خصخصة تطفيشية لفقراء الحال
ما زالت مفاعيل القرار الذي يقضي بتحويل الطلاب المستنفذين أو المفصولين من نظام التعليم العام إلى نظام التعليم الموازي، وتسديد الرسوم السنوية بناء على ذلك، تفعل فعلها عبر وسائل الإعلام وعبر صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالطلاب والاتحاد الوطني لطلبة سورية.
حيث تم تحديد من ينطبق عليه هذا القرار حسب التالي:
الطالب المفصول فصلان دراسيان فأكثر وعاد إلى الجامعة كطالب نظامي في العام 2018_2019، والمقصود بالفصلين فصلان نظاميان (ف1.ف2) وليس دورة إضافية.
الطالب المفصول فصلاً نهائياً وعاد إلى الجامعة أيضاً في بداية العام 2018_2019.
الطالب المستنفذ سابقاً واستفاد من أحكام المرسوم، وأصبح طالباً نظامياً في بداية العام 2018-2019.
التعليم المجاني ليس مِنّة حكومية
الرد الرسمي على اعتراضات الطلاب لم يتعد التعذر بكونه قراراً قديماً، مع الاستغراب من الحملة الطلابية المعترضة عليه، دون الخوض بتفاصيل ومضمون الاعتراضات!.
بل والأكثر من ذلك ما ورد على لسان معاون وزير التعليم العالي بقوله: «من غير المقبول أن تبقى الحكومة تتحمل تكاليف دراسة الطلاب المقصرين وغير المهتمين بتحصيلهم العلمي».
وكأن الآلية والعقلية التي تسود التعليم العالي بتعاملها مع مطالب واعتراضات الطلاب الجامعيين تطغى عليها الفوقية والاستكبار على هذه المطالب والحقوق، والأنكى من ذلك، كأن نظام التعليم المجاني ليس إلا مِنّة حكومية، تمنحها متى ولمن شاءت، وتحجبها عمن شاءت، فيضرب بعرض الحائط ما ضمنه الدستور من حق التعليم المجاني للطلاب، حيث وبقرار ارتجالي، يمكن لوزارة التعليم العالي أن تحجب هذا الحق عن عدد كبير من الطلاب، وتحولهم لنظام التعليم المأجور، الذي لم يكن إلا بدعة تطفيشية لفقراء الحال من استكمال التعليم العالي، صدرت بغفلة من الزمن، وعلى حسابهم.
الوزارة والزمن على هؤلاء
بالعودة لموضوعة التقصير التي تم وصم الطلاب بها إجحافاً وظلماً، وكأنها هواية يمارسها هؤلاء مضحين بسنين عمرهم وتعبهم وطموحهم، بينما واقع الحال، الذي يجب ألا يغيب عن الأذهان، أن جملة الصعوبات التي يواجهها الطلاب على مستوى حياتهم ومعاشهم، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة الطاحنة، هي المتسبب بهذا التقصير، وليس نتيجة اللامبالاة أو الإهمال.
فلا أحد من هؤلاء يمكن أن يكون لا مبالياً تجاه طموحه ومستقبله، لكن الظرف المادي والمعيشي أجبر الكثير من الطلاب، وخاصة من أبناء الطبقات المفقرة، لأن يعملوا من أجل مساعدة ذويهم على تحمل تكاليف الحياة وأعبائها، ناهيك عن الظروف القاسية التي تعرض لها الكثير من هؤلاء نزوحاً وتشرداً، مما جعلهم غير متفرغين لدراستهم كحال أبناء المترفين من الطبقات الميسورة.
فالزمن بالنسبة للطالب المفقر والمحتاج ليس عاملاً ترفياً ليضحي به، بل هو عامل حياتي مستقبلي هام، يتم استنفاذه من قبل هؤلاء حتى آخر نقطة، وقد أتى قرار الوزارة الأخير ليكون هو والزمن عليهم جوراً وظلماً.
نحو المزيد من الجهل والفقر
على ذلك، كيف لهؤلاء، الذين بالكاد يستطيعوا أن يساعدوا ذويهم على تكاليف المعيشة والحياة، أن يسددوا التزامات رسوم التعليم الموازي السنوية؟ حيث قال بعضهم: إن هذا القرار من الناحية العملية سيدفعهم دفعاً باتجاه العزوف عن استكمال التعلم الجامعي، مما يعني ضياع عمر وجهد سنين، وفقدان أمل وطموح سعوا إليه.
والحال كذلك، فإن وزارة التعليم العالي، وعبر قراراتها الكثيرة والمتعاقبة عاماً بعد آخر، تؤكد بأنها تسير باتجاه المزيد من خصخصة التعليم، مما يعني أن المفقرين وأبناء الطبقات المسحوقة سيتم إبعادهم تباعاً عن مسار العملية التعليمية، باعتبارهم الضحية المباشرة لهذا التوجه.
والنتيجة، أن أبناء الطبقات الميسورة هم وحدهم المحظيون من جملة السياسات الحكومية، كما ذويهم، وعلى كافة المستويات، بحيث يفرض على المفقرين أن ينزاحوا باتجاه المزيد من الجهل والبطالة والعوز، وآفاتها جميعاً.