فصل كارثي جديد!
أضاف العدوان التركي الأخير فصلاً جديداً إلى فصول الكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون منذ تسعة أعوام وحتى الآن، مع كل ما يتبع هذا الفصل من تداعيات سلبية يحصد نتائجها السوريون، ومع كل ما يتيحه من فرص استثمار سياسي واقتصادي وعسكري وأمني، تتلقفها القوى المتربصة والفاعلة بالأزمة السورية، دولاً ومنظمات، محلياً وإقليمياً ودولياً، لتُحمّلها أجنداتها بما يخدم أهدافها وغاياتها، تكريساً للاستثمار في الأزمة السورية والكارثة التي يعيشها السوريون.
الواضح في العدوان التركي الجديد، بغض النظر عن أجندته المعلنة والمبطنة، أنه يستهدف المدنيين عمداً، بالإضافة إلى البنى التحتية والخدمات العامة، في كل البلدات والمدن والقرى الواقعة على امتداد الشريط الحدودي الكبير، حيث تم تسجيل سقوط المئات من الضحايا والمصابين من المدنيين منذ بدء هذا العدوان وما زالت القائمة مفتوحة، بالإضافة إلى تسجيل خروج بعض المشافي والمراكز الصحية والأفران عن الخدمة نتيجة الاستهداف المتعمد، مع توقف خدمات الكهرباء والمياه في الكثير من المناطق، بالإضافة إلى الكثير من الخدمات العامة وسُبل العيش الأخرى.
استهداف مقومات الحياة
كثيرة هي التفاصيل التي يمكن سردها بهذا الفصل الكارثي الجديد نتيجة العدوان، لعل أهمها قوائم أسماء الضحايا والمصابين من المدنيين التي تتزايد مع كل ساعة وفي نهاية كل يوم، حيث يضاف إليها المزيد من الأسماء مع كل استهداف وعدوان، مع حال التشرد والنزوح الذي فُرض على الأهالي في المدن والبلدات والقرى والمناطق التي يتم استهدافها عبر القصف الجوي والبري على طول الحدود، يضاف إلى ذلك استهداف كل مقومات الحياة عمداً من أجل خلق المزيد من الصعوبات والمآسي والمعاناة أمام أبناء هذه المناطق الشاسعة لقطع سُبل العيش فيها، مثل قصف المشفى الوطني في كل من القامشلي ورأس العين، وقصف الفرن الحكومي في مدينة القامشلي، وخروج مستوصف بلدة عين ديوار عن الخدمة بسبب القصف، وقصف محطات المياه في مدينة رأس العين مما أدى لأزمة في مياه الشرب في مدينة الحسكة، وخروج محطة المبروكة عن الخدمة بسبب القصف الجوي، مع استهداف الأسواق في المدن والبلدات والقرى، وقصف صوامع الحبوب في كل من القامشلي والدرباسية وتل أبيض، طبعاً مع كل التداعيات السلبية على عوامل الأمن والسلامة الشخصية، ليس على الطرقات فقط، بل وفي داخل القرى والبلدات بسبب استهداف بيوت الآمنين أيضاً.
الكارثة بنظر المنظمات الأممية
من الموقع الإخباري الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة بتاريخ 11/10/2019 وتحت عنوان: «العاملون في المجال الإنساني يحذرون من أن هجوم تركيا على سورية قد يؤدي إلى كارثة إنسانية أخرى»، ورد التالي:
بحسب المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي: «تم الإبلاغ عن نزوح جماعي للسكان منذ تصاعد العنف»، وأوضح أن: «أكثر من 70 ألف شخص نزحوا حتى الآن من رأس العين وتل أبيض».
أوضح المتحدث باسم «الأوتشا» أنه: «على الرغم من بقاء موظفي المساعدات الإنسانية التابعين للأمم المتحدة في القامشلي، إلا أن قدرتهم على العمل وتقديم الإغاثة مقيدة بشدة بسبب الأعمال العدائية»، مضيفاً أن: «السلطات المحلية كانت أيضاً تفرض بعض الإجراءات الأمنية الصارمة عند نقاط التفتيش».
قالت ماريكسي ميركادو من منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»: «إن محطة ضخ المياه في علّوك تعرضت للهجوم في وقت مبكر يوم الخميس»، وقالت: «هذه المحطة توفّر المياه الصالحة للشرب لمن لا يقل عن 400 ألف شخص في محافظة الحسكة، بما في ذلك مخيمات النازحين».
المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قال: «الناس يتحركون داخل سورية، لذلك يمكننا أن نفترض، نعم، أنهم سيتجهون نحو الجنوب. وفي ظل التعقيد وغيره في مناطق مثل دير الزور والرقة- والتي ليست بالضرورة أماكن يمكن أن تستضيف آلاف الأشخاص- سنرى كيف تتطور الأوضاع في الساعات المقبلة، لأنها تتحرك بسرعة كبيرة».
أما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فقد أوردت عبر موقعها بتاريخ 10/10/2019 تحت عنوان: «مئات الآلاف من الأشخاص معرضون للخطر في شمال سورية» ما يلي:
«يهدد تصاعد الصراع الدائر في شمال سورية بالتسبب بالمزيد من المعاناة الإنسانية وحدوث موجات نزوح جديدة تضاف إلى ما هي الآن أكبر أزمة نزوح في العالم».
«اضطر عشرات الآلاف من المدنيين للنزوح وذلك للفرار من القتال والبحث عن ملاذ آمن. وتدعو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كافة الأطراف للالتزام بالقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك توفير سبل الوصول إلى وكالات الإغاثة».
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي: «هناك مئات الآلاف من المدنيين في شمال سورية ممن هم عرضة للأذى. لا ينبغي استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية».
خلط الأوراق على حساب استمرار الكارثة
لا شكَّ أن استمرار الكارثة الإنسانية وتداعياتها وكثرة ملفاتها المترابطة، بغض النظر عن أدواتها وأدوار الفاعلين فيها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، كانت وما زالت تعتبر بالنسبة لهؤلاء إحدى فرص التعطيل للوصول إلى حل الناجز للأزمة السورية ليس إلا، وهي برغم ذلك محاولات بائسة ويائسة بهذا الاتجاه، رغم ما تحمله من آلام.
وقد كان هذا الفصل الكارثي الجديد، كما غيره من فصول المأساة الكارثية، فرصة استثمار، ليس بالنسبة للقوى الفاعلة فيه فقط، وخاصة تركيا وأمريكا، بل على مستوى ما يتم تداوله عبر الكثير من وسائل الإعلام، حيث يجري تغييب الكثير من التفاصيل الكارثية بنتيجة العدوان عمداً، ويتم توظيف بعضها الآخر لخدمة أجندات الممولين وغاياتهم وأهدافهم، بعيداً عن البعد الإنساني لهذه الكارثة المستمرة، وعمقه على مستوى الملفات المرتبطة به، ضمن مساعي إعادة خلط الأوراق والتشويش عمداً على طريق خلاص السوريين من أزمتهم وكارثتهم المتمثل بالحل السياسي، خاصة بعد الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية وتحديد موعد بدء أعمالها، كبوابة عبور نحو الحل النهائي للأزمة المتمثل بالتنفيذ الكامل للقرار 2254.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 935