الريف منهك.. والحقوق ليست منة من أحد!
الراغب في زيارة الريف الدمشقي، لا بد أن تقفز إلى ذهنه مجموعة كبيرة من الأسئلة التي تكونت لديه في مسار الأزمة، منذ بدايتها وحتى اللحظة.
هذه الأسئلة مرتبطة بما كان يجرى داخل مدن الريف وقراه وبلداته، وما هو عليه الآن من أوضاع، بعد أن جرت التسويات، وأخذ الاستقرار النسبي المشوب بالكثير من المشاكل والتعقيدات يدخل إلى المناطق المختلفة منه، وخاصة بعد أن تخلص الناس من آلة الموت اليومي التي كانت تلازمهم في كل لحظة، لينتقلوا إلى شكل أخر من المعاناة، قد لا تقل مخاطرها عن المعاناة السابقة التي كانوا يعيشونها.
صعوبات تستحيل معها الحياة
سيُصدم الداخل إلى الريف بما هو عليه المكان، حيث استحالة العيش بإمكانات الناس لوحدهم، لأن حجم الدمار في منازلهم وممتلكاتهم وأرزاقهم عظيم وكبير، وكذلك هي حال الخدمات العامة.
هذا الدمار يجعل هؤلاء يعيشون بحيرة شديدة مما هي عليه أوضاعهم وإمكاناتهم!
فكيف سيتدبرون أمر: الماء- الكهرباء- الطرقات- المدارس- إيجاد فرص عمل- المراكز الصحية- الأسعار- وضع الطرقات والحفر التي تمتلئ الشوارع بها- المواصلات التي تربط الريف ببعضه وتربطه بالمدينة، إلى أخر المتطلبات الأخرى التي لا يمكن العيش والاستقرار بدونها؟!.
خطوط كهربائية كثيرة وجدوى قليلة
بالنسبة للكهرباء حدث ولا حرج فالمعاناة كبيرة ومكلفة.
مثلاً، في عين ترما، وهي مدينة كانت الحياة مزدهرة فيها من كل النواحي، العمرانية والاقتصادية، وهي قريبة جداً من دمشق. فإذا دخلت إلى أحد المنازل ستجد العجب العجاب في التمديدات الكهربائية المنزلية!
ستجد بداية خطاً للكهرباء مرتبط مع الشبكة الرسمية، وهذا نادراً ما يزوره التيار الحكومي لينير المنازل، ولو قليلاً، ومع ذلك فالفواتير تصدر بشكل دوري، ولا مناص من تسديدها!.
الخط الأخر يأتي من المولدة، التي يستثمرها أحد المتمكنين، مالياً ونفوذاً، ليزوّد بها من أراد من السكان بالطاقة الكهربائية، ولمدة ساعتين في النهار فقط، مقابل سبعة ألاف ليرة في كل أسبوع، ومن أراد المزيد من هذه الطاقة فعليه أن يدفع المزيد من الليرات، وهذه التكلفة المرتفعة لا يتمكن الكثيرون من تحملها طبعاً.
والخط الثالث للكهرباء مرتبط بالبطاريات التي تشغل «الإنفيرتر» الذي يشغل بدوره جزءاً من الإنارة، وبعض الأدوات الكهربائية الصغيرة، ولمدة قصيرة جداً بحسب استطاعة البطاريات، وهذه العملية مكلفة أيضاً بسبب ارتفاع سعر البطارية وملحقاتها من اللّدات وغيرها.
والنتيجة، تكاليف مرتفعة شهرياً، مع تشابك كابلات وأشرطة وشرطان، وجدوى كهربائية محدودة!.
المياه مرتبطة بالكهرباء
حُلت مشكلة الماء من حيث التجهيزات والبنية التحتية نوعا ما، وذلك بمساعدة بعض المنظمات الدولية.
لكن وصولها للمواطنين عبر الشبكة الرسمية يعتمد بداية على تشغيل المضخات التي تزودها بالطاقة الكهربائية من خلال الشبكة العامة، ومع عدم استقرار التيار الكهربائي في الشبكة الرسمية فإن ذلك يعني أن وصول الماء إلى بيوت القاطنين تواجهه الكثير من الصعوبات، والنتيجة لا استقرار بالمياه دون استقرار بشبكة الكهرباء، وهكذا من مُرّ إلى أمر، حيث يتم اللجوء الى أصحاب الصهاريج لتعبئة المياه، مع ما يعنيه ذلك من نفقات وتكاليف كبيرة شهرية.
الاستغلال بعمليات ترميم المنازل
الترميم له قصة أخرى، فهو مرتبط بإمكانات الناس المادية، هذا من جانب، والجانب الأخر، وهو الأشد سوءاً، أن المواد المراد الترميم بها مرتبطة بمجموعة من الأشخاص المتنفذين، الذين لا يسمحون بالإحضارات اللازمة لعمليات الترميم من خارج شبكتهم، فهؤلاء يتحكمون بالمواد والأسعار، على عين كل أصحاب الأمر من الرسميين.
