دير الزور.. الوفد الوزاري وسين التسويف المكررة
عام ونيف مر على فكّ الحصار عن أحياء مدينة دير الزور، وريفي دير الزور الغربي والشرقي جنوب نهر الفرات (الشامية) ورغم ذلك فإن التحسن البطيء جداً يثير كثيراً من التساؤلات.
خلال الأسبوع الماضي قام وفد من الحكومة يضم رئيس مجلس الوزراء و8 وزراء بزيارة مفاجئة إلى دير الزور للاطلاع على الأوضاع.
لقد أقر رئيس مجلس الوزراء خلال لقاءاته الإعلامية وبالأهالي: أن 27 مليار ليرة خصصت لإعادة تأهيل البنية التحتية خلال عام 2018، ويضاف لها 4 مليارات ضمن الخطة الإسعافية.
وها هو عام 2018 أوشك على نهايته، وتمّ صرف 17 ملياراً منها حتى الآن، والوقائع تقول: إن حجم الأعمال والمشاريع المنفذة لا يتناسب مع المبلغ المخصص على قلته، سواء في المدينة أو الريف. أي: بقي حوالي 14 ملياراً لم تصرف، فلماذا؟ ألاّ يكشف هذا التأخير مدى الإهمال والتباطؤ، بغض النظر عما يمكن أن يقال أو يساق حول الفساد وسوء التنفيذ الذي يجب الكشف عنه، وخاصة على مستوى صرف قسم من هذه الأموال على تأهيل دوّارات وساحات شكلية على حساب البنية الخدمية وغيرها من الضرورات الأخرى.
أمثلة من أحياء المدينة
لا توجد الآن سوى ثلاثة أحياء مأهولة، هي الجورة والقصور وهرابش، والمشاريع الخدمية التي نفذت فيها لا تتعدى أصابع اليد، فقد تم تزويد الأحياء الثلاثة بالكهرباء، بينما بقية الأحياء لا تزال محرومة منها. والمياه في الحيين كانت موجودة ولو بنسبة قليلة وتمت زيادة الكميات إلاّ أنها ما زالت لا تكفي حاجات المواطنين، ويتم الضخ لهما كل يومين، ولا تصل إلى المناطق المرتفعة والطوابق العليا في الأبنية.
أما الصرف الصحي فحيي الجورة والقصور لم يجر فيها شيء كونه لم يتضرر كثيراً، لكن هطول الأمطار الأخيرة والتي تزامنت مع زيارة الوفد الوزاري، كشف مدى تهتك الصرف الصحي فيهما، حيث تحولا إلى بركة من الطين والمياه، أمّا حي هرابش فقد تمّ حفر خنادق الصرف في 4/5 حارات، وتم أيضاً تأهيل بعض المدارس بالحد الأدنى، بينما حال الوضع الصحي في الحضيض، سواء من حيث البنية التحتية للمشافي والمستوصفات، أو من حيث تقديم الخدمات الصحية كالعلاج والأدوية.
أما بقية أحياء المدينة فما زالت محرومة من الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وهي الخدمات الأساسية التي تسرع عودة المهجرين والأهالي النازحين إلى منازلهم، بغض النظر عن مدى حجم الدمار فيها إن كان كلياً أو جزئياً وهما الغالبان، وقلة منها ما تزال سليمة، كما لم يتم سوى فتح الشوارع الرئيسة فيها وترحيل الأنقاض منها، وبقيت الأنقاض في الحارات والمنازل المدمرة، وهي أيضاً من المعيقات في العودة، وخاصةً أنه لم يتم تطهيرها من الألغام والمتفجرات وبقايا القذائف، بينما تم تعفيش كل ما فيها علناً ولم يعد باقياً فيها ما يساعد على السكن فيها كالأبواب والنوافذ وتمديدات الكهرباء والتمديدات الصحية وحتى الرخام والبلاط والغرانيت والسيراميك وحتى البلوك بحماية الفاسدين الكبار وعلناً دون محاسبة.
أمثلة من الريف
تم تأهيل بعض محطات مياه الشرب المتضررة قليلاً في الريفين الشرقي والغربي، أما المحطات المتضررة أو التي عُفّشت فلا تزال خارج الخدمة، وكذلك تم تأهيل بعض المدارس في مدينة الميادين وبعض القرى، كبلدة بقرص في الريف الشرقي، وكذلك في بلدتي الشميطية والتبني في الريف الغربي، لكن لا يزال الريف كله بدون كهرباء، ولا خدمات صحية وتعليمية، والأهم أن محطات ضخ مياه الري الزراعي، وقنوات الري لم يتم تأهيلها وهي العصب الأساس للحياة ولعودة الأهالي إلى قراهم ومدنهم وزراعة أراضيهم، فهي سبب وجودهم ومصدر معيشتهم.
فساد وإذلال!
كل ذلك أثار تساؤلات وشكوك المواطنين مجدداً، وخاصةً أن الحديث عن فساد كثير من المسؤولين الكبار قبل الصغار في المحافظة أصبح علنياً، من خلال ما شاهده المواطنون من مظاهر الثراء والبذخ الذي يتنعمون به، بينما لقمة معيشتهم مغمسة بالذل سواء في الحصول عليها، أو نتيجة الغلاء في الآجارات وأسعار المواد الغذائية، وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، ويضاف إلى ذلك الهيمنة والتسلط بحجة الظروف الأمنية، والمعاملة السيئة على بعض الحواجز أو من حملة السلاح المنفلت وصولاً إلى هدر الكرامة أحياناً، بل حتى الأطفال لم يسلموا من ذلك، فقد تم احتجاز العشرات من الأطفال يوم السبت 27/10، ممن يسيرون في الشوارع لقضاء وشراء احتياجات أهاليهم، واستخدامهم سخرة لتنزيل 400 كيس سماد، ولم يشفع لهم صغر سنهم ولا بنيتهم الجسدية الضعيفة، بل ترافق ذلك مع الشتائم والسباب لهم، وهي ليست المرة الأولى..
وعود جديدة وأسئلة
خلال لقاءات الوفد الوزاري والمسؤولين في المحافظة مع الأهالي، سمعوا مجدداً الكثير من الوعود المرتبطة بسين التسويف سوف.. وسوف وسوف المكررة، وإذا استمر العمل على هذا المنوال فإن الأمر ربما سيحتاج لسنوات وربما عقود كي تعود المدينة وريفها إلى سابق عهدها.. ناهيك عن البطء في تقدير الأضرار وقلة التعويضات التي تصرف للأهالي، والتي لا تكفي لرفع الأنقاض، أو لتجهيز ربع غرفة..
بالمقابل بقيت بعض الأسئلة تدور على ألسنة الأهالي:
طالما أن المبلغ المخصص للمحافظة هو 31 مليار، ولم يصرف إلا أكثر من نصفه بقليل، فلماذا لم يُصرف الباقي؟
وهل ما تم صرفه يتناسب مع القليل الذي أنجز؟
هل من محاسبة عما صُرف في غير موضعه من الضرورات؟