تعثر مشروع محطة الحجاز.. ولعنة الربح والفساد؟

اللجوء للاسم الترويجي الملفت للمشروع مؤخراً، ربما كان «تميمة» لتجاوز «اللعنة» التي أصابت هذا المشروع القديم بالتعثر، حيث جرى الحديث عنه والترويج له منذ مطلع الألفية الجديدة مع موجة لوثة حمى الاستثمار حينه، لكنه لم ير النور برغم مضي عقدين حتى الآن!

لمحة تاريخية عن مساعي استثمار الموقع

في عام 2003 تداولت بعض وسائل الإعلام، المحلية والعربية، أن: «شركة «عقار» القابضة السعودية قد وقعت عقداً مع المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، وذلك لإقامة مشروع سياحي في موقع المحطة يتألف من قسمين رئيسيين، الأول: ترميم وتطوير مبنى المحطة الحالي، والقسم الثاني: هو استثمار الأراضي والساحات خلف المحطة عن طريق بناء محلات تجارية تطل على شوارع النصر والحلبوني وعلى بهو المحطة الداخلي وبناء قاعة مؤتمرات تتسع لمائة شخص، كما يتضمن المشروع بناء قاعة تعليم وتثقيف في الطوابق العليا، وبناء ثلاثة طوابق تحت الطابق الأرضي، منها طابقان مخصصان لمواقف سيارات تتسع لأكثر من 500 سيارة، والطابق الثالث يحتوي على المحطة الرئيسية للقطارات وعدد من المكاتب الخدمية والإدارية والمطاعم، ويستغرق إنجاز المشروع ثلاث سنوات وتقوم شركة «عقار» السعودية بتشغيله مدة 25 سنة من خلال عقد تشغيل استثماري».
لاحقاً، وفي مطلع عام 2004 تداولت بعض وسائل الإعلام أن: «عقار القابضة السعودية وقعت عقداً مع شركة البناءين المتحدين السورية، تتولى بموجبه تنفيذ مشروع سوق الحجاز في دمشق وبتكلفة تصل إلى 50 مليون دولار تقريباً». وأوضح رئيس مجلس ادارة شركة البناءين المتحدين السورية بحينه إن: «العمل بالمشروع سيبدأ خلال الأسبوعين القادمين وإن مدة التنفيذ تستغرق 30 شهراً».
ثم توقف المشروع، دون معرفة الأسباب الحقيقية خلف ذلك.
في عام 2010 أعيد الحديث عن استثمار الموقع، حيث تداولت بعض وسائل الإعلام حينه ما يلي: «وافقت رئاسة مجلس الوزراء على التعاقد بالتراضي مع المستثمر نبيل مظلوم لاستثمار موقع العقار رقم 748 الكائن في منطقة الحجاز في محافظة دمشق.. هذا العقد الذي يتضمن إشادة واستثمار فندق من فئة النجوم الخمس مع مجمع تجاري وسياحي وخدمي على مساحة 5133م2 هي مساحة العقار 748 الذي يشغل حالياً من مقهى الحجاز والمنطقة الواقعة خلفه وذلك على مبدأ الـBOT وبتكاليف تصل وفقاً لمصادر المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي إلى 3,1 مليار ليرة سورية ومدة تنفيذ تصل إلى ثلاث سنوات ومدة استثمار تصل إلى 35 سنة، يُعاد بعدها الفندق وملحقاته إلى المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي بالحالة الفنية الجيدة والقابلة للاستثمار».
وقد ورد عبر صحيفة الثورة بتاريخ 18/11/2010، من خلال حديث مع مدير عام المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، أن: «المؤسسة تتابع العمل مع الشركات المستثمرة لإنجاز مشروعات استثمارية مهمة كبناء سوق الحجاز والمجمع التجاري»، وأن: «مشروع الفندق المذكور الذي وقعت المؤسسة عقد تشييده واستثماره على مبدأ الـBOT مع أحد المستثمرين السوريين يتضمن بناء فندق فئة النجوم الخمس مؤلف من 11 طابقاً بسعة 300 سرير على الأقل، مع مطعم بانورامي في الطابق الثاني عشر، إضافة إلى مجمع خدمي وتجاري وسياحي لا يزيد على 20% من المساحات الطابقية المرخصة.. على أن يكون البناء بشكل تدريجي يبدأ من جهة محطة الحجاز ويتدرج تصاعدياً ليصل إلى ارتفاع 12 طابق، بحيث ينسجم مع طبيعة المنطقة العمرانية وخصوصية المنطقة الواقع فيها».‏
أيضاً توقف المشروع، دون معرفة الأسباب الحقيقية خلف ذلك.

