قمامة جرمانا كارثة صحية وبيئية
تنتشر رائحة القمامة المتفسخة اعتباراً من مدخل جرمانا، ويتزايد طغيان هذه الرائحة كلما دخلنا في عمق شوارعها وحاراتها الفرعية، وتصبح غير محمولة في بعض الحارات، والأسوأ هو المكب المؤقت داخل المدينة.
مشكلة القمامة في مدينة جرمانا ليست جديدة، وسبق أن تناولتها العديد من وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة قاسيون لأكثر من مرة، وعلى الرغم من قدم المشكلة إلا أنها لم تجد أي حل لها حتى الآن.
في جولة لقاسيون في مدينة جرمانا تم رصد الكثير من المشاهد المؤذية وغير المتوقعة، كما تم رصد انعكاسات هذه المشكلة السلبية، بيئياً وصحياً، على حياة المواطنين في المدينة، وتم توثيق مواقف هؤلاء تجاه المشكلة وما تفرضه عليهم من حلول فردية لا تفي بالغرض، وما يسعون إليه من أجل إيجاد الحل النهائي لها.
أكوام قمامة وروائح كريهة!
تنتشر أكوام القمامة اعتباراً من مدخل جرمانا، ومشاهد القاذورات المنتشرة على طول منصف شارعها الرئيس يبدو وكأنه أمر طبيعي وغير مستغرب، وعلى كوى بعض الحارات الفرعية لهذا الشارع هناك حاويات مخصصة للقمامة، لكنها ممتلئة عن آخرها، وما يوجد حولها من قمامة أكثر بكثير مما بداخلها.
في الحارات والشوارع الفرعية، تبدو المشكلة أكبر بكثير، حيث لا تتوفر الحاويات بالعدد الكافي على كوى هذه الحارات، في مداخلها ومخارجها، والنتيجة: أن أكوام القمامة المنتشرة في هذه الزوايا أصبحت أسوأ من غيرها بانعكاساتها السلبية على المواطنين، صحياً وبيئياً.
فكل تجمع لأكوام القمامة المنتشرة في المدينة، وما أكثرها، تعتبر بؤرة للأمراض، فمع عدم ترحيل أكوام القمامة بشكل يومي، وعميات التفسخ السريعة بسبب درجات الحرارة المرتفعة، تتزايد الروائح الكريهة لدرجة عدم التمكن من تحملها، كما تصبح هذه الأكوام بيئة مناسبة لتكاثر الحشرات والبعوض والذباب، بالإضافة إلى ما تجذبه من قوارض وحيوانات شاردة ليلاً، والنتيجة، أن كل واحدة من هذه الأكوام المنتشرة هي بواقع الأمر مصدر تلوث بيئي ومصدر للأمراض والآفات، وكل ذلك ينعكس سلباً على حياة المواطنين في المدينة.
مشاهدات أكثر كارثية!
أما أكثر ما يلفت الأنظار على مستوى عمق المشكلة فيمكن تلخيصه بالمشاهد الفاقعة التالية:
- الأول، هو: مشهد ممر طويل بإحدى الحارات الفرعية في المدينة يقع بين صفين للبنايات المتقابلة، كان سابقاً مجرىً مائياً لأحد الأنهار في المدينة قبل جفافه، وقد أصبح لاحقاً مكباً للقمامة من بدايته لنهايته، وهو بطول 100 متر تقريباً، ولكم أن تتخيلوا حجم القمامة والقاذورات المتراكمة فيه، وما لا يمكن أن يتم تخيله هو الرائحة العابقة بالمكان، وحجم التلوث فيه.
الأسوأ من المشهد هو: أن البلدية لا تعير هذا المجرى الذي أصبح مكباً للقمامة أي اهتمام، بل تعتبره خارج مهامّها وواجباتها واهتماماتها باعتباره يقع في منطقة مخالفات، بحسب الأهالي، الذين أكدوا بأنهم كل فترة يقومون بترحيل أكوام القمامة المتجمعة في هذا المجرى الطويل بجهودهم الخاصة وعلى نفقتهم.
