حماية المستهلك أم حماية السوق والتجار؟
سمر علوان سمر علوان

حماية المستهلك أم حماية السوق والتجار؟

تداولت وسائل الإعلام المحلية، مع بعض الضوضاء والتهليل، خبر التعديل المنتظر على قانون حماية المستهلك، وجرى الترويج لهذا التعديل على أنه سيضع حلاً لعشرات المشكلات العالقة، وينهي حقبة طويلة من الانتهاكات التي يمارسها التجار بحق المستهلك في الأسواق.

 

في حين أن الوقائع تقول: أنه ربما ما من حاجة لتعديل قانون حماية المستهلك بقدر الحاجة إلى تطبيقه الفعلي، وأن الحديث عن التعديل الآن ليس سوى ذر للرماد في العيون، بذريعة قصور القانون الحالي، وللمماطلة في اتخاذ إجراءات فعلية تحمي المستهلك وفقاً لتبويباته.
«سد الثغرات»
لقد جاء في أحد المواقع المحلية، نقلا عن مصدر مسؤول في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أنه: «تم الانتهاء من مسودة التعديلات على القانون رقم 14 لعام 2015، حيث أصبحت المسوّدة جاهزة بانتظار عرضها على الجهات المعنية، كمجلس الشعب، ومجلس الوزراء، لتتم مناقشتها والتباحث بها وفي حال حصولها على الموافقة، يتم إصدارها والعمل بها، وأن ذلك يأتي بهدف جعل قانون التموين أشد صرامة، وأكثر فاعلية، عبر الاستفادة من تجربة القانون الحالي والثغرات التي وجدت فيه، وإضافة بنود وفقرات تفصيلية أكثر لسد هذه الثغرات».
ذريعة غير موفقة!
قانون حماية المستهلك الحالي لم يستكمل عامه الثالث، وغالبية التعديلات المقترحة حسب ما رشح عن الموضوع تأتي في سياق توضيح بعض النصوص والفقرات المتعلقة بالمخالفات المنصوص عنها وطبيعتها، والتي تم اعتبارها «ثغرات»، وهي في حقيقة الأمر قضايا لا تتطلب إقرار قانون جديد، وإنما مجرد إصدار لقرارات مباشرة، أو توضيحات من طرف الوزارة للجوانب غير المفهومة، أو الفضفاضة، حسب الذرائع المُساقة من جهاز حماية المستهلك، أو من قبل التجار في معرض تطبيق القانون، والتي تُتخذ ذريعة من الناحية العملية خلال تطبيقه وتنفيذه، وخاصة من خلال توصيف المخالفة ونوعها، أو أثناء تنظيم الضبوط التموينية، وهي النواحي الإجرائية التي يتم الاتكاء عليها للالتفاف على القانون الحالي والتهرب من تطبيقه غالباً.
أما من ناحية رفع سقف العقوبات المفروضة على المخالفين بموجب القانون، والتي فرضتها متغيرات واقع السوق كضرورة، فهي ربما لا تفرض تعديل القانون برمته، بل هي عبارة عن تعديلات من الممكن إصدارها بمرسوم يقضي بهذا التعديل، وهو ما درجت عليه العادة بحكم الضرورة، كون هذا الإجراء يعتبر الأسرع والأسهل من الناحية القانونية والتشريعية والتنفيذية.
خاصة وأن تعديل القانون كاملاً يتطلب سلسلة معقدة وطويلة من الإجراءات التي لا بد أن يمر بها، اعتباراً من أقنية السلطة التنفيذية، الوزارة التي ستقترح التعديلات، مروراً بالحكومة التي ستُقرها بعد التمحيص والدراسة، والإعادة إن لزم الأمر، وصولاً إلى أقنية السلطة التشريعية، ممثلة بمجلس الشعب، وفي حال الموافقة عليه واقراره يرفع للإصدار، ليعود مجدداً للسلطة التنفيذية ممثلة بالوزارة المعنية لتطبيقه، وهو ما يستنزف عدة أشهر على الأقل، بحال التفاؤل.
السياسات بوابة الثغرات والموبقات
لعل الثغرة واجبة الترميم موجودة في جهاز حماية المستهلك، فمن الناحية العملية، هو الموجود بتماسٍ مباشرٍ مع السوق والتجار، وهو المعني بحماية المستهلكين عبر تطبيق حيثيات القانون على المخالفين، وهو على ذلك أحد أسباب حال الانفلات في السوق، كونه المسؤول عن ضبط المخالفات قانوناً، كما أن هذا الجهاز من المفترض، أنه هو مصدر معرفة «الثغرات» في القانون الحالي في معرض تطبيقه، كما أنه هو القادر على تصويبها عند الضرورة عبر الاقتراحات المرفوعة من قبله للوزارة من أجل الشرح والتوضيح، وهذه الإجراءات بمجملها، هي إجراءات ومسؤوليات إدارية تقع على عاتق الوزارة مع جهاز حماية المستهلك لديها.
وربما مع بعض الإنصاف يمكننا القول: إن تحميل المسؤولية لهذا الجهاز منفرداً أمر غير منطقي، كون موضوع السوق والبضائع والأسعار مرتبطاً أصلاً بجملة السياسات المتبعة، والتي تعتبر بوابة لكل الثغرات التي تمر عبرها المخالفات والموبقات كلها.
خشية مشروعة؟
على ذلك، فإن التذرع بوجود قصور في القانون، ليس أكثر من شماعة للتهرب من المسؤوليات، وتبريراً لاستمرار حال الفلتان في الأسواق على حساب المستهلكين ومصلحتهم وحقوقهم.
أما الخشية الأكبر، فهي: أن تصاغ بعض التعديلات بما يؤمن المزيد من مصالح التجار، وخاصة الكبار منهم، على حساب المستهلكين ومصالحهم، وعلى حساب المزيد من تراجع الدور المفترض لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وجهازها الرقابي في الأسواق، وفقاً للنهج الليبرالي المعتمد والمحابي لمصالح هؤلاء الكبار أولاً وأخيراً، وهو ما سبق أن لمسناه عبر كل القوانين الصادرة خلال السنوات الأخيرة، سواء كانت على شكل تعديلات على القوانين السابقة المعمول بها، أو كانت قوانين جديدة، والتي يتم تسويقها والترويج لها بعبارة «مواكبة المتغيرات» وغيرها.. والتي كانت نتيجتها المزيد من التراجع لدور الدولة عن مهامها ووواجباتها.