الضرورات الإسمنتية والتفريط بفرص الربح المضمونة
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الضرورات الإسمنتية والتفريط بفرص الربح المضمونة

يُفتتح اليوم في دمشق «ملتقى الأعمال الخاص بقطاع الإسمنت في سورية»، والذي جرى التحضير له منذ فترة، على أن تستمر فعاليات الملتقى على مدار يومي 14-15/10/2019، بمشاركة من المختصين في قطاع الإسمنت، العام والخاص (مصنّعو مادة الإسمنت وتجارها– شركات التطوير العقاري والبنى التحتية والشركات الهندسية- الفعاليات الاقتصادية الداعمة لقطاع الإسمنت وتشمل: البنوك وشركات التأمين– شركات الجودة– تجار الآليات الثقيلة ووكلاء الشركات الأجنبية في سورية- تجار قطع تبديل خطوط إنتاج مصانع الإسمنت– شركات الطاقة المتجددة).

سبق ذلك إعداد دراسة من قبل المؤسسة العامة للإسمنت حول واقع صناعة الإسمنت في سورية، وذلك مطلع شهر آب الماضي، والتي تضمنت «خريطة استثمارية للفرص المتاحة» في البلاد، و«الآلية التنفيذية لتبسيط الإجراءات المتعلقة بمنح التراخيص»، وذلك بحسب ما ورد عبر إحدى الصحف شبه الرسمية بحينه.

مقدمات ومؤشرات

لا شك أنَّ مادة الإسمنت تعتبر من المواد الإستراتيجية الضرورية خلال مرحلة إعادة الإعمار المقبلين عليها، كما لا شك أن توفير الاحتياجات من هذه المادة من الإنتاج المحلي، عاماً وخاصاً، يعتبر من المهام الضرورية أمام أصحاب القرار من الرسميين، بما يغنينا عن استيرادها مع ما يقابل ذلك من توفير في القطع الأجنبي والعمولات المضافة على عمليات الاستيراد، ولعل الأهم، أن يكون ذلك بعيداً عن أوجه الفساد والسمسرات، بما في ذلك ما يتم طرحه من أشكال الخصخصة المبطنة بعناوينها المختلفة، خاصة وأن هذه المادة الضرورية إستراتيجياً تفتح شهية المستثمرين الباحثين عن فرص الربح المضمونة.
وبحسب ما ورد عبر الصحيفة عن الدراسة المعدة من قبل المؤسسة العامة للإسمنت فإن:
الطاقات المتاحة لصناعة الإسمنت جيدة.
طاقة شركات القطاع العام الإنتاجية العاملة حالياً، تصل إلى 3,8 ملايين طن من الإسمنت سنوياً.
العدد الإجمالي للمشاريع المشمّلة والمرخصة والمتوقفة للقطاع الخاص 33 مشروعاً، منها مشروع واحد فقط منفذ ومنتج، بطاقة إنتاجية سنوية 1,65 مليون طن سنوياً.
الفرص الاستثمارية المتاحة لصناعة الإسمنت في شركات المؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء تحتاج إلى تمويل كبير لا يقل عن مليار دولار.
وقد خلصت الدراسة إلى اقتراح «العمل وفق صيغة العقود التشاركية، بحيث يتم تأمين التمويل من المستثمر مقابل حصة سنوية من الإنتاج».
وخلال مؤتمر صحفي مطلع الشهر الحالي لإطلاق «الملتقى» كشف المدير العام لـلمؤسسة العامة للإسمنت ومواد البناء أن: «إنتاج سورية من الإسمنت سيرتفع من نحو 5 ملايين طن سنوياً حالياً إلى حوالي 17 مليون طن خلال عامين، بزيادة تصل إلى 12 مليون طن»، مشيراً إلى «وجود رخص لمعامل إسمنت من قبل القطاع الخاص بطاقة إنتاجية تقارب 40 مليون طن، تم تخصيص مقالع لـ9 منها بعد دفع كل معمل تأمين بقيمة مليون دولار»، وقد أضاف: «حجم الطلب على الإسمنت خلال مرحلة إعادة الإعمار سيكون نحو 15 مليون طن سنوياً بالحد الأدنى، وقد يصل إلى 20 مليون طن، وهناك إمكانية لتغطية كل الكميات من قبل معامل القطاع العام والخاص»، مؤكداً أن: «هنالك العديد من العروض التي تتم دراستها لإعادة تأهيل بعض الخطوط في المعامل الحكومية، والتي يصل عمر بعضها إلى 50 سنة، إضافة إلى تركيب خطوط جديدة ضمن إطار التشاركية، وبما يضمن حقوق كافة الأطراف ويحقق عوائد جيدة للحكومة مع الحفاظ على ملكيتها للمعامل».

