اللاجئون في مخيم سليمان شاه.. ابتزازٌ وعرقلة

اللاجئون في مخيم سليمان شاه.. ابتزازٌ وعرقلة

منذ انفجار الحرب والأزمة بدأت رحلات الهروب واللجوء للمواطنين السوريين في المنطقتين الشرقية والشمالية، بسبب الأعمال المسلحة، لكنها لم تكن على شكل موجات إلاّ بعد هيمنة التنظيمات التكفيرية، بدءاً من هيمنة (جبهة النصرة» في النصف الثاني من عام 2012، ثم هيمنة التنظيم الفاشي (داعش» منذ بداية عام 2013، بدءاً من محافظة الرقة، التي سقطت في الشهر الثالث منه.


لقد نزحت وهربت عوائل بأكملها، وخلت قرى وبلدات بأكملها وخاصة المنطقة الشرقية ككل، وكانت وجهات النزوح واللجوء، قسم إلى الداخل السوري، ونسبة كبيرة منهم إلى تركيا، التي قدمت بعض التسهيلات لهؤلاء لاستثمارهم لاحقاً اقتصادياً وسياسياً، وحتى عسكرياً في تشكيلات مسلحة خاضعة لها بشكل مباشر، حيث وصل عددهم إلى أكثر من مليوني لاجئ، والبعض سكن في المدن التركية، والغالبية جرى توزيعهم على عدة مخيمات، ومنها: مخيمّا سليمان شاه وسروج.
مخيم سليمان شاه
يضم مخيم سليمان شاه حوالي 40 ألف لاجئ غالبيتهم من المنطقة الشرقية وشمال حلب، وكان شبه معتقل كبير، حيث لا يستطيع اللاجئ المغادرة والعودة دون موافقة، وفي وقت محدد، ناهيك عن استغلال الشباب والرجال وحتى النساء اجتماعياً واقتصادياً، بالإضافة إلى المعاملة السيئة التي دفعت البعض للانتحار هرباً من البؤس والضغوط والاستغلال.
كما استخدم النظام التركي كارثة اللاجئين الإنسانية كورقة ضغط وابتزاز، سياسياً واقتصادياً، سواء على مستوى علاقته مع دول أوروبا أو مع المنظمات الدولية والأممية، وكان يعيق ويمنع عودة هؤلاء إلى وطنهم من أجل ذلك!
الطرد من المخيم
منذ حوالي 10 أيام تفاجأ اللاجئون في المخيم، ودون سابق إنذار، بالإعلان، وعبر مكبرات الصوت في الجوامع الموجودة في المخيم، أن المخيم سيغلق، وأمهلوا اللاجئين حتى تاريخ 26/10/2018، وعليهم البحث عن منازل يستأجرونها، ثم أذاعوا مرةً أخرى أنهُ من يريد الذهاب إلى مخيم سروج عليه التسجيل، لكن تفاجأوا مرةً أخرى أن اللاجئين في مخيم سروج تم إبلاغهم بإغلاق المخيم أيضاً، وأنهم مثلهم من لا يغادر المخيم سيطرد طرداً، وتم لصق بلاغ الإغلاق على مدخل إدارة المخيم، كما ويمنعون اللاجئين من الحصول على نسخةٍ منه، أو حتى تصويره، وإلاّ سيعتقل وسينال حسابه، فكيف بمن يحاول أن يعترض على ذلك؟
40 ألف ليرة سورية آجار المنزل!
بدأ قسم مهم من اللاجئين بالمغادرة، والغالبية منهم اتجهوا إلى أورفا أو إلى مرسين كونها منطقة زراعية، لعلهم يجدون عملاً يساعدهم على العيش، وخاصة أنهم سيحرمون من المساعدة المالية التي كانت مخصصة لكل لاجئ، والتي كانت تتناقص باستمرار سابقاً، والبقية تشتتوا في مختلف المدن التركية، والمهم: أن أقل آجار يعادل 40 ألف ليرة سورية، وارتفعت آجارات المنازل للضعف، عدا تكاليف المعيشة، وقيل لهم أنّ هناك تعويضات لكل لاجئ، لكن الواقع غير ذلك، لأن هناك مخيمات أغلقت ولم يحصل اللاجئون على شيء! فمن أين للاجئين أن يحصلوا على ما يبقيهم أحياء؟