- الثاني، هو: مشهد آثار القارص والندبات على أيدي الكثير من المواطنين والأطفال بشكل خاص، حيث تنتشر الندبات التي تخلفها لدغات البعوض على أجسام هؤلاء، وعلى أيديهم بشكل أكثر وضوحاً، وبحسب هؤلاء فإن المطهرات والمراهم الموضعية ليست بذات جدوى، خاصة وأن التعرض للقرصات مستمر دون انقطاع بسبب كثرة البعوض وما يحمله من أمراض وجراثيم.
- الثالث، والمشهد الأكثر سوءاً، هو: المكب المؤقت داخل المدينة، والذي تموضع في المكان المخصص لبناء مشفى جرمانا الوطني، حيث يقف حجر الأساس لهذا البناء شامخاً في تناقض مع ما يوجد خلفه من أكوام للقمامة التي ترتفع لأكثر من مترين، فقد تم اعتماد هذه الأرض المخصصة لبناء المشفى كموقع لتجميع القمامة من المدينة، كي يتم ترحيلها لاحقاً إلى المكب الرئيس خارج المدينة، والنتيجة أن أكوام القمامة في هذا المكب المؤقت لا تنضب، بل تتزايد باستمرار.
الأسوأ، أن قطعة الأرض هذه تقع على الطريق الرئيس لمدخل جرمانا، وهي محاطة بالأبنية السكنية من جميع جوانبها، والنتائج الكارثية بيئياً وصحياً لهذا المكب يمكن رصدها من قبل كل داخل للمدينة، اعتباراً من الروائح الكريهة بنتيجة التفسخ، مروراً بالمشهد المؤذي، وليس انتهاءً بكم الذباب والبعوض المنتشر في المكان، وما يفقأ العين أن هذه البؤرة من التلوث من المفترض أن تكون مشفى لأبناء جرمانا، فحجر الأساس مؤرخ منذ عام 2015، ولا ندري ما هو رأي مديرية صحة الريف ووزارة الصحة بما آلت إليه الأرض المخصصة للمشفى، كما لا ندري لماذا لم يتم البدء بتنفيذ مشروع بناء المشفى حتى تاريخه، وصولاً لجعل قطعة الأرض هذه مكباً للقمامة ومكاناً لتجميعها!
- مشهد إضافي أخير كان أشد عمقاً من كل ما سبق، هو: مشهد بعض الأطفال، من نابشي القمامة، الذين يبحثون داخل أكوام القمامة المنتشرة عن أي شيء قابل للبيع وإعادة التدوير، من علب الكولا المعدنية، إلى المواد البلاستيكية وسواها، حيث يقومون بتجميع هذه «القمامة» من القمامة» ليبيعوها، وهو مشهد ذو بعد اقتصادي اجتماعي معيشي، يشير بأحد جوانبه إلى ما وصلت إليه حال الفقر والجوع والعوز، ولكم أن تتخيلوا ما يتعرض له هؤلاء الأطفال من أمراض بنتيجة اضطرارهم للعمل كنابشي قمامة أيضاً، ولعل هذا المشهد بحد ذاته بحاجة لمادة منفصلة، حيث لا يمكن اختصار هذا المشهد، بأسبابه وبما يمثله وبنتائجه وآثاره، ببضعة سطور.
معاناة وإهمال
لكل من الأهالي في مدينة جرمانا قصته من المعاناة بنتيجة مشكلة القمامة غير المحلولة، ولكل منهم ما حصده على المستوى الفردي والأسري من الانعكاسات السلبية لهذه المشكلة المستعصية، من الروائح الكريهة، إلى الأمراض، إلى البيئة.
أحدهم قال: «نتمنى لو تتمكن الصورة من نقل الروائح أيضاً، فالصورة عاجزة عن نقل هذا الجانب من المشكلة».
