مدينة التل من الأسوأ خدمياً..

مدينة التل من الأسوأ خدمياً..

لا شيء يذكرك في مدينة التل بوجود الدولة، سوى الحواجز الأمنية، أما على مستوى الخدمات فحدث ولا حرج

فمدينة التل تعتبر من الأسوأ خدمياً بين مدن الريف الدمشقي، ولا أحد يعلم ما الذي يدفع الحكومة لنسيان تلك المدينة، التي يبلغ تعداد سكانها اليوم أكثر من 800 ألف نسمة.

حرمان من الكهرباء والمياه
المدينة تعاني من تقنين الكهرباء، الذي يصل الى 18 ساعة يومياً، حيث تنقطع الكهرباء أربع ساعات مقابل ساعة ونصف تأتي فيها، وخلال الساعة والنصف هذه، تنقطع الكهرباء عدة مرات بسبب تركيب أجهزة التردد على محطات الكهرباء، وهو ما يتسبب في تعطيل الأجهزة الكهربائية لدى المواطنين.
وإذا ما قارنا وضع الكهرباء في المدينة، مع مدن الريف الأخرى، نرى أن هناك إجحافاً بحق المدينة، ففي صحنايا مثلاً: تنقطع الكهرباء 6 ساعات يومياً فقط، وفي جرمانا التي تماثل التل بعدد السكان، وضع الكهرباء فيها جيد جداً قياساً للمدن الأخرى، عدا عن بقية المناطق القريبة من التل مثل: برزة ومعربا، فما الذي يمنع عدالة التقنين؟ ولماذا لم يلغ التقنين أصلاً؟ خصوصاً بعد استعادة أغلب حقول الغاز، الذي انعكس إيجاباً على وضع الكهرباء في العاصمة فقط!
مع العلم أن التل تحوي الكثير من الورش الحرفية، وفيها منطقة صناعية، وانقطاع الكهرباء يسبب خسائر فادحة.
مشروع إنارة الطرقات، الذي أقامته البلدية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة، والذي كان من المفترض أن ينير شوارع وطرقات المدينة بأكملها عبر الطاقة الشمسية، اختصر هذا المشروع على الطريق الرئيس فقط! وتركت الشوارع الفرعية وريف مدينة التل مثل: حرنة والضاحية بلا إنارة، وشوارعها تغرق ليلاً في ظلام دامس.
أما على صعيد المياه، فكأن تقنين المياه يخضع لمزاج القائمين على وحدة المياه!
فمناطق لا تنقطع عنها المياه، ومناطق تأتي كل ثلاثة أيام، ومناطق لا تأتي فيها المياه إلا كل خمسة عشر يوماً، دون وضع جدول يتم الالتزام فيه، مع أن الحلول لمشكلة المياه في المدينة موجودة فمثلاً: لماذا لا يتم الاستفادة من آبار منطقة الدريج لتغذية المدينة، مع العلم أن هذه الآبار غير مستفاد منها حتى الآن؟

أقل كمية وقود لأبرد المناطق!
إن أقل كمية وقود للتدفئة وزعت في مدينة التل، مقارنة بالمناطق الأخرى، مع أن المدينة تعتبر من المناطق الباردة جداً، ومع انقطاع الكهرباء المستمر، وعدم توفر الوقود للتدفئة، وعدم قدرة الكثيرين على التسجيل على المازوت، بعد رفع الدعم عنه ووصول سعره الى 350 لليتر في السوق السوداء، وارتفاع أسعار الحطب أيضاً، يلجأ الفقراء في المدينة إلى إشعال الثياب القديمة والمواد البلاستيكية للتدفئة، مع كل ما تسببه تلك المواد من أمراض خطيرة.

جوانب أخرى للسوء
شوارع المدينة وأزقتها وحاراتها تملؤها الحفر والمطبات، وتتحول الشوارع شتاءً إلى بحيرات صغيرة، والأرصفة مكسرة وغير منظمة، بالإضافة إلى انتشار أكوام القمامة في الطرقات، وانتشار ظاهرة تربية المواشي بين الأبنية السكنية، مع ما تسببه من إزعاجات وروائح كريهة وانتشار للحشرات، وتعدٍ للمواشي على بساتين المواطنين، والمستغرب تغاضي مجلس البلدية عن هذه الظاهرة، واكتفائه بإصدار قرار بمنعها، دون العمل على تنفيذه.

