مشاريع «التلفريك» استثمار بالحقوق!؟
تم الإعلان مؤخراً عن موافقة المجلس الأعلى للسياحة، على ثلاثة مشاريع سياحية، تتضمن كل منها: «تلفريك»، وذلك في كل من المناطق التالية (الحفة_ البدروسية_ القرداحة)، وقد ارتبطت الموافقة بتقديم المخطط التنفيذي لهذه المشاريع خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر.
وقد أوضح مدير سياحة اللاذقية، عبر إحدى الصحف الرسمية: أن الدراسات التي تجري لهذه المشاريع تتم على ثلاثة مستويات: فنية_ قانونية_ ترخيصية، تمهيداً للترخيص النهائي وبدء التنفيذ.
حقوق المستثمرين المصانة
ربما لا داعي للحديث عن غايات الاستثمار الخاص الربحية أولاً وآخراً، بغض النظر عن المشاريع التي يتقدم بها وأهميتها، خاصة وأن جملة القوانين والمراسيم الصادرة بخصوص الاستثمار، منذ عقود تضمن صيانة حقوق المستثمرين، كما تمنحهم الكثير من المزايا والتسهيلات الإضافية، وقد سبق أن تم الحديث عنها وتفنيدها وتسليط الأضواء عليها، وتحديداً على مستوى العائدات المرجوة منها لخزينة الدولة، وانعكاساتها على المستوى الاقتصادي الاجتماعي.
ومع عدم تغييب أهمية السياحة، وضرورة تطويرها، وحسن استثمار الإمكانات التي تتمتع بها سورية على المستوى السياحي، بجوانبه الكثيرة والواسعة، إلا أن ما يعنينا بصدد المشاريع الموافق عليها أعلاه، هو التأكيد على ضمان حقوق المواطنين، مع عدم إغفال الحقوق العامة، والريع الاستثماري المتوقع من خلال هذه المشاريع، في ظل غياب الكثير من التفصيلات حولها، وفي ظل مرسوم يضمن حقوق المستثمر، على حساب بقية الحقوق، بحيث يصبح التعدي على حقوق المواطنين أحد عوامل جذب الاستثمارات السياحية.. هكذا.
مرسوم وحقوق
يشار إلى أن مشاريع «التلفريك» السياحية في سورية، جرى الحديث عنها منذ عقود، وسبق أن تقدمت العديد من الشركات الخاصة «محلية ودولية» من أجل تنفيذ بعضها خلال تلك الفترة، لكنها لم تر النور على المستوى التنفيذي، وتعتبر سورية متأخرة عقوداً على هذا المستوى من الاستثمار السياحي، كما غيره من المستويات السياحية الأخرى.
كما تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2010 صدر المرسوم 23 الخاص بمشاريع «التلفريك» في سورية، متضمناً: تعريف منشأة «التلفريك»، والمستثمر، ومحطة المنطلق، والمسار، ومحطة المستقر، وحد العلو، وحرم المسار، وقد خصصت مواد في متنه، من أجل توضيح حقوق الارتفاق، وحقوق مالكي العقارات وأجزائها التي تمر فوقها أسلاك «التلفريك»، أو تتموضع فيها الأبراج الحاملة لها، وغيرها من المواد المتعلقة بهذا النوع من الاستثمار، وما يترتب عليه من حقوق.
وقد تم اعتبار هذه المشاريع ذات صفة النفع العام، وعهد لوزارة السياحة الإشراف والترخيص لها، وحقوق الارتفاق لصالحها، كما لها حق الاستملاك أيضاً للعقارات وأجزاء العقارات لأماكن توضع الأبراج الحاملة لمسارات خطوط الأسلاك، مع تكليف الدوائر العقارية المختصة بوضع إشارة حق الارتفاق على الصحائف العقارية لصالح الوزارة.
المئات من أصحاب الحقوق
وفي العودة للمشاريع الثلاثة، حسب مدير سياحة اللاذقية، فهذه المشاريع تتمثّل بإنشاء واستثمار مشروع «تلفريك» في منطقة الحفة، لربط بلدة ميسلون بقلعة صلاح الدين، بالإضافة إلى إقامة فندق، وجملة فعاليات سياحية وخدمية حول القلعة، بالإضافة إلى إنشاء واستثمار مشروع قرية سياحية بيئية في البدروسية، شمال اللاذقية، وهي تتضمّن «تلفريك» أيضاً، مع منطقة اصطياف سياحية، ومجموعة فعاليات سياحية، أما المشروع الثالث فهو عبارة عن مشروع سياحة بحرية، في قرية قبو العوامية التابعة لمنطقة القرداحة، والواقعة على مفترق طرق اللاذقية جبلة القرداحة، وهذا المشروع يتضمّن «تلفريك» أيضاً، وفعالياتٍ مرافقة.