خطوة استباقية مجربة

بالعودة للتصريحات أعلاه، يبدو أن الطاقات الإنتاجية المتوقعة للقطاع الخاص ستكون بحدود 40 مليون طن سنوياً، وهي ضعف الاحتياجات الفعلية لمرحلة إعادة الاعمار المقدرة بحدود 20 مليون طن بالحد الأعلى، (أي إن جزءاً هاماً من هذه الصناعة سيكون موجهاً للتصدير، وبهذا الصدد، وبغض النظر عن عوائد التصدير المادية، ربما لا بد من الاشارة إلى ما تخلفه هذه الصناعة من تلوث بيئي وأضرار صحية قد تكون أكبر بكثير من حجم هذه العوائد، لذلك فإن الكثير من الدول بدأت تتخلص من هذه الصناعة، وبالحد الأدنى خصصت لها أماكن بعيدة جداً عن الأماكن المأهولة والغابات والحراج ومجاري الأنهار)، يضاف إلى ذلك الكميات المنتجة من القطاع العام حالياً والبالغة بحدود 3,8 ملايين طن سنوياً فقط، ومع ذلك يجري التمهيد للتفريط بجزء منها بمسمى عقود «التشاركية» بذريعة «إعادة تأهيل بعض الخطوط في المعامل الحكومية»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك بعض الشركات التي ما زالت متوقفة عن العمل مثل (الرستن- الشهباء- العربية).
بحسب موقع «الاقتصادي» بتاريخ 8/10/2019، أكد المدير العام للمؤسسة العامة للإسمنت أن: «المؤسسة تقوم حالياً بالتفاوض مع «مجموعة قاطرجي الدولية» لإنشاء خطوط إسمنت جديدة وتأهيل المعامل المتضررة في حلب والمفاوضات أصبحت في نهايتها»، مضيفاً أن: «الصيغة التي يتم التفاوض عليها هي قيام المجموعة بضخ استثمارات في معمل المسلمية قرب حلب بما يقارب 200 مليار ليرة لإنتاج 3 ملايين طن سنوياً، مقابل تشاركية في إيرادات المعمل من بيع الإسمنت وفق نسب يتم الاتفاق عليها».
هذه الخطوة «الاستثمارية التشاركية» تعيد إلى الأذهان خطوة مشابهة جرت مع «مجموعة فرعون» سابقاً في كل من معملي إسمنت طرطوس وعدرا، والتي وصلت لاحقاً إلى أروقة القضاء، بحسب ما رشح عبر وسائل الإعلام، حيث أصدرت محكمة القضاء الإداري قراراً يتضمن إلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لـ«مجموعة فرعون في سورية» للحصول على مبلغ يقدر بـ2,570 مليار ليرة سورية لصالح شركة عدرا للإسمنت، وذلك إثر لجوء الشركة للقضاء بعد الإخلال بمضمون العقد.
بانتظار نتائج أعمال «الملتقى» هناك سؤال يفرض نفسه: لماذا هذا النمط من التفريط المستمر بشركات الإسمنت العامة، تحت عناوين التشاركية وغيرها من أشكال الخصخصة المبطنة، برغم تسجيل الخيبات فيه رسمياً، وبرغم ضرور

معلومات إضافية

العدد رقم:
935
آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين1/أكتوير 2019 14:03