ظاهرة التعفيش والتراخي الرسمي
تتصدر مدينة السويداء المشهد على مستوى الإدانة الشعبية لظاهرة التغفيش حالياً، وذلك على إثر عمليات التعفيش الأخيرة، والمستمرة، التي طالت البيوت التي نزح منها آهلوها في المنطقة الجنوبية، من ريف درعا وبلداتها وقراها، بنتيجة العمليات العسكرية فيها.
إدانة شعبية
الرفض الشعبي المتصاعد في مدينة السويداء لظاهرة التعفيش، كان بسبب الانتشار الكبير للممتلكات المسروقة في أسواق وساحات المدينة، وفي بعض البلدات المحيطة بها، وقد تضافرت جهود الهيئات المدنية والدينية رفضاً لهذه الظاهرة وآثارها السلبية، وصولاً لإصدار بيانات تحرم عمليات التعفيش والسرقة كما تحرم التجارة بالمسروقات، مع «حرم ديني» لكل من يتعامل بالممتلكات المعفشة، كون هذه الظاهرة وتوابعها ونتائجها، تعتبر خرقاً للعادات والتقاليد، وخروجاً عن الأخلاق، كما بدأت بعض العائلات بإصدار بياناتها الخاصة بها، تأكيداً على عدم التعاطي والمتاجرة والترويج للمواد المسروقة، وصولاً للتبرؤ ممن لا يلتزم بذلك.
كما طالبت الهيئات المدنية والروحية في المدينة، الجهات الرسمية في المحافظة على كرامة السوريين وممتلكاتهم، وذلك بأن تأخذ دورها على مستوى وضع حدٍ لهذه الظاهرة، ومحاسبة المسؤولين عنها، وذلك لانعكاساتها السلبية الكثيرة والعميقة، وخاصة على المستوى الاقتصادي والنسيج الاجتماعي، مع عدم السماح بمرور هذه المسروقات أو إنشاء مراكز أو أسواق لها في المنطقة.
وقد شهدت بعض البلدات حالات من المواجهة فيما بين الأهالي مع القائمين على عمليات التعفيش، أو السيارات القادمة والمعبأة بالمسروقات، طرداً أو حرقاً لهذه السيارات، مع إغلاق المحلات التي تتعامل بهذه المسروقات.
وقد تداولت وسائل الإعلام أخيراً معروضاً موجهاً للنيابة العامة في السويداء، مقدماً من قبل أحد المحامين في المدينة، بمثابة الإخبار الرسمي عن الظاهرة «الجريمة وفقاً للتوصيف القانوني» من أجل اتخاذ ما يلزم من قبلها بهذا الشأن، وفق المقتضى الحقوقي والقانوني.
الظاهرة الأكثر إيلاماً
ظاهرة التعفيش، قد تبدو كما غيرها من الظواهر السلبية الأخرى التي انتشرت على هامش الحرب والأزمة طيلة السنوات الطويلة الماضية، لكنها من كل بد الأكثر إيلاماً وذلك بسبب تعميمها وعمق أثرها، حيث لم تخلُ أية رقعة جغرافية طالتها المعارك من عمليات التعفيش المنظم لها، إلّا ما ندر، فكل مدينة وبلدة وقرية اضطر أهلها للنزوح عنها بسبب المعارك وهرباً من الموت المتوقع فيها، طالتها أيدي المعفشين الذين يعملون كالجراد، فلا يتركون خلفهم أثراً على عين في هذه البيوت، من الأثاث المنزلي، إلى الكهربائيات، إلى كبلات الكهرباء في الجدران، وحتى لبلاط الأرضيات، ولتصبح هذه البيوت على العظم من جديد، ناهيك عمّا حلّ بهذه البيوت من الدمار، الكلي أو الجزئي، والنتيجة، أن المواطنين الذين دفعوا ضريبة الحرب نزوحاً وتشرداً، سيدفعون ضريبة التعفيش، شقاء وجهد عمر مضى، ولا يمكن بأية حال أن تعوض، وخاصة في ظل استمرار الوضع المتردي اقتصادياً ومعيشياً.
الدولة مسؤولة
المؤسف، أنه وبرغم كل حملات الإدانة الشعبية لهذه الظاهرة، أنها ما زالت مستمرة، وعلى ما يبدو أن من يقف خلفها من ضعاف النفوس والمستفيدين والمستغلين والفاسدين، لن يتورعوا عن الاستمرار بما اعتادوا عليه من سرقة لممتلكات المواطنين كلما فسح المجال أمامهم لذلك.
والمؤسف أكثر، أنه وحتى تاريخه لم نسمع عن أي تحرك جدي من قبل الجهات الرسمية لمنع هذه الظاهرة من الاستمرار، لا على مستوى ردع هؤلاء المستغلين والمستفيدين والفاسدين، ولا على مستوى ضبط الطرقات ومراقبتها من أجل منعها ومحاسبة القائمين عليها، فلا شك لدينا بأن لدى الدولة ما يؤهلها للقيام بواجباتها ومسؤولياتها على هذا المستوى، عبر الجهات العديدة المخولة رسمياً بالقيام بهذه المهمة، وغيرها من المهام على مستوى الظواهر السلبية الأخرى، وهي قادرة على ذلك، ولا يوجد أي مبرر للتقصير بهذه المسؤولية.
وليبقى السؤال بعد كل ذلك: لماذا هذا التراخي إذاً؟