المدارس الخاصة.. استغلال مُتشعب ومُشرعن
الشكاوى من ارتفاع أقساط المدارس الخاصة تتكرر سنوياً من ذوي الطلاب، كما تتكرر معها التأكيدات الرسمية بعدم رفعها دون جدوى، وقد أصبحت طرق الالتفاف التي تتبعها المدارس الخاصة بغاية الحصول على المزيد من الأرباح عبر فرض نفقات إضافية بعناوين مبتدعة تحت مسمى الخدمات، مستنزفة لجيوب هؤلاء.
فبعد إنهاء العام الدراسي الحالي لطلاب الانتقالي، ونقل تلاميذ وطلاب الصفوف الانتقالية جميعاً إلى الصف الأعلى بدون امتحانات، استناداً لقرار الحكومة حرصاً على سلامة وصحة الطلاب، أعلنت المدراس الخاصة عن رفع الأقساط، بشكل غير رسمي، بنسب متفاوتة، كما طالبت الأهالي بدفعة لتثبيت تسجيل أبنائها للعام الدراسي القادم بمبالغ كبيرة، مع منح مهلة محدودة لذلك، وإلا فيعتبر الطالب مستنكفاً ويشطب اسمه من قوائم المدرسة!.
تأجيل من أجل القوننة والمشروعية فقط
وصلت الشكاوى على ما يبدو لأسماع وزارة التربية، فقد صدر تعميم بحسب ما ورد على موقع الوزارة الرسمي بتاريخ 7/5/2020 يقول: «وزارة التربية تطلب من مديرياتها في المحافظات كافة إبـــــــلاغ أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة عدم زيادة الأقساط السنوية قبل الحصول على موافقة الوزارة أصولاً تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالف منها، ومساءلة المعنيين بالإشراف عليها في حال عدم إبلاغهم عنها، والتقيد بأحكام المادة /37/ من التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004 بالنسبة لأجور الخدمات الأخرى والميزات الإضافية، بما فيها أجور نقل الطلبة وثمن الألبسة والكتب الإثرائية، على أن تُعلم المؤسسة التعليمية الخاصة مديرية التربية، وأولياء الأمور بها سنوياً قبل التسجيل، ويعد حجب هذه المعلومات مخالفة صريحة توجب المساءلة في ضوء المواد ذات الصلة، وتوجيه أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة الراغبين بزيادة أقساطهم السنوية برفع مقترحهم للزيادة كموعد أقصاه حتى تاريخ 15/7/2020م ولا يتم النظر بأي طلب بعد تاريخه».
التعميم أعلاه لم يمنع المدارس الخاصة من زيادة الأقساط السنوية، أو قيمة بدل الخدمات، بل ربطها بموافقة مديريات التربية من الناحية العملية، وذلك حسب التعليمات النافذة.
بمعنى آخر، إن الزيادة قائمة وستصبح مشروعة، لكن ربما جرى تأجيل البت بها لحين استكمال الإجراءات القانونية الخاصة بها من أجل شرعنتها، ليس إلا!.
مزيد من الأرباح الصافية
أثار ذوو الطلاب أيضاً موضوع تكبدهم أقساط الفصل الثاني من العام الدراسي لهذا العام، مع نفقات الخدمات خلال هذا الفصل، دون جدوى، فقد توقفت الدراسة خلال كامل الفصل الثاني تقريباً، ما يعني أن غالبية المبالغ المسددة من قبلهم أصبحت ربحاً صافياً استفاد منه أصحاب هذه المدارس، وهو ما لم يصدر بشأنه أي شيء رسمي، باستثناء ربما ما صرح به مدير تربية حمص، بحسب بعض وسائل الإعلام منذ عدة أيام، بقوله: «الطالب غير ملزم بدفع ما تبقى عليه من ذمة مالية عن أجور النقل وباقي الخدمات والميزات الإضافية الأخرى خلال توقف الدوام المدرسي، وله الحق باسترداد ما تبقى من قيمة هذه الرسوم خلال فترة التوقف في حال كانت مستوفاة».
أما عن القسط، فلم يتم التطرق له لا من قريب ولا من بعيد! مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المبالغ سبق أن تم تسديدها قبل بداية الفصل الثاني من قبل ذوي الطلاب.
بالمقابل، فقد أعلنت بعض المدارس الخاصة أنها ستقوم بخصم قيمة المواصلات عن الشهر الرابع والخامس فقط، وتحويلها كدفعة مواصلات للعام القادم لمن يرغب بالاستمرار، وفي حال عدم الرغبة يُعاد المبلغ نقداً.
