تفاح السويداء ومقص الاستغلال
تشير بعض التقارير إلى أن مساحة الأراضي المزروعة بأشجار التفاح في محافظة السويداء تقدر بحدود 16000 هكتار، وبأن عدد الأشجار الكلي بحدود 3 ملايين شجرة تقريباً.
وقد تزايدت معاناة المزارعين من مشكلة تصريف الإنتاج منذ بداية سني الحرب والأزمة نتيجة إغلاق معبر نصيب الحدودي مع الأردن، باعتباره المنفذ الرئيس لتصريف إنتاج المنطقة، الأمر الذي فسح المجال واسعاً أمام التجار لشراء المحصول بأسعار رخيصة من الفلاحين والمزارعين بسبب صعوبات التسويق وتصريف الإنتاج، وبذريعة إغلاق المعبر، وفي ظل غياب الدعم والرقابة الحكومية، وتفشي النهب والاستغلال العلني للتجار.
تكاليف عالية واستغلال
لا جديد هذا العام عن الأعوام السابقة، فالأسعار التي يعرضها (الضّمّانة)- وسطاء الشراء بين الفلاح والسوق- هي إعلان صريح بنيّة النهب والاستغلال. ومع غياب أي أثر للأجهزة الرقابية، وغياب قنوات التسويق الحكومية لكامل محصول التفاح ، وقع الفلاح مجدداً في شباك الاستغلال والفساد.
وقد ارتفعت أسعار تكاليف الإنتاج الزراعي بشكل جنوني، بدءاً من أسعار عبوات الرشوش وكيلو السماد عموماً التي ارتفعت أكثر من 4 أضعاف لأنها مرتبطة بالدولار، والذي لا حاكم له في هذا البلد على ما يبدو إلا جيوب حيتان المال، ثم هناك تكاليف الحراثة والتقليم وعملية الرش، والتي ارتفعت جميعها بسبب ارتفاع سعر ليتر المازوت الحر ليباع ما بين 250 - 300 ل.س في الشهرين الأخيرين، وعدم إمكانية تأمين الكميات المطلوبة من الدولة، طبعاً يضاف إليها ارتفاع تكاليف اليد العاملة، مع ملاحظة أن أجرة اليد العاملة لم ترتفع أبداً بالنسبة نفسها لارتفاع باقي التكاليف، ناهيك عن ارتفاع تكاليف المعيشة الكارثي، والفارق شاسع بين أجرة اليد العاملة عموماً والزراعية خصوصاً، بسبب العرض الكبير من اليد العاملة في السوق الزراعية.
السورية للتجارة دور خجول
لقد باشر فرع السورية للتجارة بالسويداء عمليات تسويق محصول التفاح من المزارعين للموسم الحالي، من البساتين مباشرةً عبر سيارات الفرع، وذلك وفق الأسعار التأشيرية المعتمدة والبالغة للكيلو الواحد للصنف الأحمر للنوع الأول 230 ليرة، وللثاني 210 ليرات، وللثالث 120 ليرة، وللصنف الأصفر للنوع الأول 220 ليرة، وللثاني 200 ليرة، وللثالث 110 ليرات، وللصنف الموشح الأول 210 ليرات، وللثاني 180 ليرة، وللثالث 90 ليرة.
والجدير بالذكر أن أكثر من 60% من إنتاج السويداء هذا العام هو من الصنف الثالث بسبب العديد من العوامل الطبيعية، والتي أضرت بالإنتاج وتحديداً الصنف الأول منه، وهذه النقطة تحديداً هي التي فسحت المجال واسعاً للتجار للتلاعب بالأسعار والضغط على حاجة الفلاحين لمبالغ مادية، بغية تسديد الديون الناتجة عن عملية الإنتاج ذاتها، وبسبب التخوف الكبير لدى الفلاحين من كساد الإنتاج وفساد جزءٍ كبيرٍ منه في حال تأخر القطاف، وبسبب عدم قدرة السورية للتجارة على الاستجرار إلّا ما يقارب 35 % من إنتاج التفاح من الصنف الثالث، الأمر الذي سيفضي إلى بيع ما يقارب 65 % من الصنف الثالث لهوامير التجار في المحافظة، وبالسعر المحدد من قبلهم أو أن يترك الفلاح التفاح على الشجر وليمة للطيور.