فرن واحد للمدينة
فرن واحد فقط يُخدم سكان منطقة التل، يقع في حرنة الشرقية، بعد إغلاق فرن التل لإجراء عمليات الصيانة، فالوقوف لمدة ساعتين أو ثلاث للحصول على ربطة خبز، أصبح بمثابة دوام رسمي للمواطنين، وباعة الخبز حول الفرن هم المستفيد الأكبر من ذلك، فسعر ربطة الخبز يصل إلى 300 و400 ليرة في بعض الأحيان، مع الأخذ بعين الاعتبار: أن جودة الرغيف سيئة جداً، فمثلاً يمكن أن تجد داخل الرغيف بقايا نايلون من أكياس الطحين، كما حدث منذ شهر تقريباً.

لا صراف في المدينة
بالرغم من عودة المصارف الحكومية للعمل في المدينة، إلا أن هذه المصارف لم تستأنف العمل بصرافاتها، وما زال أهالي المدينة من موظفين ومتقاعدين يضطرون إلى الذهاب إلى العاصمة كل شهر، لقبض رواتبهم، مع العلم أن البنية التحتية اللازمة لتشغيل هذه الصرافات ما زالت موجودة، ولا تحتاج سوى لإعادة تركيب الصرافات.

مواصلات المدينة  
ازدحام كبير على المواصلات تشهده المدينة، والسائقون يفرضون تسعيرتهم على الركاب، حيث يتقاضى السائقون 100 ليرة و150 ليرة، مع العلم أن التسعيرة 50 ليرة فقط، ربما للسائق مشاكله أيضاً، وخصوصاً منها: ارتفاع سعر المحروقات، وعدم توافره بالسعر النظامي، ولكن ما ذنب المواطن حتى يتحمل تقصير الحكومة في تأمينها للمحروقات، وعدم ضبطها للسوق السوداء؟
في ساعات الذروة يضطر المواطنون للاستعانة بسيارات الأجرة الخاصة، التي تتقاضى 300 ليرة على الراكب الواحد، للوصول إلى منطقة مساكن بزرة فقط، عدا عن تنقلهم داخل العاصمة، أي أن المواطن يدفع ما يصل إلى تسعة آلاف ليرة شهرياً أجرة مواصلات فقط، وإذا كان ثلاثة أفراد من العائلة ينتقلون إلى عملهم، أو من أجل الدراسة في العاصمة، فيحتاجون إلى سبعة وعشرين ألف ليرة أجرة مواصلات فقط، أي راتب شهر للموظف.
فلماذا لا يتم وضع باصات لمؤسسة النقل الداخلي على خط التل، تخفف من حدة الازدحام، وتلتزم بالتسعيرة، وخاصة خلال ساعات الذروة.

النازحون في المدينة
أحوال النازحين في المدينة سيئة جداً، فهناك أسر تعيش في منازل ما زالت على العظم، عدا عن الارتفاع الجنوني في بدلات الإيجار، والذي يفوق قدرة الكثيرين على الدفع.
ومع انعدام فرص العمل، يلجأ النازحون إلى العمل بأعمال بسيطة، كبسطات بيع الخبز والدخان والخضار، أو العمل كسائقين، ودون أن يكون هناك أي دور للدولة في رعاية النازحين، بل تُركوا  للمنظمات والجمعيات الخيرية التي ينخرها الفساد أيضاً، وهو ما يعرضهم للاستغلال من قبل البعض من القائمين على هذه الجمعيات، وخاصة النساء بحجة تأمين مساعدات لهم، وانتشرت نتيجة لذلك ظاهرة التشرد والتسول، بسبب تردي الأوضاع المعيشية.

غياب دور الدولة
وضع المدينة الخدمي السيء، سببه عدم الاهتمام الحكومي، وعدم وضع خطط جادة لإعادة الحياة إليها، بعد طرد الإرهاب منها، والذي كان للأهالي دور فعال في التصدي له، وطرده من المدينة، وإرساء الاستقرار فيها.
فهل هذا هو ثمن وقوفهم في وجه الإرهاب؟ أن يهملوا في معيشتهم وخدماتهم لتتدخل قوى الفساد عبر هذه البوابات؟
الملاحظ، وكأن هناك تراجعاً مقصوداً في دور الدولة لحساب تجار الحرب والأزمة، والسماسرة والفاسدين، بالإضافة إلى المنظمات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني الممولة من الخارج، والتي لا تخلو من أهداف مستترة، وهذا يضع عدة إشارات استفهام حول السياسات الحكومية، ليس على مستوى تقصيرها المعاشي والخدمي فقط، بل على مستوى غض نظرها عن مثل هذه الممارسات، وربما بعض الأهداف المستترة هنا وهناك.
فمهمة الدولة في بعض أوجهها الأهم هي: تأمين حياة كريمة لمواطنيها، كما أن هيبة الدولة تقاس بما تقدمه من خدمات لمواطنيها ورعايتها لهم، وهو ما ينتظره أهالي مدينة التل، وغيرهم من أهالي المدن الأخرى.