إحدى المواطنات تحدثت عن تقصير البلدية في ترحيل القمامة، وعن قلة عدد الحاويات، قائلة: «بكل هاد الشارع اللي طوله أكتر من 1 كم ما في إلا هاد المكان المخصص للقمامة، وفيه 3 حوايا بس، كيف ممكن تسع، أكيد بدها تضل مليانة وحواليها زبالة».
مواطنة أخرى قالت: «المرض ما عاد تركنا، أنا مريضة ربو والريحة عم تفاقم من مرضي، وولادي دائماً مرضانين من القارص والدبان».
أحد الصيادلة قال: «المشكلة قديمة، والأمراض زادت بسببها، من أمراض التهاب العين إلى ارتفاعات الحرارة والإسهال وصولاً إلى الأمراض الجلدية الأكثر انتشاراً».
المواطنون تحدثوا عن قلة عدد حاويات القمامة، وعن عدم انتظام مواعيد ترحيل القمامة، والتي تصل أحياناً إلى أيام متتالية تتراكم بها القمامة في الشوارع، بالإضافة إلى عدم القيام برش المبيدات، وعن التقصير في مكافحة القوارض والحيوانات الشاردة، وأكثر ما يلفت بحديث المواطنين كان حول التمييز على مستوى الخدمات بشكل عام، حيث تفتقر مناطق المخالفات للكثير من الخدمات، وخاصة ترحيل القمامة وعدد الحاويات، مشيرين بالمقابل إلى أن البلدية تأخذ ما لها من استحقاقات ورسوم مالية، إلّا أنها لا تقوم بواجباتها تجاه هذه المناطق بذريعة أنها مخالفة، مؤكدين بأن ما يسمى بمناطق مخالفات في مدينة جرمانا أكبر بكثير من المنطقة المنظمة بداخلها، مع ما يرافق ذلك من التعداد والكثافة السكانية فيها.
مبادرات أهلية ومطالب
أخيراً، نقف عند المبادرات الأهلية التي لم تنقطع من أجل السعي للخلاص من هذه المشكلة التي أحالت حياتهم إلى جحيم، فقد سبق للأهالي أن تقدموا بالكثير من الشكاوى حول مشكلة القمامة، كما سبق لهم أن عملوا على المساعدة بتجميع القمامة وترحيلها، وبعضهم يقوم بذلك بشكل دوري على نفقتهم وبجهودهم الخاصة، لكن كل هذه الجهود لا يمكن لها أن تحل المشكلة الكبيرة، في ظل استمرار ضعف دور البلدية على هذا المستوى، وعدم إيلاء محافظة ريف دمشق هذه المشكلة الاهتمام اللازم من أجل حلها بشكل نهائي.
وأثناء جولة قاسيون بمدينة جرمانا رصدت مسعى جديداً من الأهالي يتمثل بتوقيع عريضة تتضمن عرض للمشكلة مع بعض المقترحات من أجل حلها، ولنا وقفة قادمة مع البلدية لمعرفة ما ستؤول إليه تلك العريضة من نتائج.
ويمكن تلخيص مطالب الأهالي بالتالي:
- زيادة عدد حاويات القمامة.
- زيادة عدد سيارات ترحيل القمامة والضواغط المخصصة للمدينة.
- زيادة وتيرة ترحيل القمامة لمرتين يومياً، وذلك بسبب الاكتظاظ السكاني.
- نقل مكب التجميع المؤقت لخارج المدينة.
- رش المبيدات الحشرية بشكل دوري.
عدم التمييز بين المواطنين على مستوى الخدمات بحسب المناطق والأحياء داخل المدينة.
فهل سيجد أهالي جرمانا من يستمع لشكواهم، ويقف عند كارثتهم الصحية والبيئية لإيجاد الحلول النهائية لها، أم أنهم سيبقون أسيري الإهمال واللامبالاة بهم وبحقوقهم؟!