معاناة السوريين في المخيمات مغيبة
هذا الشتاء، كما غيره من الشتاءات، يمر على اللاجئين والنازحين السوريين في المخيمات المنتشرة، داخلاً وخارجاً، بالمزيد من المعاناة.
الزيادة المطردة في المعاناة أسبابها كثيرة وعديدة، منها ما هو قديم ومزمن مرتبط بالقليل المتوفر من سبل درء مخاطر برد الشتاء وأمطارها وعواصفها وتداعياتها، ومنها ما هو مستجد مرتبط بتخفيض المساعدات المقدمة لهؤلاء، وصولاً إلى حال الإهمال واللامبالاة تجاه مآسيهم.
المعاناة الكارثة
العواصف والأمطار الشتائية أتت على الخيام كلها في المخيمات كلها، من مخيمات الشمال السوري بشرقه وغربه، القامشلي والحسكة وإدلب، مروراً ببقية المخيمات المتناثرة والمنتشرة في المنطقة الوسطى والساحلية والجنوبية، وصولاً إلى مخيمات الحدود التركية واللبنانية والأردنية.
فقد أدت العواصف الشتائية خلال الفترة الماضية إلى اقتلاع العديد من الخيام في الكثير من هذه المخيمات، كما أدت الأمطار إلى غرق بعضها الآخر، بالإضافة لما تصنعه الأمطار من بركٍ ومستنقعاتٍ بين الخيام، بل وبداخلها في بعض الأحيان، مع ما يخلفه ذلك كله من تزايد في حدة أمراض الشتاء، وتداعياتها السلبية، وخاصة على الأطفال وكبار السن، لتحيل حياة ساكني الخيام إلى جحيم فوق جحيهم الذي فرض عليهم، النزوح واللجوء مكرهين.
ولم تقتصر المعاناة على ذلك فقط، بل تأتي الحرائق على بعض هذه المخيمات أحياناً، بسبب انعدام الكثير من معايير الأمان، وخاصة على مستوى نوعية الخيام نفسها، التي يغلب عليها النايلون والبلاستيك في صناعتها، ما يؤدي إلى سرعة احتراقها، ناهيك عن الاضطرار للاعتماد على وسائل التدفئة غير الآمنة كذلك الأمر، حسب ما هو متاح، ليفاقم من هذا الوضع، سرعة انتشار مثل هذه الحرائق، ملتهمةً الكثير من الخيام بما فيها من وسائل وسبل العيش المتوفرة، رغم قلتها وبساطتها.
ومع إضافة تدني الخدمات العامة في المخيمات، وتراجع المساعدات المقدمة للمقيمين فيها، سواء من قبل المؤسسات والمنظمات الدولية، أو من قبل الجمعيات الأهلية، حسب المكان، فقد أصبح واقع السوريين في هذه المخيمات كارثي، يتمثل بالفقر والعوز، والمعاناة من برد الشتاء وحر الصيف، وزيادة الأمراض، مع عدم تغييب منع هؤلاء من مغادرة غالبية هذه المخيمات، ليضاف إلى ذلك كله، أوجه الاستغلال الكثيرة الأخرى على هامش هذه المعاناة، الكارثة.
الاستثمار في المعاناة
في المجمل، فإن أوضاع السوريين في مخيمات النزوح واللجوء تعتبر مأساوية وكارثية وفقاً للمقاييس كلها.
وعلى الرغم من تراجع التغطية الإعلامية لواقع هذه المخيمات، ومآسي من فيها من سوريين، ارتباطاً مع المواقف الدولية المتباينة من هذا الملف، والتي أدت لتراجع الاهتمام به، كما لتخفيض المساعدات المقدمة باسمه، إلا أن ذلك لم يمنع بأنه ما زال مثاراً للمماحكات، كما هو مجالاً لأوجه الاستغلال والاستثمار، محلياً وإقليمياً ودولياً، ولعل الأمثلة على ذلك ما زالت كثيرة.
ومع القناعة التامة، أن الحل النهائي لمأساة وكارثة النازحين واللاجئين في المخيمات، بأماكنها ومواقعها كلها، تتمثل بالحل السياسي الناجز المرتقب على المستوى الوطني، والذي يفسح المجال أمام هؤلاء للعودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، وهو ما يرغبون فيه وينتظرونه على أحر من الجمر، إلا أن ذلك لا يعني غض الطرف عن معاناتهم وكارثتهم، كما عن استمرار الاتجار بهم سياسياً وأمنياً، وفقاً لأهواء القوى التي تستثمر في هذا الملف وعلى حسابه، وخاصة المنظمات الدولية المحسوبة على أنها «إنسانية»!
ولعله من الضروري بناءً على ما سبق، تسليط الأضواء على هذا الاستثمار «الإنساني» السلبي بالمقاييس والأعراف جميعها، كما من الضرورة بمكان تسليط المزيد من الأضواء على الكارثة التي فرضت على المقيمين في المخيمات ويعيشونها بشكلٍ لحظي، خاصة في ظل مساعي تغييب هذا الملف عن وسائل الإعلام المرتبطة والمدفوعة والمرتهنة للقوى المختلفة والمتخالفة.