يضاف إلى ذلك كله، أنه ومنذ تبليغ اللاجئين بإخلاء المخيم توقفت المدارس عن الدوام، وباتت أسر الطلاب في حيرة، بين البحث عن مكانٍ وسكنٍ وبين مصير أبنائهم ودراستهم، وهذا أيضاً كان من الهموم الضاغطة الإضافية على هؤلاء، ألا يكفيهم أنهم حرموا من التعليم، من قبل المسلحين والمجموعات التكفيرية سابقاً!
الشعب السوري ضحية!
تواصلت قاسيون مع عددٍ من اللاجئين في مخيم سليمان شاه ونقلوا لها معاناتهم، ناشدين المساندة، خاصةً أن ما جرى ويجري يتم وسط تجاهلٍ إعلامي كبير وعدم اهتمام من المنظمات الدولية.
ع/ج قال: (والله شيء يُحزن القلب بالنسبة لأهل المخيم، عشنا الفقر والجوع والخوف والرعب من الإرهابيين في وطننا، وبحثنا عن اللجوء لعلنا نحصل على شيء من الأمان، وما يقينا ذلّ الحاجة والعوز، لكن ما قرره الأتراك الآن بإغلاق المخيمات، يعني (روح دبر حالك» وسط مجموعة من مصاصي الدماء، والإعلام مغيب، وممنوع الحصول على قرار الطرد، لشدة الإجراءات الأمنية وخوف اللاجئين المهجرين من الاعتقالات، كما في الداخل. إننا ضحية، يوجد لاجئون كُثر لا معيل لهم وأرامل ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، (والله رجال صارت تبكي»، ذاعوا الخبر فجأةً، وكذبوا علينا بالتعويضات، ولا يمكننا استئجار منزل، ولا نعرف ماذا نفعل وأين نذهب، لقد أراد البعض منا تسجيل اسمه للعودة إلى وطننا سورية ومنعونا.. إنهم يتآمرون علينا وعلى الشعب السوري ككل في الداخل والخارج، حالتنا مزرية، نريد حلاً ينهي مأساتنا!»
س/م قال: (هربنا من ويل الحرب والقصف، ومن ذبح التكفيريين، والآن الأتراك يذبحوننا (ربونا كما الجزار يربي الخراف وفي النهاية يذبحها) إننا نموت كل يومٍ مرات، كل يوم يذاع خبر إخلاء المخيم من الجوامع، غالبية اللاجئين في المخيم من النساء والأطفال وكبار السن والعاجزين، نريد من يضمن لنا الحياة على الأقل بدل الموت في الشوارع، وخاصةً أن الشتاء قادم، والمصيبة أنهُ لا أحد يهتم بنا، لا الإعلام ولا المنظمات الإنسانية الدولية، حتى حكومتنا لم تقدم لنا شيئاً، الأمان والاطمئنان ما يُمكننا من أن نتأمل العودة إلى بيوتنا ومدننا وقرانا، أين من يتحدثون عن حقوق الإنسان، هل هناك من يسمع صوتنا؟»
مطلب إنساني وسط بازارات العهر
ما سبق بعض وجزء من أوجه معاناة اللاجئين السوريين في المخيمات التركية مؤخراً، التي هي كما معاناة اللاجئين السوريين في لبنان والأردنّ، مغيبة وسط التجاهل الإعلامي الدولي والمحلي، وعدم الاهتمام واللامبالاة الإنسانية بهم وبحقوقهم، خاصة في ظل استمرار المساعي البائسة واليائسة من أجل عرقلة الحل السياسي، والتي تعتبر ورقة اللاجئين الإنسانية إحدى أدواتها الاستثمارية في بازارات العهر السياسي التي تقوم بها وتمارسها بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية، بما في ذلك العرقلة لمنع هؤلاء من العودة إلى بلدهم.
ومطلب هؤلاء الوحيد يتجلى بحقهم في العودة إلى وطنهم، مع توفير كل الضمانات والظروف التي تؤمن وتسهل لهم ذلك، بما في ذلك ضمان عدم الملاحقة.