المجاعة والمهمة الحياتية العاجلة
ورد على موقع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP)، عبر حسابه على «تويتر»، بتاريخ 7/11/2020، ما يلي: «مَعْلمٌ قاتمٌ آخر: الجوع في سورية بلغ مستويات قياسية. ما يقرب من نصف العائلات السورية، أو 9,3 مليون شخص، يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي. ما لم يتم اتخاذ إجراء عاجل، سنواصل تحطيم الأرقام القياسية التي لا نريد تحطيمها»، والحديث هنا عن الجوع!
يشار إلى أن برنامج الأغذية العالمي كان قد حذر، منتصف حزيران الماضي، من «مجاعة قد تطرق أبواب سورية، بسبب استمرار التدهور الاقتصادي والمعيشي في البلاد».
تفاصيل وأرقام
أورد الموقع الرسمي لبرنامج الأغذية العالمي عن سورية ما يلي: «بعد تسع سنوات من النزاع، لا تزال الأسر في جميع أنحاء سورية تتعرض لمستويات متزايدة من الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وتستمر الاحتياجات الإنسانية الشديدة في جميع أنحاء البلاد.. ووفقاً لتقديرات البرنامج/ يعاني حالياً نحو 9,3 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي- بزيادة قدرها 1,4 مليون شخص خلال الستة أشهر الماضية فقط. ولقد أثّرت سنوات النزاع المتواصل على حياة الفئات الأشد ضعفاً واحتياجاً في البلاد، كما أضرت بحالتهم التغذوية، ومن بينهم النساء والأطفال.. ومع ارتفاع الأسعار، اضطرت الأسر إلى تبني تدابير قد تترتب عليها عواقب ضارة للتكيف مع الأوضاع.
وقد كشفت دراسة استقصائية أجراها مؤخراً برنامج الأغذية العالمي: أن بعض الأسر تقلل من عدد وجباتها اليومية من ثلاث وجبات إلى وجبتين، كما تبين ارتفاع عدد الأشخاص الذين يشترون المواد الغذائية بالاستدانة، كما تلجأ بعض الأسر إلى بيع الأصول والماشية لإدرار دخل إضافي».
ومن الإحصاءات الرقمية الواردة على الموقع حول سورية أن:
11,1 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية.
9,3 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي.
6,7 مليون شخص تلقوا مساعدات من البرنامج في عام 2019.
المفقرون لا تعنيهم التقارير
مضمون التقرير أعلاه، ليس موجهاً للغالبية المفقرة من السوريين من كل بد، وقد لا يعنيهم مضمونه، فهؤلاء وقد وصلوا حدود المجاعة ليسوا بحاجة لتأكيد المؤكد بالنسبة إليهم، ولما يعانونه من أجل تأمين الحد الدنى لمتطلبات البقاء على قيد الحياة، حيث تمارس عليهم وبحقهم مختلف أنواع وأشكال النهب والاستغلال، وليس على مستوى احتياجاتهم الغذائية فقط.
فحتى ما ورد في التقرير، من أن بعض الأسر خفضت عدد وجباتها إلى اثنتين بدلاً من ثلاثة، فيه بعض التجميل للواقع المعيشي القاسي.
فالغالبية من كبار السن في الأسر باتوا مضطرين للاكتفاء بوجبة واحدة يومياً فقط، وغالباً ما تكون غير مشبعة، بل وتفتقر للغنى الغذائي المطلوب لإعادة شحذ قوة عملهم لليوم التالي! أما على مستوى الاستدانة، فحدث بلا حرج، وكذلك على مستوى بيع المقتنيات والأصول من أجل تأمين الحدود الدنيا من الغذاء اليومي لأفراد الأسرة، التي أصبحت فوق طاقة وإمكانات هؤلاء، وقد وصلوا إلى المجاعة فعلاً.
الحكومة غير معنية
مما لا شك فيه، أن التقرير الأممي أعلاه، وإن كان موجهاً بغاية الحصول على مساعدات دولية لتغطية إنفاقه على المساعدات الغذائية المنقذة للحياة لبعض الشرائح المستهدفة من السوريين عبر قنواته، إلّا أنه يقرع ناقوس الخطر من المجاعة، التي لم تعد تطرق الأبواب بل اخترقتها، والواقع اليومي المُعاش والمُشاهد دليل أوضح من كل ما يمكن أن يرد في التقارير.
وبعيداً عما يمكن أن يحصل عليه برنامج الأغذية العالمي من مساعدات مالية لاستمرار القيام بعمله في الداخل السوري، لا بد من التساؤل عما قامت أو ستقوم به الحكومة حيال ذلك؟
فالواقع يقول: إن الحكومة لا يعنيها التقرير، ولا الواقع المعاش من الغالبية المفقرة التي وصلت حد المجاعة، لا من قريب ولا من بعيد، فهي مستمرة بسياساتها المفقرة، مع تغطيتها على كل ما يتعرض له السوريون من استغلال يومي، ليس على مستوى أسعار الغذائيات الأساسية في الأسواق فقط، بل وعلى كافة المستويات الأخرى التي تستنزف ممكنات الحياة، الخدمية والمعيشية والصحية و..
فالوضع المعيشي والاقتصادي، المتدهور سلفاً، أصابه المزيد والمزيد من التدهور خلال الشهور السابقة، فمؤشرات الأسعار، أو مؤشرات سعر الصرف مقابل الليرة، ومؤشرات الإنتاج (الصناعي والزراعي)، أو الخدمات، وهي بجلها من مسؤوليات الحكومة والدولة، ربما تكفي لتكون نتيجتها مزيداً من انعدم الأمن الغذائي، ومزيداً من الجوع.
المساعدات والنهب المستمر
بكل اختصار يمكن القول: إن المجاعة تجاوزت الأبواب، والتعويل على المساعدات الدولية بهذا الشأن قد يخفف منها، لكنه عاجز عن إنهائها، فالسياسات المتبعة حكومياً تعتبر مساهماً أساساً في تعميقها وتوسيع رقعتها، بل إن المستفيدين من هذه السياسات والقائمين عليها، وخاصة كبار حيتان النهب والفساد، يعمدون إلى استنزاف كل ما يمكن استنزافه ونهبه، وبكل وحشية، بما في ذلك المساعدات الأممية والدولية، سواء تلك الموجهة للمفقرين والجائعين، أو تلك الموجهة بمسميات خدمية أو صحية وزراعية وغيرها، مهما بلغت من أرقام، عبر أدواتهم ووسائلهم وشبكاتهم العاملة على كافة المستويات، وبكافة القطاعات، ما يعني أن السير نحو المجاعة لن يتوقف عند حدود الأرقام أعلاه، بل سنتجاوزه إلى أرقام أعلى وأعلى، طالما استمر العمل بالسياسات نفسها، وطالما بقيت شريحة المستفيدين منها، والقائمين عليها، تعمل نهباً وفساداً، بل وتخريباً، ولعل ما تمت الإشارة إليه في متن التقرير أعلاه من أعداد إضافية شملهم انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر الستة الماضية، والبالغ 1,4 مليون شخص، دليل واضح على ذلك.
على ذلك ربما يصح القول: إن استمرار العمل بهذه السياسات أصبح مهدداً للحياة، والتخلص منها، ومن المستفيدين منها، أصبح مهمة حياتية ملحة وعاجلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 994