تكتيكات القهر وبرمجة القتل البطيء
دعاء دادو دعاء دادو

تكتيكات القهر وبرمجة القتل البطيء

بمراجعة بسيطة وصغيرة شوي بالذاكرة منشوف إنو سنة الـ 2019 أخدت الأزمات فيها شكل منحني بياني، فيو نقاط ذروة- بتعبر عن «الأزمات الخانقة» يلي عشناها ع مدار هل الـ 10 سنين، والنقاط التانية بتعبر عن يلي فينا نسميها «الفترات الاعتيادية».. فيها أزمات بس يلي كانت بالشكل المألوف ويلي كنا نفكر فيها إنو عم نعيش بشكل طبيعي نوعاً ما...

إذا بدنا نحكي شوي عن نقاط الذروة... ففينا نقول إنها كانت موسمية، كيف؟
يعني، كان كل فصل- شهر- حدث معين بيصير عنا شي جديد من نوعوا وشكلو... متل أزمات الغاز والكهربا والمي وخط الفيول اللي بينضرب... القرش يلي بيعض كبلات الإنترنت... ارتفاع وهبل بالأسعار... حجة هداك الأخضر المعفن... احتكار السلع وفقدانها من السوق وبعد فترة منلاقيها مندون ولا تصريح متواجدة بس بسعر بيوجع... وهيك شغلات وقصص ما حدا فيو ينساها...
قبل الحرب بالـ 2011 كان العامل السوري بيقدر يدبر شوي من أمورو، إما بالمساعدة أو بالعمل المسائي «التاني»... والأغلب كان يشتغل شغلين خصوصي يلي كان حاطت ببالو مشتراة بيت العمر... يعني فيكون تقولوا كان السوري يقدر يحلم إنو يحصل ع بيت ملك آنذاك... ويمكن سيارة كمان.. برغم كل الظروف السيئة اللي كانت.. وبرغم الهوة الكبيرة بين الفقرا والأغنيا.. وفي منون كتار قدروا ووصلوا لحلمون بطلوع الروح... واشتروا بيت حتى لو كان بالمناطق المخالفة أو بالريف- ع طراف المدينة أو يغامروا ويدخلوا جمعيات وإيدون ع قلبون...
وشوي شوي بالمساعدة من الرفقة والمعارف والجمعيات يلي كانوا يعملوها مع رفقاتون وضب الإيد وتسكير التم- قدروا كمان يجهزوا بيوتون من مجميعوا نوعاً ما... إكساء البيت- الفرش- أدوات الكهربائية- والذي منو...
هل الحكي هاد كان بيكلف العامل السوري بحدود الـ 30 للـ 35 سنة من عمرو وتعبو... بس فدا البيت وشوية غراض... المهم الواحد يخلص من الآجار ومن الاستعارة- هيك كانوا يقولوا...
في منون تهنا بالبيت يلي راح عمرو وهو يجمع حقو... وفي منو ما تهنا!!! لأن أجت الحرب... وصار يلي صار... وناس كتير نفدت بروحا وبروح ولادا وبس!!! أما تعب وشقا العمر... راح من غير ذنب...
في منون لهل العالم هاجر وطلع برا البلد... لأنو ما عاد عندو عمر تاني قد يلي راح من عمرو ليحسن يوقف ع رجليه... وفي منون نزحوا داخلاً... وانتقلوا لمحافظة تانية تعتبر آمنة نوعاً ما... وبالمصاري القليلة يلي معون وبشغلهم وتعتيرهم حاولوا أنو يرجعوا يوقفوا ع رجليهون من أول وجديد...
طبعاً مو كرمال حالون... ولا كرمال يبنوا مستقبل إلون... عرفانين مسبقاً إنو راحت عليهون... بس كرمال ولادون الصغار- ليحسنوا يطعمون ويشربون ويعلموهن....
ورجعت موضة الشغل التاني والتالت إذا توفر بس بطريقة مبتكرة أكتر... يعني الشغل التاني لحالوا ما عاد ينفع ولا عاد يشبع متل الخلق....
صار كل واحد يلزموا شغل تاني وتالت ورابع مندون مبالغة... وصارت النسوان تقوم وتساعد المصروف كرمال ولادون ما يناموا جوعانين وكرمال يحسنوا يأمنوا مستلزمات البيت يلي استأجروا جديد... يعني ضاعت الأحلام وراحت بخبر كان..
مرت هل السنيين والسوريين كلون عم يشتغلوا من قلب ورب.. وفي منون كتار يلي قدروا يعوضوا شوي من الشي يلي فقدوه... أدوات كهربائية، تياب، فرش للبيت، غرف نوم وأعدة... وعم يدبروا حالون ويحمدوا ربون إنون حسنوا شوي يحسنوا من ظروف معيشتهم...
بس يلي صار ويلي ما حدا كان متوقعوا هو المقوص ويلي تاجروا فيه...
مع الأزمات يلي انخلقت قصد وبدراسة تكتيكية مشان زيادة الاستغلال والنهب والفساد... فتغير رأي كتير من السوريين بإنو تجربة الحرب كانت الأسوأ بالنسبة إلون!!!
هي الأزمات المفتعلة كان هدفا أولاً وأخيراً هي «النهب.. التجويع... التطفيش.. الذل..»..
الأوضاع الاقتصادية تدهورت وكلمالا عم تدهور بزيادة.... الأسعار والغلا والاحتكار ما عاد حسنوا يتقبلون أو يبلعون إلا الحرامية الكبار والصغار ويلي نازلين مص بدم العالم... والبلد تحاصر وانفرض عليه عقوبات ما حدا دفع تمنا غير المعتر يلي ضل عايش جوا...
الشغل التاني والتالت والعاشر ما عاد يجيب نتيجة، لأنو قلة الأخلاق والأسعار والنهب المفضوح صار أكبر من الراتب يلي بينعطى بعشرة أضعاف...
العالم الفقيرة.. يعني الغالبية.. وقفت بمكانها... ما عاد عندا حلول بديلة... لأنها عجزت ع الأخير حتى عن كفاية ذاتها!!!
اليوم، ومع التدهور الاقتصادي الزايد... العالم صارت تستغني عن هواتفا الذكية... تستغني كل شي اسمو تكنولوجيا وتطور... ما حدا من هل الشعب رح يواكب شي... العالم عم يتقدم لقدام كتير ونحن بعدنا محرومين من الكهربا يلي هية من المنسيات برا... أي شو فائدة التطور والتكنولوجيا ببلد فقير وشعبو جوعان مو ملاقي ياكل!!!

