فلاحو الرقة بانتظار الانصاف!
يعتبر القطاع الزراعي العصب الرئيس في محافظة الرقة وريفها، إذ يعمل به أكثر من 80% من سكان المحافظة على نهر الفرات. إلى حين بدأت الأزمة السورية، حيث بدأ بالتراجع نتيجتها، وبنتيجة ما قامت به تركيا من تخفيض منسوب مياه النهر منذ بداية عام 2012.
قبل الأزمة السورية، استغلت تركيا الحرب والأزمة السورية والعراقية بشكل تدريجي، حيث انخفض منسوب ارتفاع المياه أمام السد ووصول إلى حوالي 104 أمتار فقط، مما شكل خطراً شبه كامل على العمل الزراعي في محافظتي الرقة ودير الزور، بالإضافة إلى تشكيل خطورة على جسم سد الفرات نفسه، مع العلم أن منسوب المياه أمام السد قبل الأزمة السورية كان بعمق 304 أمتار، وتُخزّن بحيرة الأسد أمامه مخزوناً بحدود 14,3 مليار متر مكعب من الماء، يتناسب مع طول البحيرة الذي هو 83 كيلو متراً، ومتوسط عرضها 13 كيلو متراً.
استغلال وعداء تركي
لقد شكّل هذا الانخفاض في منسوب ماء النهر جائحة للفلاحين في محافظتي الرقة ودير الزور، لتزيد على كارثتهم مصيبة، كون القطاع الزراعي يعتبر العصب الرئيس في معيشتهم، فهاجر قسم منهم، والقسم الباقي ما زال يرزح تحت رحمة الممارسات الاستغلالية والعدائية التركية بما يتعلق بمياه النهر، التي ما زالت تُخفض عنهم، وخاصةً بعد سيطرة «قسد» على المحافظة وبذريعتها.
وفي الوقت الحالي تتراوح نسبة ارتفاع المياه أمام المحطة الكهرومائية حوالي 220 متراً، وهذا لا يتناسب وحجم المشاريع الزراعية في المحافظة، مع العلم بأن المساحة الزراعية في المحافظة تبلغ حوالي 120 ألف هكتار مروي، قسم منها يُروى بالراحة من أمام السد، والقسم الآخر يُروى بالمضخات من أمام ومن خلف السد، والتي تعاني من نقص دائم من مستلزمات الزراعة الأخرى بالإضافة إلى المياه، مما يزيد من معاناة الفلاحين الذين يشتكون ولا يجدون من يرد على شكواهم بسبب الظروف الأمنية في المحافظة.
مشاكل وصعوبات أخرى
تأثر القطاع الزراعي في محافظة الرقة تأثراً بالغاً ولعدة أسباب إضافة إلى قلة مياه الري، فهناك أيضاً صعوبات ومشاكل أخرى تضاف إلى معاناتهم، حسب ما أورده بعض المختصين في حوض الفرات، وما تحدث به الفلاحون، منها:
عدم الاستقرار الأمني.
خروج قسم من محطات الري عن الخدمة.
تدمير الجسور وغالبية مُنظِمات الري والأقنية الرئيسة والثانوية والفرعية.
عدم تعزيل شبكة الصرف.
معظم الأراضي الزراعية المنخفضة طبوغرافياً أصبحت في حالة تملح وغير صالحة للزراعة، وارتفاع منسوب الماء الأرضي فيها، بسبب عدم صيانة شبكات الصرف على مدار ثماني سنوات.
قلة آليات التعزيل الصرفي، حيث يبلغ طول شبكة الصرف في المحافظة /2270/ كيلومتراً.
تدمير الجسور ومُنظِّمات الري أيضاً في قناة البليخ أدى إلى فوضى عارمة في توزيع المياه بين الفلاحين، ضمن الأقنية الثانوية والفرعية الباقية، بسبب استجرارها العشوائي.
قلة عناصر الكادر الفني المشرف على عمليات الري والزراعة، حيث عادت الزراعة إلى الحالة البدائية.
انتشار الآفات الزراعية الحشرية والبيئية التي تفتك في المحاصيل الزراعة، وتُؤدي إلى تدني الإنتاج، مثل: الصدأ البرتغالي في محصولي القمح والشعير، ودودة اللوز الشوكية في محصول القطن.
المبيدات الحشرية على الأغلب كانت تُجلب من تركيا، وهي فاسدة وتعطي مناعة للحشرات وغالية الثمن، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من الأسمدة وغلاء أسعار الفِلاحات واليد العاملة.
