حي الحمراوي.. ذاكرتنا وتراثنا قيد الاستثمار و..؟
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

حي الحمراوي.. ذاكرتنا وتراثنا قيد الاستثمار و..؟

مرة جديدة يقرع «حي الحمراوي» في دمشق القديمة ناقوس الخطر، من أجل حشد الجهود الوطنية منعاً للتعدي على الذاكرة والتراث والآثار والهوية، التي تجري محاولات وأدها وطمسها في دمشق القديمة, أو غيرها من المدن.

 

فحسب وسائل الإعلام: «أقر مجلس محافظة دمشق توصية لجنة التخطيط والبرامج والشؤون المالية، بنقل بعض أملاك المحافظة إلى شركة دمشق الشام القابضة، ومنها: العقارات المستملكة في حي الحمراوي حول المسجد الأموي في دمشق القديمة».
جرة قلم لتمحو الذاكرة
بحسب عضو المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق: «إن نقل أملاك المحافظة وبعض المشاريع للشركة هو لتفعيلها بعيداً عن الروتين، والحصول على عائدٍ مادي كبير تستطيع من خلاله المحافظة زيادة المشاريع الخدمية المنفذة لصالح المواطنين».
هكذا وبجرة قلمٍ وقرارٍ، ستصبح أحياء دمشق القديمة قيد الاستثمار، بذريعة العوائد المادية التي ستجنيها المحافظة من خلال الاستثمار، وأداً للذاكرة والتراث، وعلى حساب الهوية العمرانية لدمشق القديمة، وما تبقى من آثار فيها، وبما يتوافق مع المشاريع المثيلة المشبوهة تاريخياً والموضوعة لطمس معالم المدينة القديمة ومحو ذاكرة السوريين، التي كانت تحاكي مخططات «إيكوشار» الاستعمارية، حسب رأي المختصين.
مشكلة عمرها أكثر من نصف قرن
للتذكير، إن مشكلة حي الحمراوي في دمشق القديمة، وغيره من الأحياء فيها، أصبح عمرها الزمني حتى الآن ما يقارب 58 عاماً دون حلٍ نهائي ومنصفٍ، يضمن الحقوق ويصون الذاكرة والهوية.
لقد بدأ الإشكال بما يتعلق بهذه الأحياء على إثر قرار الاستملاك الصادر في زمن الوحدة مع مصر بعام 1960، والقاضي باستملاك عدة أحياء أثرية في دمشق القديمة «الحمراوي، حي المصبغة الخضراء، أزقة الشريف، الزهر والقاضي والخجا والعوف والنقاشات، سوق القباقبية، الشارع المستقيم، سوق الصاغة القديمة، منطقة مأذنة الشحم».
ومنذ ذلك العام وحتى وقت قريب، ما زالت قضية الاستملاك المجحف تفعل فعلها، وقد تناقلت أهدافها ومراميها المشبوهة العديد من وسائل الإعلام.
أرشيف قاسيون
لقد تناولت «قاسيون» مشكلة استملاك حي الحمراوي وتاريخها وغاياتها ومراميها وأهدافها، بعددها رقم 288 تاريخ 9/1/2007، بمادة عنوانها: «بانتظار انهيار الأبنية فوق رؤوس ساكنيها حي الحمراوي: اعتقله المشير.. حاكمه إيكوشار.. وسيعدم قريباً!»، وفيما يلي بعض مما ورد فيها:
«كان الحريق الذي حدث في سوق الصاغة القديمة سنة 1960 ذريعة مناسبة لنائب رئيس دولة الوحدة «المشير عبد الحكيم عامر» لأن يشعل حريقاً من نوع آخر، فالمشير الذي عرف عنه الولع بالحرائق، لم يكن يغريه جمال المدينة القديمة، فكان أن أصدر قراره باستملاك (5740) متراً مربعاً في المنطقة المحصورة بين الجدار الجنوبي للجامع الأموي وقصر العظم، والمسمى في المصورات القديمة حي الحمراري»...
«قرار المشير بقي لغزاً عند الكثيرين لجهة الفائدة المرجوة من استملاك حي الحمراوي القديم، وإعطائه صفة الاستعجال، لكن اتحاد الكتاب العرب أفرج سنة 1984 عن وثيقة هامة تبين الغرض من استملاك «الحمراوي»، والذي هو في حقيقته تنفيذٌ لمخطط المهندس الفرنسي «ميشيل إيكوشار» الذي وضع تصوراً لمخطط مدينة دمشق في الفترة الممتدة بين عام (1936-1940) بهدف إلغاء ملامحها وضرب هويتها القديمة، ولم يكن خفياً على أحد آنذاك المحاولات اليهودية الحثيثة للضغط على الفرنسيين من أجل هدم المدينة القديمة بهدف التنقيب عن آثار المعابد اليهودية» المزعومة.
دور رسمي وغير رسمي
كما عكفت الكثير من الجهات الرسمية وغير الرسمية خلال هذه الفترة الطويلة للسعي من أجل إلغاء قرار الاستملاك والحفاظ على الذاكرة والهوية، لكن دون جدوى حتى الآن!
وفيما يلي نورد أيضاً بعضاً مما ورد في عدد قاسيون المشار إليه أعلاه حول ذلك:
عام 1976 أصدرت وزيرة الثقافة «نجاح العطار» قراراً باعتبار مدينة دمشق الواقعة داخل الأسوار منطقة أثرية يمنع فيها البناء والهدم والترميم والاستملاك إلا بعد أخذ موافقة السلطات الأثرية.
عام1979 يخاطب مدير الآثار والمتاحف «عفيف بهنسي» محافظة دمشق من أجل التخلي عن خطة الاستملاك.
