في معضمية الشام.. التيار الكهربائي يدخل العناية المشددة
بعد أكثر من عام على إنجاز اتفاق المصالحة في معضمية الشام، ما زال وضع الكهرباء يعاني من تشنجات معوية شديدة.
فالسكان هنا ينتظرون نتائج التحاليل المخبرية للتيار الكهربائي المريض ومتقلب المزاج، قبل إدخاله المشفى، كما يروي أحد أبناء المدينة لصحيفة «قاسيون» عن وضع الطاقة الكهربائية بشكل ساخر.
حقن تخدير حكومية
من المفترض أن الحكومة كلفت متعهدين لتمديد خطوط التوتر المتوسط والمنخفض على التوالي منذ بداية 2017، ولكن ما حصل أن المتعهد الأول أنهى توصيل خطوط التوتر المتوسط في نهاية العام الماضي، بينما لم يفِ المتعهد الآخر بمد خطوط التوتر المنخفض لكامل البلدة، وفي المقابل كلفت بلدية المنطقة بعض الأشخاص من الأهالي بمهمة تمديد الكهرباء إلى منازل المواطنين، وهنا أصبح هؤلاء متحكمين بالوضع الكهربائي، دون وجود ضوابط لعملهم، أو حدود لسلطانهم، ودون أن يكون لموظفي المكتب راتب ثابت يتقاضونه آخر الشهر، كحال موظفي وزارة الكهرباء، بل إن راتبهم لا يلتزم بسقف معين، وهي ميزة على ما يبدو، نظراً لأن الموظف الواحد منهم يتقاضى على الأقل 3 آلاف ليرة سورية، مقابل تمديد قاطع واحد لكل شقة.
ولأن القاطع لا يتحمل قوة كهربائية تزيد عن 10 أمبير، فإن القاطع المركب على خطوط التوتر المنخفض ينقطع عند أية زيادة طفيفة في الجهد الكهربائي- ويحتاج المنزل بالحالة العادية إلى32 أمبيراً لتشغيل المعدات الكهربائية مثل: الغسالة والبراد وسخان الماء- وبالتالي فإن التيار الضعيف غير كافٍ لتشغيل الأجهزة الكهربائية الأساسية، أي: أن إضافة لمبة إنارة واحدة بشكل غير مدروس ستؤدي إلى انقطاع التيار، وهنا يضطر المواطن إلى طلب موظف المكتب لرفع القاطع وإعادة الكهرباء، وجرت التقاليد أن يتقاضى الموظف ألفي ليرة، علماً أن الكهرباء يتوقع أن تنقطع عن عشرات المنازل في اليوم الواحد، يبدو «أن العملية مدروسة ليضاعف الموظف في مكاتب كهرباء المعضمية راتبه» كما يقول أحد سكان البلد، وقد تلجأ بعض المكاتب إلى إرخاء القواطع والتحجج بأن الكهرباء معطلة وتحتاج إلى إصلاح بمقابل مادي.
يقول أبو أسعد أحد- سكان المنطقة-: “إن تكوين علاقة جيدة مع المكتب وإرضاءه، تعني بالتأكيد تحسين وضع الكهرباء في منزلك، فالبعض يدفع 4 ألاف وربما 8 آلاف شهرياً للمكتب، بشكل رشاوى».
يكمل أبو أسعد بالقول: “إن تمديد خطوط الكهرباء لكل المعضمية يفترض أن يتم منذ أشهر، لكن المكاتب مستفيدة من تأخر الإجراءات، لتحقيق مكاسب مادية كبيرة، وللأسف بعين مغمضة من وزارة الكهرباء».
وضع أسوأ في الأحياء الأخرى!
الحالة الشاذة تعتبر في نظر بعض القاطنين الجدد وضعاً مثالياً غير متوفر، لأن وصل الكهرباء من خط التوتر إلى المنزل يحتاج إلى رضى المكتب، فلا قوانين ولا تعليمات تنظم العمل، فالهوى الشخصي والمزاج الفردي لعامل الكهرباء يسود ويسيطر على الأجواء، حيث يشتكي بعض المواطنين بأنهم سجلوا أسماءهم في دفتر مكتب الكهرباء منذ شهر، وطالبوا المكتب مرات عديدة لإيصال التيار لكن دون جدوى، كما حصل مع “خالد” القاطن الجديد في أحد الأحياء، يقول خالد: “هاتفي الجوال من دون شحن، كل يوم أنام على وعود المكتب، واستفيق على حجج كثيرة في اليوم التالي، هذه المماطلة تنخر عظامي في هذا الشتاء القاسي، سأحاول الحصول على تيار من أحد المنازل القريبة، لأن المهزلة ستطول».
في حين، يحلم مواطن آخر كما أوضح لصحيفة «قاسيون» كل ليلة، بأن يستبدل قاطع 10 أمبير بقاطع 16 أمبير كحال الجار المقابل في البناء، لكن هذا الامتياز واحسرتاه ممنوح للأصدقاء والمعارف الخاصين بمكتب الكهرباء فقط، يصبح الأمر أكثر سوءاً في أحياء أخرى لا يصلها سوى شريطة ( مصطلح متداول) كافية للإنارة فقط، لعدم وصول خطوط التوتر المنخفض إليها، ولبعدها عن مكاتب الكهرباء.
إجراءات حكومية مستهترة
على الرغم من الوعود التي قطعتها الجهات الحكومية بتوصيل الكهرباء لكامل المدينة، إلا أنها وعود ذهبت مع أدراج رياح كانون الأول من العام الماضي، بل إن تسليم وضع الكهرباء لمتعهدين غير قادرين على الالتزام بتعهداتهم، يشير إلى سوء اختيار وزارة الكهرباء، وتغاضيها عن متابعة عملهم، كما يعتبر تسليم موضوع الكهرباء لمكاتب يرأسها أشخاص لا يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، تخلياً فاضحاً من قبل الحكومة عن واجباتها، ما يضعف ثقة المواطن بالمؤسسات الحكومية.
ينظر أهالي المدينة من شرفات منازلهم إلى جيرانهم في المناطق المحيطة، مطالبين بتطبيق إجراءات حكومية صارمة لتنفيذ الوعود الممنوحة بأقصى سرعة، وكلهم أمل أن ينعموا بوضع كهربائي سليم كحال جيرانهم في المزة.