تدني أصناف بذور المحاصيل الصيفية، مثل: بذار القطن حلب، ورقة، المقاومَة للحرارة والطقس، واستبدالها ببذور تركية لا تناسب طبيعة الجو الموجود في المنطقة، وتدني الصنف إلى أرذل الأصناف، وهذه الحالة موجودة في المنطقة الواقعة تحت سيطرة «قسد» .
تسويق إنتاج المحاصيل الزراعية تتحكم به «قسد»، وتأخذ نسبة عالية تصل إلى 30% من السعر، كونها تأخذ المحصول وتبيعه لتجار وسماسرة مرتبطين بـ«الإدارة الذاتية».
هناك خمس محطات ضخ عملاقة في المحافظة، اثنتان خارج الخدمة و3 قيد التشغيل فقط، وهذا يسبب نقصاً كبيراً في مياه الري.
أغلبية الفلاحين لم يقوموا بزراعة الكثير من المحاصيل الصيفية ومنها القطن، بسبب تخوّفهم من عدم توفير مياه الري لها، وهذا يضر بحياتهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية.
إن انخفاض مياه النهر يسبب ضرراً بالغاً على جسم السد، وعلى توليد الطاقة الكهربائية مما يؤثر على تشغيل محطات الضخ التي تروي المحاصيل من مياه النهر مباشرة.
هذه بعض أوجه المعاناة والهموم المتراكمة خلال الأزمة الحالية والمستمرة التي تواجه الفلاحين في محافظة الرقة، والذين لم يجدوا من يستجيب لشكاواهم المتكررة حيالها من أي طرف حتى الآن، رغم أهمية ذلك ليس على وجودهم وحياتهم فقط، وإنما على مستوى الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني أيضاً، وكلهم أمل بالإنصاف، عسى تكون المرحلة المقبلة تحمل بوادر الانفراج عليهم وعلى الوطن.
تركيا لا تعترف بالقانون الدولي
إن المسالة المائية تعد من أكبر وأهم المسائل التي تواجه العالم اليوم بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص، ولها أسباب متعددة ويبقى أهمها: أن مصادر المياه في الدول العربية تأتي من منابع خارج الإقليم، مثل: تركيا وإيران وإثيوبيا، مما جعل هذه الدول رهينة التبعية والاستغلال المائي.
ونهر الفرات يبلغ طوله 2940 كيلو متراً، ووفق المعايير الدولية والقانون الدولي يعتبر نهر الفرات نهراً دولياً، وقد رفضت تركيا الاعتراف في قانونيته، وقد جرت اتفاقيات عديده دون جدوى، بسبب عدم التزام تركيا بها مع الجانبين السوري والعراقي، فأنشأت سدوداً وخزانات مائية دون التشاور مع دول الجوار المشتركة معها في حوض نهر الفرات.
وقد استغلت سابقاً الخلافات السورية العراقية السياسية، بحجة عدم اتفاق الدولتين سورية والعراق على تقاسم حصتهما من المياه التي تأتي من تركيا، وألحقت ضرراً بالغاً في اقتصاد الدولتين وذلك بتخفيض منسوب مياه النهر، ورغم انتهاء الظروف السابقة، إلاّ أنها استخدمت مبدأ الاستخدام التعسفي في استثمار المياه مراتٍ عديدة سابقاً وحالياً، وكان سلاحاً اقتصادياً وسياسياً بيدها ضد الدولتين، وكانت اتفاقية عام 1987 بين سورية وتركيا، والتي بموجبها يكون تدفق نهر الفرات 500 متر مكعب الثانية لكل من سورية والعراق، ثم اتفقت العراق وسورية بتاريخ 16/4/1990 على تقاسم مياه النهر، والتي هي500 متر مكعب الثانية، بحيث تكون حصة سورية 42% والعراق 58% من المياه الآتية من تركيا، وبقيت هذه الاتفاقية مؤقتة وغير منفَّذة في الواقع.
تستمر تركيا حالياً في تخفيضها لتدفق المياه حتى ملء خزان سد أتاتورك التي مدتها خمس سنوات، واستمر الوضع بهذا الشكل، رغم أن سورية قامت بتسجيل هذه الاتفاقية في الأمم المتحدة لضمان حق الدولتين سورية والعراق مع جارتهما تركيا، وأصبحت حصة سورية 6,66 مليار متر مكعب، وحصة العراق 9,10 مليارات متر مكعب، وحصة تركيا 15,7 مليار متر مكعب في العام، إلاّ أن تركيا لا تلتزم بذلك.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 936