المواد التموينية والتطفيش الذكي
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

المواد التموينية والتطفيش الذكي

يبدو أن المعاناة من أجل الحصول على المخصصات التموينية لن تجد طريقها إلى الحل، فبعد تزايد الازدحام أمام منافذ بيع السورية للتجارة خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر تشرين الثاني الماضي، وعدم تمكن البعض من استلام مخصصاته، اختصرت السورية للتجارة عدد منافذها المخصصة لهذه الغاية، ما يعني: أن الازدحام سيستمر وكذلك المعاناة.

فقد أعلنت السورية للتجارة فتح باب التسجيل على مخصصات شهري كانون الأول والثاني من المواد التموينية (رز وسكر) عبر التطبيقات «الذكية» المخصصة لهذه الغاية، لكن المفاجأة بالنسبة للمواطنين كانت بعدم إدراج بعض الصالات والمنافذ في خانات الاختيار «الذكية» في بعض المناطق، وتخصيص بعض المنافذ التعاونية التابعة لبعض الجهات العامة بالعاملين فيها فقط.

البعض خسر حقه

الواقع يقول: إن السورية للتجارة لم تستكمل توزيع مخصصات المواد التموينية للمواطنين عن شهري تشرين الأول والثاني الماضيين، فمع نهاية الشهرين تزايدت معدلات الازدحام أمام الصالات المخصصة لهذه الغاية، علماً أن المواطنين الذين تقاطروا للوقوف في طوابير الانتظار أمام هذه الصالات كانت قد وصلتهم الرسائل الموعودة، مع لحظ تغيير اسم الصالة في كثير من الحالات، حيث تم سحب بعض الصالات والمنافذ من العمل، ما أدى عملياً إلى زيادة الازدحام أمام المتبقي منها في الخدمة.

مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة في دمشق كان قد صرح عبر إحدى الصحف المحلية مطلع الشهر الحالي أن: «المخصصات من السكر والرز عن دفعة الشهرين الثاني عشر والأول سيتم التريث بتسليمها لحين الانتهاء من تسليم كل المواطنين مخصصاتهم من دفعة الشهرين السابقين، لافتاً إلى أن السيارات الجوالة مستمرة بالتوزيع في أحياء العاصمة دمشق، وذلك من خلال تسيير ما بين ثلاث إلى خمس سيارات يومياً، إضافة إلى زيادة مخصصات الصالات والمجمعات من المادتين، ومضاعفة عدد الرسائل المرسلة يومياً، حيث تتراوح بين 400 إلى 800 رسالة يومياً».

عدد الرسائل اليومية المشار إليها أعلاه، تعني فيما تعنيه، مع فترة التمديد المذكورة والمحددة بأسبوع، أن تعداد الأسر التي لم تستلم مخصصاتها من المواد التموينية عن شهري تشرين الأول والثاني يتراوح عددها فضفاضاً بين 2800- 5600 أسرة، وذلك في مدينة دمشق فقط، وهو عدد كبير لا شك، ولا توجد بيانات عن الأعداد في بقية المحافظات، كما لا أحد يعلم فيما إذا تم تسليم هؤلاء مخصصاتهم، فالبعض لم يستلم مخصصاته عملياً، أي: إنه خسر حقه في هذه المواد بالنتيجة، وقد فتحت السورية للتجارة بوابة التسجيل على مخصصات الشهرين التاليين.

هل المشكلة في الذكاء؟

بغض النظر عن الإجحاف بأن البعض خسر مخصصاته عن الشهرين الماضيين، لكن السورية للتجارة لم تزد من عدد منافذها المخصصة لتوزيع المواد التموينية كما هو متوقع، وبحسب ما تم تزويدها به من توجيهات حكومية، ومن أجل حل مشكلة الازدحام، بل على العكس فقد اختصرت هذه المنافذ.

فقد لوحظ أن بعض الصالات التي كانت موجودة في التطبيقات الذكية من أجل الاختيار من قبل المواطنين، وكانت تعمل خلال الفترات السابقة في تسليم المواطنين مخصصاتهم، تم سحبها من خانات الاختيار عبر هذه التطبيقات، وأصبح المواطن محكوماً ببعض الصالات في منطقته فقط، بل وأحياناً خارج منطقته.

ولعله من المفروغ منه أن اختصار عدد المنافذ والصالات المخصصة لتوزيع المواد التموينية يعني مزيداً من الازدحام على البقية المخصصة لهذه الغاية، وذلك بحسب ما يرد من رسائل للمواطنين طبعاً.
فهل الأمر متعلق بالذكاء بهذا الجانب، أم بالإدارة؟

