساعات، وخاصة كبار السن والمرضى والعجزة، حيث سيضطر هؤلاء للجوء إلى شبكات السوق السوداء، أو إلى البدائل المتاحة عبر المخابز السياحية، وفي كلتا الحالتين سيتكبدون نفقات كبيرة فوق طاقتهم؟!

حصة السوق السوداء محفوظة

على الطرف المقابل، لا بد من الإشارة إلى أن من يقومون بتجميع بعض البطاقات، لاستلام مخصصاتها لبيعها في السوق السوداء، لا تعجزهم الحيلة ولا تعيق عملهم مثل هذه التوجيهات والتعاميم.
فالكميات المسربة من الخبز التمويني للسوق السوداء لا تقتصر على ما يتم استلامه من كميات بموجب البطاقة الذكية فقط، فهناك وسائل وأساليب أخرى لتسريب بعض الكميات من الخبز التمويني للسوق السوداء، منها: النسب المسموحة بالبيع خارج البطاقة، ومنها ما يتم اقتناصه نهباً من وزن كل ربطة خبز على حساب حق المواطن، ومنها ما هو مرتبط بهوامش الهدر المسموحة من كم الإنتاج بكل مخبز وفرن، بحسب المخصصات المسلمة من إجمالي الدقيق...
أما أكثر ما هو فج على مستوى مشكلة الازدحام والطوابير والمخصصات بموجب البطاقات، فهي عوامل المحسوبية والوساطة، التي يستفيد منها البعض للهروب من ساعات الانتظار، على حساب بقية المنتظرين، والبعض من هؤلاء هم من يحملون أكثر من بطاقة ذكية غالباً، وهو ما يتسبب ببعض الإشكالات أحياناً، بين المواطنين والقائمين على كوّات البيع.

فرصة جديدة للاستغلال

بكل اختصار، يمكن القول: إن التعميم الجديد بتركيزه على المواطنين كأنهم سبب في مشكلة الازدحام، لم ولن يحل هذه المشكلة، بل على العكس زادها تأزماً، وزاد من الأعباء والمشاق على المواطنين، بما في ذلك ما ينجم عن الازدحام من مشاكل وخلافات تصل إلى حدود تبادل السباب والشتائم، بل وتبادل اللكمات، والأهم، أنه فسح المجال أوسع لشبكات السوق السوداء كفرصة جديدة لتستغل حاجات هؤلاء، ومؤشر ما وصل إليه سعر ربطة الخبز في السوق السوداء أمام المخابز خلال الأيام الماضية دليل على ذلك.

جوانب النهب والفساد المغيبة

على هامش الحديث عن الخبز التمويني، وما يشوب إنتاجه وصناعته من أوجه فساد لا تقتصر على شبكات التجارة برغيف الخبز، ربما تجدر الإشارة إلى ما صرح به مدير المؤسسة السورية للحبوب عبر إحدى وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي، قائلاً: «سبب أزمة الخبز الحالية ليس في نقص القمح، وإنما في طريقة وآلية توزيع الخبز واستمرار المتاجرة بالدقيق التمويني، وارتفاع نسبة الهدر في إنتاج الرغيف سواء في الأفران أو المنازل».. وبأن: «ظاهرة المتاجرة بالدقيق التمويني مستمرة، وتشكل نسبة لا تقل عن 15- 20%، لأنها أكثر ربحاً من المتاجرة بالحشيش».
فعلى الرغم من التركيز على الدقيق التمويني في الحديث الرسمي أعلاه، إلا أن الجوهر ما زال يُجير المشكلة على المنتج النهائي المتمثل برغيف الخبز، في الأفران والمنازل، أما الغائب عن التصريح الرسمي فهو القمح، كمادة أولية مدعومة يطالها التهريب والفساد أيضاً.

وبهذا الصدد، نستشهد بما ورد عبر وسائل الإعلام مؤخراً، عما كشفه الآمر العام للجمارك، عن: «ضبط شاحنة (قاطرة ومقطورة) محملة بـ62 طناً من القمح كانت تتجه إلى إحدى المحافظات الشرقية، مبيناً أن سائق الشاحنة ادّعى أثناء التحقيق الأولي معه أن حمولة الشاحنة هي شعير، وأن مصدر هذه الحمولة من المناطق الشرقية ويتجه بها إلى منطقة منبج، على حين ثبت بالكشف والتدقيق في القضية أن الحمولة قمح مصدره محافظة حماة، وكان يتجه السائق بهذه الحمولة إلى منطقة منبج في ريف حلب».. وبيّن: «أن هذه هي القضية الخامسة منذ شهر كانون الأول الماضي التي يتم فيها ضبط حالات تهريب لمادة القمح المدعومة من الدولة».

وكذلك ربما من المفيد التذكير بملفات الفساد المفتوحة منذ العام الماضي بنتيجة التحقيقات في محافظة الحسكة، في مركز جرمز للحبوب، وفي أحد المخابز فيها، والتي تعمل عليها جهات التفتيش، ووصل بعضها إلى القضاء.
فإذا كانت التجارة بالدقيق التمويني المدعوم المهرب أكثر ربحاً من المتاجرة بالحشيش، وهي لا شك لها شبكاتها العاملة التي تحصد هذه الأرباح، فكيف بالتجارة بالقمح المدعوم المهرب وشبكاته أيضاً؟!
وإلى متى ستستمر الآليات الرسمية بتجيير أزمة رغيف الخبز، كمنتج نهائي، على المواطنين فقط لا غير، بعيداً عن كل شبكات الفساد المتسلطة على كل حلقات صناعته وإنتاجه، بعد كل ذلك؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1004
آخر تعديل على الإثنين, 08 شباط/فبراير 2021 00:57