سمير علي سمير علي

استغلال المشافي «السياحية» للكورونا

أصبح اللجوء للمشافي الخاصة من المصائب في المرحلة الحالية، ليس بسبب أسعارها المرتفعة بحسب ما هو معروف، أو بسبب الخشية من وباء الكورونا، بل باعتبار أن هذا الوباء أصبح ذريعة عند بعض هذه المشافي للتغطية على المزيد من الاستغلال بداية، ولتبرير سوء التعامل مع المرضى وذويهم ثانياً، علماً أنها تمصّ دماء هؤلاء عبر ما تتقاضاه من أموال.

فإذا كانت المشافي الحكومية، وبعض المشافي الخاصة، قد وُضعت بحال الجاهزية والاستنفار للتصدي للوباء الجديد، لأن المسؤوليات والواجبات الإنسانية تقتضي ذلك أولاً، وبناء على التعليمات الصادرة بهذا الشأن ثانياً، فإن بعض المشافي الخاصة الأخرى كان الوباء بالنسبة إليها فرصة مؤاتية لفرض المزيد من الاستغلال على من يلجؤون إليها، ضاربة عرض الحائط بالمسؤوليات والإنسانية!

فرصة سانحة

من المعروف أن حجم الضغط على المشافي الحكومية كبير سلفاً، وقد تزايد هذا الضغط مع ظهور الوباء الجديد، وما تبعه من إجراءات واحتياطات فرضت على هذه المشافي أن تخصص أحد أقسامها لاستقبال حالات الاشتباه بالمرض، مع تخصيص حيّز خاص بالعزل والحجر لمن تثبت إصابته، وهذه الإجراءات من الناحية العملية تعني مزيداً من الضغط على الأقسام المعتادة في هذه المشافي، وهذا الأمر أصبح معروفاً من قبل المواطنين، لذلك فإن اللجوء للمشافي الحكومية من قبل بعضهم أصبح فعلاً للحالات الطارئة، ومن المفقرين بشكل خاص، حيث استعاض البعض ممن لديه بعض الإمكانات عن المشافي الحكومية بالمشافي الخاصة بهذه الفترة اضطراراً.
في المقابل، فقد كان حال الضغط على المشافي العامة بهذه المرحلة فرصة أمام بعض المشافي الخاصة لزيادة استغلالها وتحكمها لمن يلجأ إليها.

الكورونا ذريعة

بذريعة «الكورونا» أصبحت بعض المشافي الخاصة تضع المزيد من الصعوبات أمام من يلجأ إليها من المرضى من أجل استقبالهم وقبولهم، والبداية عبر فرض إجراء المزيد من التحاليل والفحوصات بذريعة الكورونا، وربما في ذلك احتياطات محمودة، بحال كانت متوفرة لدى هذه المشافي إمكانات هذه التحاليل فعلاً، وهو أمر غير متاح لديها كما هو معروف، وبالتالي، فإن هذه الذريعة ما هي إلا فرصة للتكسّب والاستغلال.
في المقابل، إن هذه التحاليل المضافة والإجراءات المرافقة لها تكلفتها مرتفعة على هؤلاء المرضى وذويهم، طبعاً مع اختلاف هذه التكلفة بين مشفى وآخر بحسب درجاتها ونجومها السياحية مع الأسف، لكن ليس بالإمكان أفضل مما كان بالنسبة للمرضى وذويهم، فهؤلاء مضطرون لتكبّد هذه التكاليف الإضافية أولاً: من أجل الاطمئنان على سلامة المريض. وثانياً: من أجل اتخاذ الاحتياطات المطلوبة منهم في حال الشك بالإصابة.

سمعة المشفى لا تُغني عن الاستغلال

اضطر ذووا أحد المرضى للذهاب إلى إحدى المشافي الخاصة في دمشق بحالة إسعافيه لمريضهم ليلاً، وبعيداً عن التفاصيل بما يتعلق ببعض المشاكل في القبول على الرغم من كونها حالة إسعافيه، فقد تم إجراء بعض التحاليل، التي قيل لهم أنها «إجبارية» من أجل الكورونا، بالإضافة لبعض التحاليل والصور الأخرى، وقد كانت التكاليف الإجمالية بحدود 100 ألف ليرة، طبعاً هذه التكاليف لم يدخل فيها حجز غرفة وإقامة، حيث لم يسمح للمريض بالبقاء في المشفى، فخلال ساعة طُلبت منه المغادرة، وطلب من ذويه إعادته للمنزل فمرضه «خطير» وهو بحال النزاع، علماً أن بعض نتائج التحاليل لم تصدر بعد، بل إن أحدها موعده في اليوم التالي!.
وبحسب ذويه، فقد قيل لهم من قبل بعض العاملين في المشفى: إنهم لا يستطيعون إبقاء المريض فيها، فهم «لا يريدون مرضى بأمراض خطيرة، ولا أن يكونوا بحال النزاع»، وذلك حرصاً على سمعة المشفى!.
وأيضاً بعيداً عن المزيد من التفاصيل، تمّ استلام نتيجة التحليل عن المرض «الخطير» في اليوم التالي، وكانت النتيجة خطأ في التشخيص، فلا مرض خطير ولا من يحزنون!.
والسؤال الذي يفرض نفسه: أين الإنسانية، وأين الحفاظ على السمعة في ظل هذا النمط من الابتزاز وسوء التشخيص، بالإضافة لسوء التعامل؟.

بعهدة وزارة الصحة

المثال أعلاه ليس حالة استثنائية، فقد جرى توثيق الكثير من حالات سوء التشخيص في بعض المشافي الخاصة، التي دفع ضريبتها المرضى وذويهم بالنتيجة.
لكن الجديد في الأمر هو هذه الحال من الوقاحة واللامبالاة بالمرضى وحقوقهم، خاصة أنهم يتكبدون التكاليف الباهظة لقاء الخدمات التي من الواجب توفرها في هذه المشافي الخاصة، والتي تزايدت على ما يبدو بهذه المرحلة، في ظل حال الخشية من الوباء وبذريعته، استغلالاً.
ولعل الحديث عن فرض المزيد من القيود على المشافي الخاصة، مع تعزيز دور الرقابة عليها، والمحاسبة لها بحال المخالفات، أمر مفروغ منه، لكن يبقى الأمر بعهدة المسؤولين عن ذلك، وخاصة وزارة الصحة.

أهمية المشافي الحكومية بتزايد

ما ذكر أعلاه، وبرغم كل الملاحظات على المشافي الحكومية، ربما تكون فرصة للتأكيد على أهميتها، وضرورة الحفاظ على دورها ومهامها، وربما المطلوب بهذا الصدد تقديم المزيد من الدّعم لها، بالكادر والتجهيزات، مع ضرورة توسيع الموجود منها، وإحداث المزيد منها، فهذه المشافي كانت وما زالت الملاذ للغالبية من المواطنين وخاصة للمفقرين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
962
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 14:01