السويداء... دمج الخسارات أم دمج الشركات؟
يصرح المسؤولون أن الحكومة من خلال خطتها المتعلقة بإعادة هيكلة مؤسسات القطاع العام تعمل على نقل تجربة الدمج إلى الشركات والمعامل المخسرة، سعياً منها لتنظيم وجدولة مهام الجهات التي يرتبط عملها ضمن إطار واحد، ومعرفة مقدار الدعم الحكومي المقدم لهذا القطاع حيث تبدأ كل شركة من هذه الشركات مهامها من نقطة انتهاء مهام الشركة التي تسبقها، من دون إحداث أية ازدواجية في العمل، وذلك بهدف توحيد عمل الجهات ضمن هدف واحد، وآلية عمل واحدة باتجاه إعادة الإعمار.
معمل السجاد الآلي في السويداء
يبدو أن عملية الدمج بين ثلاث شركات مختلفة في الصناعة لا يمكن دمجها في صناعة واحدة وهي الشركة العامة لصناعة السجاد بدمشق، والتي اعتبر معمل سجاد السويداء قسماً منها، وشركة حلب العامة للأنسجة الحريرية المؤممة، والشركة العامة للأصواف بحماة، قد ارتدت بشكل عكسي على مجمل الشركات المذكورة والمسماة الشركة العامة لصناعة الصوف والسجاد الآلي.
أحد العمال قال: لعل أكبر المتضررين من عملية الدمج كان معمل السجاد الآلي في السويداء كونه المعمل الوحيد الذي يعمل في ظل الأزمة، وقد أوصت اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء أن يكون مقر الإدارة في مكان المنتج النهائي وليس في مكان تواجد المادة الأولية أي في حماة، فضلاً عن اختلاف المنتج النهائي في الشركات الثلاث والبعد الجغرافي بينها وتوزعها على مجمل أراضي الجمهورية العربية السورية الأمر الذي أدى إلى بقاء الأسواق المحلية محصورة في السويداء بسبب تلك الظروف، ما دفع إدارة المعمل إلى اتخاذ التقسيط للعاملين في الدولة كخطوة لتصريف إنتاجه، إلا أن خطوة التقسيط هي الأخرى منيت بانتكاسة تصريفية بعد قرار الإدارة العامة برفع سعر السجاد وتخفيض الأقساط نتيجة ارتفاع التكاليف، إن أحد أسباب تدني الإنتاج إنما يعود إلى أن الإدارة العامة بحماة غير ملمة بصناعة السجاد من الناحية الفنية والتسويقية، ما انعكس سلباً على إنتاج المعمل والتسويق.
أحد الإداريين في المعمل أشار: ظهرت أولى عيوب الدمج بعدم لحظ المعمل في مرسوم الدمج كوحدة إدارية ومالية مستقلة إلى جانب البعد الجغرافي للإدارة العامة عن المعامل التابعة، مما يمنع التواصل والوقوف الصحيح على واقع العمل ووضع الإدارة العامة في مكان المواد الأولية «مادة الصوف» المسوقة حكما للمعامل التابعة بدلاً من أن تكون في مكان المنتج النهائي «السجاد» الذي يحتاج لخبرة خاصة وجهد كبير لتسويقه.
بالإضافة لعدم وجود الخبرة الكافية للقائمين على إدارة الشركة «أصواف حماة» لاختلاف صناعتي الصوف والسجاد مما أدى لقرارات إدارية غير صحيحة لا تتوافق مع طبيعة صناعة السجاد وخصوصيتها، مثل: إيقاف التقسيط للدوائر الحكومية، يضاف إلى ذلك أن عدم إصدار النظام الداخلي والملاك العددي، أدى لحرمان العمال من الكثير من الميزات والمستحقات، حيث أكد العمال إن أكبر آثار الدمج كانت حرمانهم من أغلب المكتسبات التي كانوا يتقاضونها قبل الدمج، فقد تم إيقاف الوجبة الغذائية التي كانت تمنح لكافة عمال المعمل بقرار من اللجنة الإدارية السابقة، والتي أوقفتها الإدارة العامة بعد الدمج، وحرمت معظم العاملين منها رغم وجودهم على خطوط الإنتاج، كما تم حرمان العمال الذين يتعرضون للمصاعب والظروف الصعبة داخل أقسام المعمل من تعويض طبيعة العمل، بسبب عدم معرفة الإدارة العامة لطبيعة العمل وتفسير الأنظمة والقوانين الخاصة بذلك.