ما يعني: أن رقعة جغرافية واسعة من الأراضي الزراعية والعقارات في هذه المناطق سوف تعتبر «ذات نفع عام» ومتضمنة بحق الارتفاق لوزارة السياحة، ولمصلحة المستثمرين بموجب الدراسات المقدمة لهذه المشاريع، سواء على مستوى أماكن تموضع الأبراج، أو على مستوى المسار وحرمه، أو على مستوى محطات المنطلق والمستقر، أي أن هناك المئات من مالكي الأراضي والعقارات، هم أصحاب حقوق، سواء على مستوى الملكية أو التعويضات، وغيرها من الحقوق الأخرى.
ومع المدة الموضوعة كمهلة من قبل المجلس الأعلى للسياحة، تمهيداً لترخيصها النهائي ولوضعها بالتنفيذ، من أجل تقديم المخططات التنفيذية من قبل المستثمرين، والمحددة بثلاثة أشهر، نتساءل عن حقوق هؤلاء المئات من المواطنين من أصحاب الحقوق، حسب المرسوم أعلاه ومآلها؟
اتفاق بالإذعان
المرسوم أعلاه، بحيثياته، ضرب عرض الحائط بحقوق المواطنين، بذريعة عبارة «النفع العام»، وذلك ضماناً لمصلحة المستثمرين أولاً وآخراً.
فبحسب المادة 6 من المرسوم:
أ: يصدر وزير السياحة قراراً بالنفع العام، للعقارات وأجزاء العقارات، لأماكن توضع الأبراج الحاملة لمسارات خطوط أسلاك التلفريك.
ب: ينشر قرار الوزير بالنفع العام في الجريدة الرسمية، ويعلن في إحدى الصحف اليومية، ويعتبر الإعلان بمثابة تبليغ شخصي لمالكي العقارات، ويكون قرار الوزير وإجراءات الإعلان والنشر مبرمة، لا تقبل أي طريق من طرق الطعن أو المراجعة.
ج: يعطى المستثمر مهلة للتوصل لاتفاق مع المالكين لأماكن توضع الأبراج الحاملة لمسارات خطوط الأسلاك، على العقارات المملوكة من قبلهم، مقابل تعويض عادل يتم الاتفاق عليه بينهما.
د: في حال عدم التوصل لاتفاق فللوزارة اللجوء إلى الاستملاك بالصفة المستعجلة للعقارات آنفاً، وذلك حسب الحاجة التي تقدرها الوزارة، ويتم تقدير بدلات الاستملاك بهذه الحالة وفقاً لقانون الاستملاك 20 لعام 1983.
وبحسب المادة 7 منه:
أ: للوزارة أن تلجأ إلى الاستملاك بالصفة المستعجلة للعقارات، أو أجزاء العقارات، التي تتوضع عليها فعاليات مشاريع التلفريك «محطة الانطلاق_ محطة المستقر_ مواقع توضع الأبراج الحاملة للأسلاك» حسب الحاجة التي تقدرها الوزارة، على أن تبقى مسارات مرور الأسلاك وحرمها خاضعة لحقوق الارتفاق المقررة.
ب: يتم تقدير قيمة بدلات الاستملاك وفقاً لقانون الاستملاك 20 لعام 1983.
كرمى عيون الاستثمار
على ذلك، فإن حقوق المواطنين المالكين للأراضي، التي ستصبح موضعاً استثمارياً لمصلحة المستثمرين لمشاريع «التلفريك» حسب المخططات المزمع تسليمها، والترخيص لها (محطة الانطلاق_ محطة المستقر_ مواقع توضع الأبراج الحاملة للأسلاك) يمكن أن تضيع بكل سهولة ويسر، وربما لن يضطر المستثمر ليتعب نفسه في الوصول لأي اتفاق مع هؤلاء المالكين، طالما المرسوم قد فسح المجال للوزير باستملاك هذه الأراضي كونها «ذات نفع عام»، هكذا.. أو أن أصحاب الحقوق سيضطرون للإذعان للضغوط التي ستمارس عليهم من قبل المستثمرين!
بمعنى آخر، وبكل فجاجة، فإن حقوق المئات من المواطنين في المناطق المشار إليها أعلاه، سوف تصبح هباءً منثوراً، وربما ستنتزع منهم بعض ملكياتهم كذلك الأمر، ولا ندري ما قد تحمله لنا الأيام، أو الشهور، القريبة القادمة من تداعيات سلبية، قد تنجم جراء الاستمرار بهذا النهج المحابي للمستثمرين، على حساب مصلحة المواطنين وحقوقهم، ناهيك عن المصلحة العامة التي تهدر وتضيع هي الأخرى بمثل عبارات «النفع العام» وسواها، وكله كرمى عيون الاستثمار والمستثمرين، مع الكثير من الترويج والتسويق الذي لا يمكن له أن يغلف هذا السوء والسلبيات كله.
وبهذا الصدد نشير لما قاله رئيس الحكومة مؤخراً، وذلك خلال الاجتماع الذي عقد برئاسته نهاية الشهر المنصرم في وزارة السياحة، والذي طرح ونوقشت خلاله بعض المشاريع السياحية، والتي كان من ضمنها المشاريع أعلاه: «أنا مؤمن بالسياحة قبل الصناعة.. يشرفنا أيضاً أن نقدم خدمة لأي مستثمر في مجال السياحية»!