حلب.. دكاكين التعليم

حلب.. دكاكين التعليم

تراجع الواقع التعليمي والعملية التعليمية لم يعد بخافٍ على أحد، لا من حيث مقدماته ولا من حيث نتائجه، وصولاً إلى تسليع التعليم، وبروز ظاهرة «دكاكين التعليم» على هامشه.


اعتباراً من اكتظاظ الطلاب في الشعب الصفية وفي المدارس، بسبب خروج بعضها عن الخدمة نتيجة الحرب والدمار، مروراً بالمنافسة مع المعاهد والمدارس الخاصة المرخصة، التي زاد نشاطها بسبب الترهل بالعملية التعليمية في المدارس الحكومية لأسباب كثيرة وعديدة، وصولاً للدروس الخاصة التي يتم اللجوء إليها اضطراراً لترميم بعض الفجوات والنقص عند بعض الطلاب.
تسليع التعليم
المدارس والمعاهد الخاصة، وبسبب هذا الواقع التعليمي وبذريعة سد الفراغ الحاصل به، أصبحت ملاذاً لأبناء أصحاب الأموال، وعلى الرغم من ذلك فإن أقساطها المرتفعة ذات الأرقام المرعبة أصبحت تكسر ظهر هؤلاء، بمقابل محدودي الدخل الذين لجأوا إلى بدائل أخرى تتمثل بالدروس الخصوصية، التي لا تقل تكلفتها من الناحية العملية عن تكلفة المدارس والمعاهد الخاصة، والنتيجة، أن السمة العامة على العملية التعليمية أصبحت مصبوغة بالتسليع والمنافسة، التي يدفع ضريبتها الطلاب على مستوى تحصيلهم العلمي، وذووهم على مستوى التكاليف المرتفعة والمرهقة.
المدرس الجوال
اللافت- في ظل هذا الواقع، وفي ظل عدم توفر فرص العمل أمام الخريجين الجامعيين، وإغلاق أبواب التوظيف أمامهم- أن البعض من هؤلاء تحولوا إلى مدرسين جوالين، وكأنهم مندوبو مبيعات يروجون لشهاداتهم من أجل الحصول على ساعة درسية لهذا الطالب، وجلسة تعليمية لذاك، والنتيجة المضافة، هي: زيادة المنافسة غير العادلة بين الاختصاصيين وغير الاختصاصيين، مع المدارس والمعاهد على استقطاب الطلاب، والمحصلة النهائية من كل ذلك، هي: ألّا عملية تعليمية ترجى في ظل هذا الواقع الذي حول التعليم إلى سلعة تباع بغض النظر عن سويته ومستواه، على حساب الطلاب في الجانب العلمي والمعرفي، وعلى حساب ذويهم في الجانب المادي والمعيشي، كما على حساب المستقبل بالنتيجة والمآل.
بين الضرورة والواقع
هذا الواقع وهذه المقدمات تضعنا أمام مستقبل غامض، وجيل غير واضح الهوية، خاصة بعد سبع سنوات من الحرب تعرض خلالها هذا الجيل إلى شتى أنواع التشويه الفكري والنفسي والاجتماعي، مما يجعل من الضروري أن يكون التعليم كمنظومة متكاملة أمام استحقاق مُلّح في معالجة نتائج الحرب من جهة، وتهيئة الأجيال للمرحلة القادمة للبناء من جهة أخرى.
لكن ما نشهده في المقابل على أرض الواقع بأن السياسة التعليمية عملياً تسير نحو الخصخصة بخطى واضحة ومتسارعة، وخاصةً خلال السنوات الأخيرة، والأكثر أسفاً ووبالاً بأن هذه الخصخصة يزداد تشوهها يوماً بعد آخر، على مرأى ومسمع ومباركة الرسميين، وكأننا أمام تجهيل متعمّد ومقصود لن يدفع ثمنه إلّا المجتمع، مستكملاً بشكل مقصود أو غير مقصود أيضاً ما بدأته الأدوات الفاشية خلال الحرب على الأرض.

آخر تعديل على الإثنين, 10 أيلول/سبتمبر 2018 14:08