وياريت وقفت القصة هون لأن الأغلبية بدت تلجأ لبيع غراض بيتها... بحرقة قلب- غرض ورا غرض... وحتى البعض لجأ لبيع تيابو... واعة ورا واعة كمان...
العالم من الغلا نسيت شو يعني أساسيات وشو يعني كماليات... صار هدفون بس يناموا وبطونون هنن وولادون شبعانة بالحد الأدنى بس.. مو مليانة...
القصة ما خلصت هون كمان... لأن الطمع والجشع والنهب أكبر من هل الحكي بكتير.... وحق كل الأغراض يلي انباعت ما بتعيش العيلة إلا كم شهر.... مشان هيك في منون لهل الدرويش متل ما صرنا نسمع عم يبيعوا أعضائون كرمال ياكلوا... غير السلوكيات الشاذة اللي صرنا نسمع عنها كمان متل السرقة أو القتل كرمال كم ألف ليرة..
وهيك منكون أكتر بلد وأكتر شعب عمل قفزات نوعية بالتراجع والتخلف... غصب عنو مو بكيفو.. وكلو من تحت راس النهب والفساد واللامبالاة الرسمية..
لك ع أساس الحرب خلصت!... بس مالنا بخير ولا بأمان... ويلي عم نعيشوا اليوم من فقر وجوع أصعب وأبشع وأقسى من سنين الحرب كلها... والحرامية الكبار بالبلد عايشين متل ما بدون، وعم يستفيدوا من كل لحظة عم تمر... وعم يكبروا ثروتون مندون أي تأنيب الضمير... والحكومة عاملة فيها «صاحب الظل الطويل».. مدري لي؟! وكلو من كيسنا وصحتنا وعافيتنا...
يمكن هاد يلي اسمو برمجة الموت البطيء... أو بالأحرى القتل البطيء ع ايدين المجرمين الكبار اللي ما عم يرحمو ولا بدهن يرحمو!.
بيقولوا مافي جريمة بدون عقاب.. ومن حقنا نرجع نحلم ونعيش بكرامة مع ولادنا ببلدنا..
الجرايم بحقنا وبحق البلد واضحة.. وع قولة المتل «الشمس ما بتتغطى بغربال» يمكن في كتير من المجرمين معروفين كمان.. وبقيان إصدار الحكم الشعبي بحقهم.. ونوعية العقاب..
فهمتوا عليي كيف يا حبابين؟.

معلومات إضافية

العدد رقم:
974