ورقة روتينية من القصر العدلي
إليكم القصة القصيرة التالية، كما روتها صاحبة العلاقة من واقع مأساتها ومعاناتها، دون رتوش:
رتبت أوراقي الثبوتية في مصنف كبير، بحرص شديد على ألّا أنسى أية ورقة تثبت آلام أنني أصبحت أرملة، وأمّاً لقاصرين يتيمين، يجب أن أكون وصية عليهما.
اتصلت في طريقي إلى القصر العدلي بعملي لأطلب إجازة لمدة ساعة واحدة، ظانّة بأنّ الأمر بسيط، فكل ما أحتاجه، كما أخبرني المحامي لتوكيله ببيع شقة الورثة، ورقة وصاية مؤقتة روتينية.
طوابير وروتين..
بعد وصولي ووقوفي في طابور المصطفين الطويل أمام مكتب القاضي، لأكثر من ساعة دون أن يخبرني أحد المسؤولين عن تنظيم الدور، لا أنا ولا بقية المصطفين، أنّ القضاة في اجتماع، ولن ينتهي قبل ساعتين ونصف. من حسن حظي أنّ أحد المحامين أخبرني بذلك، وبأنّ أوراقي ناقصة. ولذلك أسرعت إلى مركز خدمة المواطن، مشياً وهرولةً، على أمل استخراج الأوراق قبل أن يصل حضرة القاضي.
بعد أن أتممت الأوراق وعدت ودخلت إلى مكتب القاضي، اعترض على الطلب وقال بأنه يجب أن أكتب سبب تكليف المحامي.
عدت ووقفت في الطابور، وانتظرت من جديد إلى أن وصلت إلى الموظفة رصينة الوجه، التي تطلب ٨٠٠ ليرة ثمناً للطلب، ولكنّها لن تعيد من الألف للمرة الثانية لأنها لا تملك فراطة!
وبعد جهد جهيد وتمكني من الوصول إلى مكتب القاضي، رفض سيادته التوقيع على الطلب، وحوّله إلى ديوان الفرائض لمتابعة إجراءات وصاية دائمة!
مشوار التعب
استمر التعب في استكمال الأوراق، وبعد أن وعدها الموظف المتعاطف بأنّ هذه الورقة الأخيرة التي بقيت ويصدر القرار، تضيف:
وصلتُ إلى مكتب القاضي، فكان هناك طابور طويل بالانتظار. أعطيت الإضبارة إلى القاضي الزميل في نفس المكتب، فتأمّل حضرته الأوراق ببرود وطلب ورقه بيان وفاة للجد. ولم ينفع قولي بأنّ قرار حصر الإرث الصادر منذ أسبوع من نفس المكتب صادر بناءً على أنّ الجد متوفى ولا يورث، وبناء على بيان الوفاة الصادر آنذاك.
أعطاني القاضي الإضبارة وطلب مني الذهاب لاستخراج هذه الورقة من خدمة المواطن، وأن أسرع قبل أن ينتهي الدوام.
خرجتُ من المكتب وعيناي مليئة بالدموع، وتمكنت من إرسال الأوراق مع أحدهم إلى الموظف الذي بجانبه، والذي تصفح الأوراق بدوره ووافق عليها واعتمدها، وأصدر القرار دون أن يرى حاجة لإحضار بيان وفاة.
المشكلة الكبرى هنا أنني لا أعرف كيف أعطي (ثمن فنجان قهوة) أو بالأحرى الطريقة التي أدفعها بها.
عدتُ ودموعي تسبقني لفرحتي بأنني أنهيت المعاملة، لكن قاطعها المحامي الذي أخبرني في المساء بأنّ هذا القرار هو قرار وصاية دائمة، وهي لا تنفع بديلاً عن الحصول على إذن خاص بتوكيل محامي لإجراء معامله البيع.
اليوم التالي
عدت في اليوم التالي لأقف في الطابور أمام مكتب القاضي، ليتأمل الأوراق ويحولها إلى قاضٍ آخر لتحديد موعد إجراء كشف على العقار موضوع البيع. شعرت فجأة بأنّ الأروقة المعتمة في القصر العدلي، والتي تشبه السجن، قد تداخلت مع عتمة حزني، وأنا أبحث عن مكتب القاضي الشرعي الأول، والذي لم أعد أراه من سحابة الدموع التي غطت عيناي.
وقفت من جديد في طابور طويل، وكنت أشعر بالغيرة والحسد من أولئك الذين يخرجون ويدخلون بسرعة إلى مكتب القاضي دون الوقوف بالطابور. ثمّ سألني العسكري الواقف أمام باب القاضي، بعد تنبه لدموعي التي لا تتوقف، عن طلبي، وعندما أريته إيّاه وجهني إلى قاضٍ آخر.
دخلتُ بسرعة إلى ذلك القاضي وأنا أتمتم وأدعوا أن تمشي أموري بسرعة، ودقات قلبي تكاد تتوقف من خوفي أن يطلب مني ورقة أخرى. قرّب القاضي نظارته وتأمّل الطلب وسألني: «هذا الطلب من أجل توكيل محامٍ فقط؟» أجبته بنعم وأنا فرحة بأنّ أحدهم انتبه أخيراً إلى ما هو مكتوب في الطلب.
حملت الطلب الذي وقّعه القاضي بسرعة وانطلقت إلى ديوان الأيتام لتسجيله. وكنت طيلة هذا الوقت أنظر إلى الساعة وأحسب ما مضى منها، علّي أنْ ألتحق بالعمل قبل أن تزيد ساعات الاقتطاع بلا أجر، فأنا لم تعد لدي ساعات إجازة.
تمّت.. ولم تنتهِ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 989