تراجع حكومي جديد.. القطاع الزراعي مستهدف مجدداً
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

تراجع حكومي جديد.. القطاع الزراعي مستهدف مجدداً

آخر ما حرر بشأن تحرر الحكومة من مسؤولياتها، وفتح بوابات إضافية للاستثمار الخاص، هو: ما تم إقراره في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 23/1/2018، حول التأمين الزراعي.

فقد قرر مجلس الوزراء، تكليف وزارتي الزراعة والإصلاح الزراعي، والمالية، بإعداد مشروع متكامل حول التأمين الزراعي على الأعمال والمحاصيل الزراعية، التي يصيبها الضرر جراء العوامل الطبيعية، أو أية عوامل أخرى.
وفي تصريح للصحفيين، عقب الجلسة أشار وزير المالية: إلى إمكانية التأمين على المحاصيل الزراعية بشكل عام، في المؤسسة العامة السورية للتأمين، إلى جانب شركات التأمين الخاصة، فهذه المؤسسات تؤمن على مخاطر متعددة.
وأضاف: إن المطلوب من هذه الشركات العامة والخاصة، العمل على دراسة إمكانية التأمين على الأماكن الزراعية المختلفة، مثل: البيوت البلاستيكية التي هي بحاجة للتأمين.

مخاطر عديدة
ربما لا داعي للحديث عن أهمية القطاع الزراعي الاستراتيجية، بشقيه النباتي والحيواني، لا على مستوى الفلاحين والمنتجين الزراعيين بشكل خاص، ولا على مستوى الصناعات المرتبطة بهذا الانتاج، ولا على مستوى الاقتصاد الوطني عموماً.
واستناداً إلى أهمية هذا القطاع، وانعكاساته الكبيرة والعميقة، على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، فإن التأمين الزراعي يعتبر ضرورة اقتصادية اجتماعية كذلك الأمر.
فمن المعروف، أن القطاع الزراعي يتأثر بشكل كبير بالظروف الجوية، بالإضافة لتأثره بالمخاطر البيولوجية، مع عدم تغييب تأثره بتدخل العوامل البشرية والإنسانية.
فالمخاطر التي يتعرض لها الإنتاج الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، يمكن تبويبها بثلاث نقاط:
عوامل طبيعية: مائية وجوية، مثل: الجفاف والعواصف وموجات الحر والصقيع، بالإضافة إلى عوامل الطبيعية النادرة الأخرى، مثل: الزلازل والبراكين وموجات المد البحري...
عوامل بيولوجية: مثل: انتشار الأوبئة وجوائح الأمراض المعدية، نباتية وحيوانية، وغيرها..
عوامل بشرية: مثل: الحرائق و...
بعض هذه المخاطر يمكن تلافيها، والبعض الآخر من الصعوبة بمكان تدبر ذلك تجاهها، لكن بالمجمل، من الممكن الحد من هذه المخاطر ومن آثارها كلها والتقليل من سلبياتها، وانعكاسات ذلك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وذلك عبر بوابة التأمين الزراعي.

صناديق زراعية حكومية
واستناداً إلى أهمية القطاع الزراعي الاستراتيجية، ودرءاً للمخاطر التي من الممكن أن يتعرض لها الإنتاج الزراعي، والصناعي المرافق له، فقد تم إحداث صندوقين لدى وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لهذه الغايات:
أولاً: «صندوق دعم الإنتاج الزراعي» الذي تم إحداثه بموجب مرسوم في عام 2008.
وقد نصت المادة الثالثة منه على ما يلي:
«ترصد للصندوق سنوياً المبالغ اللازمة لتغطية نفقات الدعم للقطاع الزراعي التي يتم اعتمادها أصولاً.. بحيث يساهم هذا الدعم في تحقيق الأمن الغذائي، والكفاءة الاقتصادية للعملية الإنتاجية، وتعزيز القدرة التنافسية للإنتاج الزراعي».

كما نصت المادة الخامسة منه على ما يلي:
مهام الصندوق: يتولى الصندوق مهام تقديم مبالغ الدعم المخصصة لتحقيق السياسات الزراعية المقررة، والتي يتم تحديدها من قبل مجلس الوزراء سنوياً، بناءً على اقتراح مجلس الإدارة، المنعقد برئاسة الوزير بحيث تغطي المجالات الآتية:
أ/ دعم مستلزمات الإنتاج وتتضمن: _ البذار المحسن الموزع من قبل الجهات العامة_ الغراس بأنواعها المختلفة/ المثمرة_ الحراجية_ الرعوية الموزعة من قبل الجهات العامة_ الأعلاف المخصصة للثروة الحيوانية الموزعة من قبل الجهات العامة_ الأدوية البيطرية والتلقيح الاصطناعي واللقاحات المستخدمة لتطوير الثروة الحيوانية، ومعالجة الأمراض الوبائية والجائحات التي تهدد الثروة الحيوانية_ المكافحات العامة ضد الجائحات التي تهدد الإنتاج الزراعي.
ب/ دعم أسعار بعض المنتجات الزراعية: _ المحاصيل الاستراتيجية قمح_ قطن_ شعير_ شوندر سكري_ المحاصيل والمنتجات الزراعية نباتية، حيوانية، التي ترى الوزارة ضرورة تشجيع إنتاجها.
ثانياً: «صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية على الإنتاج الزراعي» الذي تم إحداثه بموجب مرسوم بعام 2011.