عام 1980 قرر المكتب التنفيذي لمجلس مدينة دمشق الموافقة على إعداد مشروع مرسوم لإلغاء الاستملاك عن العقارات التي انتفت منها غاية الاستملاك الصادر بموجب القرار الجمهوري رقم (286) لعام 1960.
عام 1982 تقدم عدد من أعضاء مجلس الشعب باقتراح قانون يلغي القرار رقم (281) ويلغي كافة الآثار الناجمة عنه.
عام 1984 يحذر اتحاد كتاب العرب من عمليات الهدم ويعتبرها تنفيذاً لمخطط استعماري يهدف إلى زعزعة الهوية العربية وضرب النسيج الحضاري والعمراني.
عام 1990 شكل مجلس الشعب لجنة لدراسة واقع الاستملاكات في دمشق، حيث أوصت اللجنة في تقريرها بإلغاء استملاك حي الحمراوي لانتفاء الغاية منه.
عام 1991 أقر مجلس الشعب اقتراح قانون بإلغاء الاستملاك عن العقارات المستملكة بموجب قرار نائب رئيس الجمهورية رقم (821) تاريخ 28/11/1960 وذلك لانتفاء الغاية منه.
عام 1994 يقترح وزير الثقافة على رئيس الوزراء إعداد مشروع مرسوم يتضمن إلغاء الاستملاك عن حي الحمراوي والأحياء الأخرى.
عام 1997 شكل محافظ دمشق لجنة لدراسة واقع الاستملاكات في حي الحمراوي واقترحت في دراستها رفع الاستملاك واتخاذ الإجراءات التنفيذية لذلك.
عام 1998 قدم عدد آخر من أعضاء مجلس الشعب اقتراح قانون لإلغاء القرار رقم (281) لانتفاء الغاية منه.
عام 2003 مرة أخرى يطالب أعضاء مجلس الشعب بإلغاء الاستملاك عن حي الحمراوي.
عام 2004 أكدت نقابة المحامين بدمشق على ضرورة إلغاء مرسوم الاستملاك الواقع على عقارات المالكين في حي الحمراوي، لأن في هذا الإلغاء تحقيقاَ لنهج الحفاظ على تراث مدينة دمشق الحضاري والأثري والتاريخي.
عام2004 رفعت المديرية العامة للآثار والمتاحف كتاباً إلى رئاسة مجلس الشعب، تقترح فيه إعداد مشروع قانون يتضمن إلغاء القرار (281) وإلغاء كافة الآثار والإجراءات الناجمة عن القرار المذكور بحيث تُعاد العقارات المستملكة لأصحابها.
عام 2005 أرسل السيد رئيس مجلس الشعب كتاباً إلى رئيس مجلس الوزراء يقترح فيه إلغاء صكوك الاستملاك القديمة التي مضت عليها 15 سنة ولم يتم تنفيذها.
عام 2006 يضرب المهندس ناجي العطري كل هذه القرارات والقوانين والاقتراحات عرض الحائط، ويقرر عدم الموافقة على إلغاء الاستملاك لأسباب غير مفهومة...؟!
القضية ما زالت حية
لقد تبع ذلك الكثير من المراسلات والمطالبات الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة للكثير من التغطيات الإعلامية طيلة السنوات الماضية، من أجل إزالة الاستملاك ومنع التعدي على الذاكرة والهوية والتراث في دمشق القديمة تحت أية ذريعة، وعلى الرغم من ذلك لم تستجب الحكومة ومحافظة دمشق لكل ذلك، تسويفاً ومماطلة.
لتأتي المحافظة أخيراً، عبر قرارها أعلاه، لتضرب عرض الحائط بكل ما سبق، بذريعة الاستثمار والعوائد المادية النفعية مع شركائها!.
ولنتساءل مع غيرنا من الوطنيين الغيورين على الذاكرة الجمعية والتراث الوطني المتجذر بالتاريخ:
هل يعني وضع المنطقة قيد الاستثمار، إمكانية هدم هذا الحي العريق، وهو ما كان حلم «ايكوشار»، على حساب هويتنا وتاريخنا، وذاكرتنا الوطنية؟
بجميع الأحوال، فإن ناقوس الخطر أعيد ليقرع من جديد على قضية ما زالت حية ولن تموت أو تفقد بريقها، كونها مرتبطة بالهوية والتراث والتاريخ، مهما سعت وسائل وأدوات العبث على أن تمحيها أو تغيبها، بغفلة من الزمن وبهذا الوقت الضائع في ظل ظروف الحرب والأزمة.
ومن الضروري والواجب على الغيورين على المصلحة الوطنية، (القوى السياسية_ مجلس الشعب_ الحكومة والجهات العامة المعنية بالتراث والتاريخ والآثار_ النقابات المهنية الحقوقية والتراثية_ الفعاليات الوطنية والشعبية_ وسائل الإعلام...) أن يتكاتفوا من أجل وضع حدٍّ نهائي لهذا العبث تحت أي مسمى، ومهما كانت الذريعة.
فقضية حي الحمراوي، كما غيره من المعالم الأثرية والتاريخية في بلدنا، أكبر من حجم صلاحيات محافظة ولا تنفي مسؤوليتها، وهي أهم بكثير من فكرة العائدات الاستثمارية منها، فالمعالم والآثار والهوية هي قضايا شعبية وطنية، مسؤوليتها تقع بعهدة الدولة والحكومة أولاً وآخراً، ولا يجب أن يترك البت بها أو التحكم بها وبمصيرها من قبل الإدارات الحكومية أو غير الحكومية، وإلا لماذا التسابق على تسجيلها في المنظمات الدولية ذات الصلة من أجل حمايتها ومنعاً للعبث بها؟.