فمثلاً طن الإسمنت بـ 120 ألف ليرة، بينما سعره الرسمي بعد رفعه يقارب الـ 70 ألف، وكذلك السعر الاستغلالي للحديد، لهذا يلجأ البعض في عملية الترميم إلى الحديد المستعمل والمسحوب من الأبنية المتهدمة «التعفيش»، وهذه أيضاً متحكم بها عبر شبكاتها الخاصة، انتهاءً بسعر البلوكة التي ارتفعت مع ارتفاع سعر الإسمنت، وقس على ذلك في أسعار بقية مستلزمات عمليات الترميم، ناهيك عن أجور وتكاليف اليد العاملة.
فعمليات الترميم الجزئي التي يضطر إليها البعض من أجل إعادة الاستقرار في بيته، هرباً من بدلات الإيجار الشهرية المكلفة، تشكل عبئاً كبيراً بسبب كثرة شبكات الاستغلال العاملة في عمق موادها ومستلزماتها.
مدارس على الأبواب
تعاني المدارس في الريف الأمرين لأسباب عديدة، منها تضرر بعضها، وقلة المدرسين، وتزايد أعداد الطلاب في الشعب الصفية، مع عدم إغفال تداعيات عدم توفر الكهرباء والمياه أيضاً، وغيرها من الصعوبات والمشاكل الأخرى، ولكم أن تتخيلوا شكل ونموذج العملية التعليمية في ظل استمرار هذه الصعوبات، وكيف سيتعلم التلاميذ والطلاب في هكذا أوضاع، عدا عن جائحة الكورونا الحالية، وما تفرضه من ضرورات إضافية، غير متوفرة بغالبيتها!؟.
قمامة متراكمة غير مرحلة
تتكدس القمامة بين الحارات والشوارع في غالبية مدن وبلدات الريف، والجميع يعلم حجم المخاطر الصحية المتولد عن تكدس وتراكم القمامة، وما تستقطبه من حشرات وقوارض وكلاب شاردة، حيث تبرر البلديات ذلك بقلة الآليات لديها، وهذا تبرير عام عكفت بلديات الريف كلها على تقديمه والتذرع به، حتى على مستوى عدم انتظام مواعيد الترحيل.
شوارع محفرة ونقل غير منضبط
الشوارع في غالبية بلدات الريف بحاجة لمد قمصان إسفلتية جديدة فيها، والحد الأدنى بحاجة لردم الكثير من الحفر، الصغيرة والكبيرة، المنتشرة في هذه الطرق وفي الحارات الفرعية في كل بلدة، كي تتمكن السيارات والآليات من السير عليها، وكي يتمكن المواطنون- وخاصة الأطفال- من العبور فيها دون التقافز ومخاطره.
وارتباطاً بذلك موضوع وسائط النقل، التي لم تستقر بعملها في البلدات كافة كما يجب حتى الآن، لا على مستوى عددها بالمقارنة مع الاحتياجات الفعلية وعدد السكان في كل بلدة، ولا على مستوى التزامها بخطوط السير المقررة لها، ولا على مستوى التسعيرة المحددة.
قضايا لا تقل أهمية
هذه بعض القضايا المتعلقة بصلب حياة سكان الريف الدمشقي اليومية، وهناك الكثير من القضايا الأخرى التي لا تقل أهمية عنها، وخاصة على المستوى المعيشي، مثل: توفر المواد والسلع وأسعارها، وخاصة الأساسية منها، مثل: الغذائيات والمحروقات، وكذلك الوضع الصحي وضروراته على مستوى إعادة عمل المراكز الصحية في البلدات كافة، بكامل إمكاناتها على مستوى الطواقم الطبية والأدوية، وغيرها من الضرورات الحياتية التي لا يمكن بدونها أن تستقر الحياة وتستقيم.
الحقوق والكرامة ليست مِنّة
كل ما سبق أعلاه، بالإضافة لكونه من المفترض أن يكون من الحقوق المصانة، التي تم توزيع مسؤولياتها على جهات حكومية عديدة، وخاصة البلديات، بغاية الحرص على مصلحة المواطنين، وليس مِنّة من أحد، وبالرغم من كل الأحاديث الرسمية التي تتحدث عن تخصيص المبالغ اللازمة من أجل توفير وتأمين هذه الحقوق، ولو بالحدود الدنيا، إلّا أن واقع الحال يقول إن الكثير منها منتقص ومهدور، فساداً واستغلالاً.
يبقى أن نشير إلى أن وصول المواطنين لحقوقهم كي يعيشوا بكرامتهم، يعتبر من أولى خطوات إعادة الاستقرار في هذه البلدات، التي عانت مع أهلها الويلات، وما زالت.
فإلى متى الانتظار؟!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 982