شركة البناء والتعمير في السويداء
تحت مبرر ضغط النفقات على حساب عمال الفرع الأكثر إنتاجية، صدر قرار من الإدارة العامة للشركة في بداية عام 2017 بضم ودمج فروع درعا والقنيطرة والسويداء مع ريف دمشق وتسمية مقر الفرع بريف دمشق، وفي حينها اعترض عمال الشركة وتوجهوا إلى اتحاد عمال محافظة السويداء والتقوا رئيس الاتحاد ورئيس نقابة الأخشاب والبناء وشرحوا حجم الظلم الحاصل عليهم، من قرار الضم والدمج لشركتهم والمخاوف من خسارة تعويضاتهم، أو نقل العمال الموجودين في الفرع إلى دوائر وشركات حكومية تحت مبرر العمالة الزائدة وضرورة تشغيلها، وأكدوا أن حالة الدمج تضع العمال في معاناة جديدة كون القرار يفرض الحصول على الموافقات لأي إجراء من إدارة الفرع في ريف دمشق، وصعوبة ومخاطر التنقل وضياع الوقت والتكاليف، وطالبوا بإلغاء القرار قبل إصدار اللائحة التنفيذية وأكد العمال أن تنفيذ هذا القرار من قبل الإدارة العامة سيضع فرع الشركة في السويداء أمام خيارات تُضيق مساحة العمل، وسيفرض الخضوع للقرار المركزي بأصغر التفاصيل، وهذا موضوع لا ينسجم مع طبيعة عملنا وتوسيع جبهات العمل.
أحد المهندسين قال: تاريخ هذه الشركة بالذات حافل بعمليات الدمج فالشركة العامة للبناء والتعمير هي ناتج دمج ثمانية شركات منذ الثمانينات حتى الآن، وكل عملية دمج كانت تؤدي إلى الرجوع بالعمل إلى الوراء، وكل القائمين على العمل يدركون ذلك. إن الغرض من عمليات الدمج هو الإصلاح الهيكلي بالإدارة بحيث تحفز العمل وليس الرجوع إلى الوراء، الأولوية تقتضي فتح جبهات عمل جديدة، وتوسيع القوى المنتجة من عمال وآليات وإزالة الفساد الكبير المتجذر في الشركة، عندها من الممكن أن تفيد عمليات دمج الشركات.
أحد العمال قال لنا: إذا نظرت إلى الآليات يمكن أن تقدر ما هي المشكلة، فأحدث آلية موجودة لدينا الآن موديل الثمانينات من آلات حفر ونقل وسيارات، باستثناء سيارات المدراء الحديثة، إنهم غير عاجزين عن تحديث الآليات القديمة لو أرادوا ذلك، ولكن هذه الآليات هي مصدر رزق لهم من خلال الفواتير الوهمية لإصلاح الأعطال المرفوعة، ومعظم العمال كبار بالسن، وأعمال البناء تحتاج إلى جهد عضلي، وبالتالي لابد من فتح فرص عمل لليد العاملة الشابة، وخصوصاً في ظل الوضع الحالي، ووضع إعادة الإعمار لاحقاً.
قال أحد العمال: إن «كل الدولة مشمولة بالتامين الصحي» إلّا في شركتنا لا يوجد تأمين شامل، ونطالب بزيادة اعتمادات الكساء العمالي وتأمين النقل الجماعي أو التعويض علينا نقداً، الشركات الإنشائية التابعة لوزارة الأشغال العامة هي ناتج لتقسيم العمل بعد النمو الاقتصادي الذي حصل في سورية في مطلع السبيعينيات، والناجم عن تدفق المال الخليجي ضمن سياسات التضامن العربي، وبسبب التراجع في النمو بعد هذه الفترة، بدأت سياسات الدمج المعاكسة لعملية تقسيم العمل، والتي كانت تؤدي إلى تعطيل عمل هذه الشركات، والتأثير عليها بشكل سلبي، وما ترافق معها من عمليات فساد أدت بهذه الشركات_ والشركة العامة للبناء واحدة منها_ إلى حالتها الراهنة والقاسم المشترك بين جميع العمال الذين تحدثت إليهم قاسيون في مواقعهم الإنتاجية، إصرارهم على رفض قرارات الدمج الفاشلة التي تعبر بجوهرها عن دمج الخسارات وليس دمج الشركات في ظل أن الحل الأنسب يكون بفتح جبهات عمل ومشاريع جديدة لهذه الفروع، وتعبئة طاقاتها وإمكاناتها لتتمكن من إدارة عجلة الإنتاج والمساهمة في إعادة الإعمار وتحقيق معدل نمو وأرباح يمكنها من دفع أجور ورواتب عمالها بدلاً من تحميل خسائرها لفروع الشركات والمعامل ذات الإنتاجية العالية.
«قاسيون» تضم صوتها لصوت عمال شركة البناء والتعمير والسجاد الآلي في السويداء وصوت تنظيمهم النقابي الرافض لقرار الدمج، وتطالب المعنيين بالتحرك بالسرعة القصوى لملاقاة مطالب العمال وتنفيذها، وفتح جبهات عمل ومشاريع جديدة،
إن خيار العمال الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم المحقة والمشروعة.