وقد ورد بمتن المادة الأولى منه التعريفات التالية:
الجفاف: انخفاض كميات الهطول المطري عن معدلاتها الطبيعية بمستويات وفترات زمنية، أو سوء توزعها، بحيث ينجم عنها عجز في الموارد المائية والزراعية، وتدهور في النظام البيئي، وخسائر مادية مباشرة في الإنتاج الزراعي.
الكوارث الطبيعية: حوادث لا يمكن منعها أو تفاديها تنجم عن انحراف العوامل المناخية والبيئية، أو الحيوية عن معدلاتها الطبيعية، وتؤدي إلى خسائر في الإنتاج الزراعي «الحيواني والنباتي».
المتضرر: الشخص الذي يستحق التعويض ويعمل في الإنتاج الزراعي.

الإنتاج الزراعي: الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.
وقد نصت المادة الثالثة منه على ما يلي:
«يتولى الصندوق التعويض على المتضررين عن الخسائر المادية، والأضرار التي تصيب إنتاجهم، بسبب الجفاف والكوارث الطبيعية، أو الأحوال المناخية البيئية_ الحيوية/ صقيع_ موجات حرارة مرتفعة_ سيول_ عواصف ترابية_ برد_ رياح شديدة_ شدات مطرية_ إصابات حشرية_ جوائح مرضية على الزراعات أو الثروة الحيوانية/ وينجم عنها خسائر تزيد عن 50 بالمئة في الإنتاج الزراعي، إضافة لتجاوز المساحة المتضررة 10 بالمئة من مساحة الوحدة الإدارية، بالنسبة للإنتاج النباتي، ويحسب التعويض من تكلفة الإنتاج فقط، ولا يشمل ذلك المناطق المعلنة أضراراً عامة.
كما نصت المادة 12 من المرسوم على مصادر تمويل الصندوق العديدة، اعتباراً من الاعتمادات المرصدة سنوياً في الموازنة العامة للدولة، مروراً بمساهمة الاتحاد العام للفلاحين بقيمة 25 مليون ليرة سورية تدفع لمرة واحدة عند إحداث الصندوق، وصولاً إلى نسبة خمسة بالألف من قيمة المحاصيل الاستراتيجية المسلمة لمؤسسات الدولة، وليس انتهاءً بمساهمة من صندوق دعم الإنتاج الزراعي بنسبة 1 بالمئة على المحاصيل الزراعية والخضراوات والأشجار المثمرة، التي تستفيد من صندوق الدعم، وغيرها من الموارد الأخرى.

حصاد السياسات الليبرالية
واقع الحال، يقول: إن هذه الصناديق لم تقم بمهامها حسب ما هو وارد بمراسيم إحداثها، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة، مما أدى لما وصل إليه حال الإنتاج الزراعي بشقيه، النباتي والحيواني، من تراجع وترهل، والانعكاسات السلبية الكبيرة لذلك، على الواقع المعيشي للفلاحين والمزارعين، ناهيك عن تراجع الصناعات المحلية المرتبطة بهذا الانتاج، بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية الأكبر على مستوى الاقتصاد الوطني عموماً.
أما أن يصل الأمر لأن تتخلى الحكومة عن دورها بالمطلق، من خلال هذه الصناديق، ومهماها التي تتمحور حول مفهوم التأمين الزراعي وأهدافه وغاياته، وصولاً إلى فتح بوابات هذا التأمين، وهذه المهام، أمام وعبر شركات التأمين، الخاصة والعامة، فهو تراجع حكومي كبير وغير مبرر!
أولاً: باعتبار أن هذه الصناديق وجدت وأحدثت من أجل مهام وغايات وأهداف محددة، وهي أكبر من موضوعة التأمين الزراعي كحيثية منفردة، والمطلوب تفعيل دورها الإيجابي لتحقيق هذه المهام والأهداف، بدلاً من التراجع المطرد على مستوى مهامها هذه، وصولاً إلى التخلي عنها، وربما تصفيتها لاحقاً.
ثانياً: باعتبار أن فتح البوابات أمام القطاع الخاص على مستوى التأمين الزراعي، سيجعل من القطاع الزراعي رهينة بأيدي الاستثمار والمستثمرين أكثر فأكثر، مع كل المخاطر والسلبيات التي يمكن أن تترتب على ذلك، سواء على مستوى الفلاحين والمنتجين، ومستوى معيشتهم واستمراريتهم في العمل والإنتاج، بما فيها مخاطر هجرة الأرض والعمل الزراعي، مع عدم إغفال السلبيات الناجمة عن ذلك، على الصناعات المرتبطة بالإنتاج الزراعي، أو على المستوى الاقتصادي الوطني العام كنتيجة متوقعة.
في الأحوال جميعها، ربما لا غرابة، فالتهليل لدخول القطاع الخاص عبر بوابات التأمين الزراعي بالقرار أعلاه، والتخلي المستمر عن دور الدولة، على مستوى مهامها ومسؤولياتها وواجباتها، وصولاً لتقويض الإنتاج الزراعي والصناعي المرافق له، هو المسيرة المتوقعة من النهج الليبرالي الذي تتعاطى معه، ومن خلاله الحكومة، وترسم سياساتها.
فهل من بؤسٍ أكبر من ذلك يمكن أن نحصده من هذه السياسات، وهذا النهج؟