تصريح واستياء طال المدارس الحكومية
أثار تصريح معاون وزير التربية عبر إحدى الإذاعات المحلية خلال الأسبوع الماضي موجة استياء من قبل ذوي الطلاب، في المدارس العامة والخاصة على حد سواء، حيث قال في معرض رده على الشكاوى من ارتفاع أقساط المدارس الخاصة: «يجب التمييز بين الأقساط والخدمات التي تقدمها المدارس الخاصة.. ومن لا يريد أن يدفع.. فليأتي إلى المدارس الحكومية».
فذوو الطلاب في المدارس الخاصة، الذين يعانون سنوياً من ارتفاع أقساط هذه المدارس، اعتبروا هذا التصريح بمثابة إطلاق يد هذه المدارس على مستوى تحديد أقساطها وبدلات خدماتها، بل مع الصمت على كل أشكال وأوجه الاستغلال التي يتعرضون لها سنوياً.
بالمقابل، فقد فُتحت قريحة ذوي الطلاب في المدارس الحكومية على واقع هذه المدارس المتردي، والتي تُوجت بمضمون التصريح أعلاه الذي يُقر بدونية المدارس الحكومية عن الخاصة، وكأن صاحب التصريح غير معني بهذا التردي وغير مسؤول مع غيره من المسؤولين في الوزارة، بل وفي الحكومة، عمّا آل إليه الحال في المدارس الحكومية من تراجع على كافة المستويات!.
بوابات الخصخصة
مع التأكيد طبعاً على أهمية المدارس الحكومية وضرورة دورها، وعلى مجانية التعليم والتمسك به، إلا أن الترهل والتردي المستمر في هذه المدارس يعتبر البوابة التي تعبر من خلالها سياسات الخصخصة الجارية على العملية التعليمية، وتبررها، اعتباراً من أجور المدرسين، مروراً بتعداد الطلاب في الشعب الصفية، وليس انتهاءً بالمناهج المقرة، وما بينها جميعاً من أشكال تراخي ومحسوبية وفساد، وقد سبق لقاسيون أن سلطت الأضواء على تفاصيلها من خلال الكثير من المواد خلال السنوات الماضية.
فإذا كانت المدارس الخاصة حِكراً على أبناء الأثرياء خلال عقود سابقة، فقد أصبحت ملاذاً لأبناء شرائح أخرى في ظل هذا التراجع والتردي، لذلك تزايدت بداية معدلات اللجوء للدروس الخصوصية، وما زالت، حتى وصل الأمر للحاجة لهذه الدروس على مستوى طلاب الحلقة الأولى من التعليم الأساسي، ولاحقاً تزايدت أعداد المدارس الخاصة لتستقطب المزيد من الباحثين عن ملاذات تعليمية أفضل، كما ارتفعت مستويات استغلالها، وكذلك اختلفت مستوياتها وسوياتها أيضاً، بحيث أصبح الاستغلال متشعباً في هذه المدارس، مع شرعنة هذا الاستغلال من الناحية العملية.
أقساط فلكية
فيما يلي بعض الأرقام المتداولة، بحسب ذوي بعض الطلاب، كأقساط سنوية مطلوبة عن العام الدراسي القادم في مدينة دمشق كمثال:
إحدى المدارس في منطقة باب شرقي كان قسطها لهذا العام 235 ألف ليرة وذلك، وقد أصبح للعام القادم 450 ألف ليرة وذلك لطلاب الحلقة الأولى، بدون مواصلات.
مدرسة أخرى في مشروع دمر حددت القسط السنوي بمبلغ 490 ألف ليرة، وذلك لطلاب التحضيري، متضمناً اللباس والكتب فقط دون مواصلات، أما طلاب الابتدائي فقد بلغ القسط الخاص بهم مبلغ 650 ألف ليرة.
إحدى المدارس في منطقة باب توما حددت قسطها السنوي للعام القادم للمرحلة الإعدادية بمبلغ 250 ألف ليرة، بدون مواصلات وكتب وغيره.
إحدى روضات الأطفال في منطقة المزة حددت قسطها السنوي للعام القادم بمبلغ 225 ألف ليرة، بدون مواصلات، وقد كان العام الحالي 140 ألف ليرة.
وعن مدارس النخبة ذات النجوم، فقد تراوحت أقساطها بين 675- 900 ألف ليرة، بدون مواصلات وكتب وخدمات.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 966