قاسيون ترصد المعاناة
قاسيون تجولت بين البساتين والتقت مجموعة من الفلاحين الفقراء الذين تحدثوا عن أزمة تسويق التفاح والتلاعب بالأسعار والتضييق على الفلاح كي لا يسوق بضاعته بنفسه، إلّا عن طريق الضّمّانة أو التجار الكبار الذين يصدرونه إلى الخارج ويبيعونه بالعملة الصعبة التي تحتاجها الدولة، ليستفيد الجميع ويبقى الفلاح الخاسر الأكبر.
الفلاح أبو رسلان: "اضطررت لبيع كيلو التفاح بحدود 60 ليرة فقط، فلا خيار أمامنا إلّا أن نبيع المحصول بأسعار زهيدة، بسبب الأضرار التي لحقت بالموسم بسبب "البرد"، وبسبب غياب الدعم الحكومي"، مضيفاً: "التجار هم من يتحكمون بتسعير الموسم، وبالتالي بالفلاح وجهده، فقد خسرت هذا موسم هذا العام أيضاً، ولم أتمكن من تغطية تكاليف الإنتاج".
الفلاح أبو غسان قال: "بعد كل الجهد والتعب والمعاناة من ارتفاع التكاليف نقع بالعجز، كل التكاليف ارتفعت أسعارها التي أصبحت لا ترحم، من المبيدات التي ارتفعت أسعارها عدة أضعاف، إلى تكاليف اليد العاملة بالفلاحة والقطاف والتوضيب، وصولاً إلى تكاليف التخزين والتبريد إن وجدت، وكل ذلك يدفع من جيب الفلاح وعلى حساب معيشته".
مطالب ووعود
مع بدء الموسم كانت مطالب المزارعين تتمثل بأن يتم استجرار كامل المحصول من قبل السورية للتجارة، من أجل الحد من جشع التجار واستغلال السماسرة، بالإضافة إلى تعويضهم عن خسائر الأضرار التي لحقت بمحصولهم بنتيجة سوء الأوضاع الجوية. وقد أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن "نسبة الضرر بسبب العوامل الجوية خلال فصل الشتاء الماضي كانت أكثر من 70 % في محصول التفاح".
معاون مدير زراعة السويداء قال عبر إحدى وسائل الإعلام مؤخراً: «إن المديرية تعمل على مشروع لتعويض المزارعين ممن تضررت أراضيهم بفعل عوامل الطقس، مشيراً إلى وجود اقتراح من قبل وزير الزراعة لمضاعفة التعويض بحيث يعوض للفلاح بنسبة 20% من تكلفة الإنتاج للأراضي المتضررة أكثر من 90%، ولكن لم يتم إصدار القرار بعد، علماً أن كمية محصول التفاح هذه السنة تبلغ 70 ألف طن، 50 % منه متضرر».
مقص الاستغلال
واقع الحال يقول: إن الفلاح سيبقى رهينة مقص الاستغلال في السوق، بين أسعار تكاليف الإنتاج ارتفاعاً، والتي يتحكم بها التجار، وبين أسعار المحصول انخفاضاً، والتي يتحكم بها الضَّمَّانة والتجار والسماسرة أيضاً، مع الأخذ بعين الاعتبار تحكم هؤلاء بوسائط النقل أيضاً، حيث من الصعوبة بمكان تأمين شاحنة نقل لمن قد يتبادر لذهنة نقل محصوله إلى أسواق الداخل في المحافظات الأخرى، كما من الصعوبة بمكان أن يتم التمكن من تأمين مستودعات تخزين مبردة للمحصول عند قطافه لتسويقه لاحقاً، باعتبارها تحجز مسبقاً من قبل التجار والضَّمَّانة، والنتيجة: أن الفلاح وموسمه ومعيشته ومستقبله أصبحت عاماً بعد عام رهناً للسوق ولجشع التجار، على عين الحكومة ومسمعها، برغم كل الحديث الرسمي عن الدعم والدور التسويقي.