دير الزور...التنحيس وتفاقم المآسي!؟

دير الزور...التنحيس وتفاقم المآسي!؟

مصطلحات وممارسات عديدة أفرزتها قوى النهب والفساد، وأخرى أفرزتها الأزمة، وما نتج عنها من مآسٍ، ومنها: التفييش والتعفيش وغنائم الحرب، والشبيح والذبّيح وغيرها من المسميات، التي رافقتها، وكان انعكاس ذلك كلّه، على المواطنين الفقراء، في حياتهم وممتلكاتهم، وممتلكات الدولة التي أصبحت مستباحة، ناهيك عن الفلتان والتسيب نتيجة تغييب وغياب دور الدولة، سواء في المناطق التي خرجت من سيطرتها، أو حتى التي بقيت تحت سيطرتها

التنحيس!
بعد انحسار موجة التعفيش التي طالت ريف دير الزور، وأحيائها، بعد تحريرها من التنظيم الفاشي داعش ونهب كل شيء من ممتلكات المواطنين، وأملاك الدولة، علناً ودون ردعٍ أو محاسبة، بل بغض الطرف أحياناً وبالتشجيع والحماية أحياناً أخرى.. آخر المصطلحات والممارسات التي تتم في دير الزور هي (التنحيس) وهي ليست من النحس الذي أصاب المواطنين، وإنما من البحث عن معدن النحاس، فوق الأرض وتحت الأرض وداخل الجدران، وقد طالت موجة التنحيس أسلاك الشبكة العامة الكهربائية الأرضية والهوائية، وكذلك الشبكات والتمديدات الداخلية في المنازل، كما شملت أيضاً الأدوات الكهربائية التي تحتوي على النحاس، مهما كانت الكمية الموجودة فيها صغيرة أم كبيرة، كالمحركات والمولدات والتلفزيونات والحواسيب وغيرها، إذ يجري تحطيمها لاستخراجه.. ثمّ تأتي المرحلة الثانية، وهي: حرق الكميات المجمعة للتخلص من المواد العازلة والبلاستيكية، ثمّ بيعها لتجار الأزمة، ويجري نقلها فيما بعد في شاحناتٍ كبيرة إلى الداخل.
كما باتت ظاهرة حرق المنازل سائدة للتغطية على جرائم النهب والسرقة. والملفت أن من يقوم بذلك عصابات منظمة، تستغل حاجات بعض الشباب، وحتى العوائل والأطفال الفقراء، وحاجتهم لتأمين لقمة معيشتهم نتيجة الأزمة، ويتم توريد النحاس إلى تجار محميين من قوى النهب والفساد، التي لا يهمها إلاّ الربح، دون النظر لما سيكلف ذلك الدولة والأهالي لاحقاً في إعادة الإعمار، أو الترميم والتأهيل، أو ما يخلفه ذلك من تلوث بيئي وانعكاسه على صحة المواطنين وحتى هؤلاء الشباب والأطفال الذي يتبدى في أجسامهم النحيلة ووجوههم السوداء!
تفاقم المآسي!
رغم فتح بعض الطرقات وترحيل الأنقاض فيها، لا تزال أحياء المدينة والريف تفتقد للخدمات الأساسية وخاصة الكهرباء والصرف الصحي المعدومة، وندرة الماء وعدم صلاحيته للشرب، وارتفاع أسعار آجارات المنازل، وأجور النقل، ناهيك عن تفاقم الفساد والرشوة والفوضى فيما يسمى الدوائر الحكومية، واستغلال العاملين في الدولة الذين أجبرتهم الحكومة على العودة بقراراتها، والذين لا يكفي أنهم تحملوا أعباء الأزمة، وما نتج عنها وخاصة التهجير، بل الآن هم دون منازل تأويهم وتقيهم برد الشتاء، وعدم توفر مواد ووسائل التدفئة المأمونة والصحية، مما دفعهم للاعتماد على أية مواد قابلة للاشتعال كالحطب والخشب وحتى الألبسة والأحذية القديمة، وما لذلك من تأثير صحي عليهم، ومن كان يملك شيئاً من المال اعتمد على وسائل غير مأمونة كمدافئ الغاز، ومؤخراً توفي معلم ومعلمة اختناقاً وبقوا يومين دون أن يعلم بهم أحد!
ادّعاءات كاذبة؟
كل يومٍ يطالعنا مسؤول، سواء من المحافظة، أو الحكومة بتصريح على وسائل الإعلام المختلفة يتحدث فيه: أن الأمور بخير، وتم تأمين عودة العاملين، ووسائل نقلهم إلى المحافظة، والتي تمت لأيام ثم توقفت، أو أنه تمت إعادة أهالي الريف إلى قراهم، وواقع الحال يقول: أن من تمت إعادتهم لا يتعدون المئات ممن كانوا في مراكز الإيواء التي أحدثت أثناء تحرير المدينة والريف وبقى عشرات الآلاف لا يسمح لهم بالعودة إلى قراهم، كما أن العاملين الذين تمت إعادتهم إلى الآن لم يقبضوا رواتبهم، وحسب أقوال المحاسبين لهم، بأنه سيتم صرفها بعد 20 الشهر، فكيف لهؤلاء أن يعيشوا، ناهيك أن الراتب لا يكفي لأيامٍ، وكما قال أحد العاملين يقول المثل الشعبي:
(شكون العصفور، وشكون مرقته) ولعل آخر تصريح يثير الأسى هو لوزير الإعلام: أن نسبة الدمار في دير الزور لا تتعدى 5% وفي الأسبوع الذي مضى قام وزير التربية بزيارة لأحياء دير الزور المأهولة وللمدارس، وزّع فيها بعض الحقائب، وجرى تصوير ذلك، وكأن المدارس بخير وكافية، وتتوفر فيها المقاعد والمدافئ و.. و.. على مبدأ صورني فقط.. بينما غالبية مستلزمات العملية التربوية غير متوفرة، فتصوروا يا رعاكم الله!؟