اسم جديد وحظ جديد!

المشروع المطروح والمتعثر خلال تلك السنوات لم يسلم من الانتقادات، سواء على المستوى الشعبي أو من خلال بعض وسائل الإعلام، وذلك لارتباطه بمحطة الحجاز الأثرية، وبمقهى الحجاز ذي الطابع الشعبي التاريخي، ربطاً مع حمى الاستثمار على حساب التاريخ والذاكرة الشعبية.
وقد بقي المشروع مدرجاً ضمن المشاريع المطروحة في ملتقيات الاستثمار طيلة السنوات التالية باسم مشروع سوق الحجاز، لكن قبل ملتقى الاستثمار في عام 2019 حصل المشروع على اسم «نيرفانا» للتخلص من مفردة الحجاز المرتبطة بالمحطة التاريخية والأثرية على ما يبدو، وللترويج له خلال الملتقى عسى أن يستقطب مستثمرين جدداً، وهذا ما حصل، فقد رسا المشروع على أحد المستثمرين.

موجة انتقادات جديدة

الاسم الترويجي الملفت المقترن بمحطة الحجاز تحت عنوان الاستثمار في ملتقى الاستثمار نهاية عام 2019 أثار موجة واسعة من التحفظات على ألسنة المواطنين مجدداً، وقد ظهر بعضها عبر وسائل الإعلام في حينه، وكان العنوان الأبرز للتحفظات هو: مآل بناء محطة الحجاز نفسه، كونه يعتبر بناءً أثرياً بالإضافة لما يمثله على مستوى الذاكرة والتراث، وكذلك مآل مقهى الحجاز باعتباره جزء من العقار المطروح للاستثمار.
وقد أعيدت الإثارة بالحديث حول هذا المشروع مؤخراً على ضوء بعض التصريحات التي تحدثت عن تفصيلات المشروع مع إغفال اسم الجهة التي رسا المشروع لصالحها، لكن سرعان ما تمّ التوضيح أن المشروع قد رسا على إحدى الشركات الخاصة الوطنية، مع التأكيد على أن بناء المحطة سيتم الحفاظ عليه.
فقد نقل عن لسان مدير المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي خلال الأسبوع الماضي أنه: «لا صحة لما يتم تداوله عن تأجير محطة الحجاز، مؤكداً المحافظة على المحطة كمعلم تاريخي»، مبيناً أن: «المشروع رسا على شركة سورية خاصة ببدل سنوي قدره 1,6 مليار ليرة، أو 16% من الإيرادات أيهما أعلى، على أن يتزايد البدل السنوي بنسبة 5% كل 3 سنوات ليصل البدل في آخر 3 سنوات من مدة الاستثمار إلى 3,167 مليارات ليرة سنوياً، ومدة الاستثمار 45 سنة يعود في نهايتها المشروع بالكامل لملكية المؤسسة، منوهاً بأن العقد لتاريخه لم يصدّق من الحكومة».

لعنة الربح والفساد

برغم التأكيد على عدم المساس ببناء المحطة التاريخي، وبعيداً عن الخوض بالحديث عن التراث والتاريخ والآثار والنسيج المعماري، وغيرها من النقاط التي يمكن إثارتها بما يخص المنطقة.
فلا شك أن تعثر المشروع لعدة مرات خلال السنين الطويلة الماضية لم يكن بسبب الانتقادات، ولم يكن من بوابة الحصول على شروط أفضل لمصلحة المؤسسة، أو لمصلحة الاقتصاد الوطني عموماً، فقد جرى هدر الكثير من السنوات دون عوائد استثمارية وبلا جدوى من الناحية العملية، ونظرة سريعة على مضامين المشاريع أعلاه بحسب ما ورد عبر وسائل الإعلام، تبين أن هناك الكثير من التراجع في الشروط التعاقدية أيضاً، علماً أن بعض التفصيلات الأخرى تبقى بعيدة عن الإعلام، وكذلك ربما دوافع التنافس الشديد بين كبار حيتان المال والاستثمار على مثل هذه المشاريع الاستثمارية الكبيرة والمربحة، مع عدم تغييب عوامل وحصص الفساد طبعاً.
فهل سيكون لاسم «نيرفانا» الجديد ذاك المفعول السحري على المشروع، الذي سيبعد التأثيرات الخارجية عنه، تمثلاً لمعنى الاسم المستورد من الثقافة البوذية، أم ستبقى لعنة الربح والفساد أقوى من كل الثقافات وتلاحقه؟