تغيير غير مبرر ومجحف

أحد المواطنين، في العقد السادس من العمر، يسكن في منطقة الشيخ محيي الدين في دمشق، قال: كنت أستلم مخصصاتي من «صالة الجبّة» بالقرب من منطقة سكني، وفعلاً لم تشهد هذه الصالة الكثير من الازدحام بعد أن أصبح الأمر مرتبطاً بالرسائل، لكن المفاجأة أن الرسالة وصلتني لاستلام مخصصاتي عن شهري تشرين الأول والثاني من «صالة 29 أيار»، وهي بعيدة جداً عن مكان سكني، مع مهلة زمنية 24 ساعة فقط لاستلام هذه المخصصات، بدلاً من 48ساعة، وطبعاً كنت مضطراً لتكبد المعاناة في الوصول إلى الصالة البعيدة، والمعاناة من الازدحام على بوابتها من أجل استلام مخصصاتي، مع الاضطرار لاستخدام تكسي من أجل نقل هذه المخصصات لقاء مبلغ 1500 ليرة، فمن المستحيل أن أحمل 6 كغ رز و6 كغ سكر، وهي مخصصاتي عن شهرين، بعمري هذا، ولا توجد وسائط نقل (سرافيس أو باصات) من شارع 29 أيار إلى الشيخ محيي الدين!.

يضيف المواطن: الأدهى من ذلك، أن «صالة الجبّة» لم تعد موجودة في خانة الاختيار عبر تطبيقات السورية للتجارة المخصصة لهذه الغاية، فبعد الإعلان عن فتح باب التسجيل على مخصصات شهري كانون الأول والثاني، لم يعد اسم الصالة موجود في قائمة الخيارات، ما اضطرني لتغيير اختياري إلى الصالة الأقرب وهي صالة المزرعة، مع العلم أنها بعيدة كذلك عن مكان إقامتي، وكذلك سأضطر لاستخدام تكسي، ومن المؤكد أن الغالبية من سكان منطقتي اضطروا للتغيير مثلي إلى هذه الصالة الأقرب، ما يعني أن الازدحام عليها سيكون على أشده خلال عمليات الاستلام اللاحقة!.. فلماذا جرى هذا التغيير، ولماذا تم إيقاف عمل صالة الجبّة في توزيع المخصصات التموينية، ومن المفترض أن تكون مخصصة لخدمة سكان المنطقة المحيطة بها؟

تهرب ومزاودة

المفاجئ في الموضوع، هو استمرار تعامي السورية للتجارة عن معاناة المواطنين، وعدم مبادرتها لحل المشكلة المستعصية المتمثلة بالازدحام أمام المنافذ في الدرجة الأولى، أو التأخر بوصول الرسائل بالدرجة الثانية، والأنكى من ذلك هو تحميل المواطنين مسؤولية تقصيرها، مع تذرعها بـ»الذكاء».

فقد نقل عن مدير عام السورية للتجارة عبر إحدى الصحف المحلية مطلع الشهر الحالي ما يلي: «الذي لم تصل الرسالة إليه فلينتظر إلى التوزيع الجديد مع عدم إمكانية حصوله على ما فاته من الشهرين الفائتين، منوهاً بأن الرسائل وصلت إلى الأغلبية الساحقة من المشتركين، وكل من كانت بياناته صحيحة».

التصريح أعلاه يلقي اللوم على المواطنين كتغطية عن تقصير السورية للتجارة، حيث أضاف مديرها العام: «إن حلول البطاقات عند شركة تكامل حصراً ونحن فقط جهة تنفيذية».
المواطنون الذين سمعوا بالتبرير أعلاه أشاروا الى أن بياناتهم صحيحة، والدليل هو استلام مخصصاتهم عن الأشهر الفائتة، وعبر الرسائل الذكية طبعاً، وكل ما يقال عكس ذلك ما هي إلا ذرائع وحججاً واهية!

هل الازدحام غاية؟

من المفروغ منه، ألّا علاقة للذكاء بموضوع توقف بعض الصالات عن العمل، دون تبرئته من موضوع الرسائل، فهذا قرار إداري من السورية للتجارة حصراً، وبمسؤوليتها، وتبعاته المتمثلة بالازدحام والعناء، إن لم تكن معروفة سابقاً، فقد تم تسجيلها خلال الفترة القريبة الماضية، وكان من المفترض إعادة عمل هذه الصالات، بل وزيادتها، بدلاً من استمرار توقيفها، وعدم إدراجها في خانات الاختيار عبر التطبيقات المخصصة، أو الاضطرار لاستخدام السيارات الجوالة على أنه شكل من أشكال تحمل المسؤولية، في الوقت الذي لا مبرر لذلك بحال استعادة كافة المنافذ لمهامها!.

فهل استمرار الازدحام أصبح غاية بذاته بالنسبة لإدارة السورية للتجارة التي قلصت عدد صالاتها المخصصة؟
وهل اللجوء إلى السيارات الجوالة، لذر الرماد في العيون، على أنه إجراء إنقاذي، هو الحل؟
وهل فقدان البعض لحقهم، أو الاضطرار للتنازل عنه، بسبب البعد أو هرباً من الازدحام، غاية أخرى أيضاً؟

كثيرة هي الأسئلة التي تتبادر للأذهان على وقع آليات العمل المتخبطة في توزيع المواد التموينية، والتي وصلت حدود التطفيش، دون إغفال قرارات تخفيض الدعم المتتالية طبعاً، وهي جميعاً بعهدة ومسؤولية السورية للتجارة بداية، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وكل الحكومة، من خلفها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
995