هل من التباس في الدور الرسمي تجاه الحمضيات؟
سمير علي سمير علي

هل من التباس في الدور الرسمي تجاه الحمضيات؟

ترى هل من جديد إذا قلنا بأن موسم الحمضيات يتم استهدافه سنوياً، حاله كحال الفلاحين والمنتجين؟




وهل من جديد معرفة أن الخسائر السنوية التي يتكبدها هؤلاء الفلاحون أوصلتهم إلى قطع أشجارهم لاستبدالها بزراعات أخرى، أو بهجرة الأرض والزراعة نهائياً؟
وهل من جديد بتسليط الضوء على معاناة هؤلاء الفلاحين وانعكاساتها السلبية على مجمل الاقتصاد الوطني بالنتيجة؟
ربما لا جديد في ذلك كل، فمعاناة الفلاحين مع الموسم السنوي للحمضيات لم تقتصر على تكاليف الإنتاج المرتفعة، ولا على مستوى كم الإنتاج وصعوبات التسويق والفائض منه سنوياً، ولا على مستوى الاستغلال المجحف في مستوى الأسعار التي يتقاضونها لتصريف بعض إنتاجهم من قبل التجار والسماسرة، لتدخل عليها منذ سنوات عدة معاناة أخرى، تتمثل بإغراق الأسواق بمادة الموز، أو غيره من الفواكه الأخرى كالكيوي والمانغا، بسعر منافس بالتوازي مع موسم القطاف، والتسويق بما ينعكس سلباً على سعر محصولهم، وفقاً لسياسة العرض والطلب في السوق، التي يتغنى بها التجار كما الرسميون، والنتيجة مما سبق كله هي: تلك الخسائر المتراكمة مع تداعياتها سابقة الذكر.

الجديد الرسمي
الجديد في هذا الموسم على مستوى الصعوبات والمعاناة تجلّى عبر محورين:
الأول: دخول السورية للتجارة على خط استيراد مادة الموز بسعر منافس، بالتوازي مع موسم الحمضيات رسمياً، وبسعر معلن للمستهلك 400 ليرة للكغ، بعد أن كان هذا الدور محصوراً بالتجار والسماسرة بغرض كسر سعر محصول الحمضيات بموسمه.
والثاني هو: تدخل اللجنة الاقتصادية عبر كسر أسعار لجان المحافظات لأصناف الإنتاج في هذا الموسم تخفيضاً، وذلك للكميات التي من الممكن أن تستجرها الجهات الرسمية، ممثلة بالسورية للتجارة من كم الإنتاج الكبير.

تسعير لا يلغي الغبن!
موسم تسويق الحمضيات بدأ منذ فترة، وعلى الرغم من ذلك فإن نتائجه السلبية بدأت تنعكس على الفلاحين والمنتجين تباعاً، وقد أتى تدخل اللجنة الاقتصادية ليكمل مهمة النتائج السلبية على هؤلاء، خاصة وأنها قامت بتخفيض سعر المنتج عليهم.
يشار إلى أن تسعير الحمضيات في اللاذقية وطرطوس من أجل تسويق بعض الكميات من هذا المحصول، عبر السورية للتجارة هذا العام، تم عبر لجان مشكلة لهذه الغاية، مؤلفة من: اتحاد الفلاحين، ووزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والسورية للتجارة، وغيرها من الجهات الأخرى.
لقد كان السعر المعتمد من اللجنة المشكلة لتسويق الحمضيات في طرطوس على سبيل المثال، النوع الأول: 90 ليرة والثاني: 70 ليرة والثالث: 50 ليرة، آخذين بعين الاعتبار تكلفة المنتج على الفلاحين بعد دراستها من قبل هذه اللجنة، حسب ما تم الإعلان عنه، علماً أن بعض المصادر قدرت التكلفة الوسطية على الفلاحين بـ 62 ل.س للكغ الواحد بغض النظر عن تصنيفه، ما يعني أن الفلاح قد يتعرض لبعض الغبن، حتى عند تسويق بعض إنتاجه حسب ما تستقر عليه اللجان من تصنيف لهذا الإنتاج عبر البوابات الرسمية.
وقد بدأ التسويق الرسمي بالاعتماد على هذه الأسعار، حيث استجرت السورية للتجارة كمية 400 طن من كم الإنتاج في طرطوس حتى الآن، حسب ما أعلن رسمياً.
في المقابل، كان هذا السعر مقياساً نوعاً ما على مستوى التسويق الجاري للحمضيات عبر التجار والسماسرة، في مسعى من هؤلاء لكسره طبعاً، وهو ما جرى ويجري، مستغلين وجود الفائض الكبير من الإنتاج وحاجة الفلاحين وضعف التسويق الرسمي، وهي حالة متكررة سنوياً، وستؤدي بالنتيجة لتكريس ما سبق ذكره من تداعيات سلبية؛ خاصة على مستوى الخسائر ومعيشة الفلاحين ومستقبلهم، وعامة على مستوى قطع الأشجار وهجرة الأرض والزراعة.

فرصة للمزيد من الاستغلال
قرار اللجنة الاقتصادية الحالي، والذي خفض أسعار الحمضيات بحيث أصبح سعر النخب الأول 75 ليرة والثاني 50 ليرة والثالث 35 ليرة، لم يكن مجحفاً بالنسبة للفلاحين على مستوى تسويق بعض من إنتاجهم عبر البوابات الرسمية ممثلة بالسورية للتجارة فقط، بل كون اعتماد هذا السعر رسمياً سيؤثر على تسويق هذا الإنتاج عبر التجار والسماسرة الذين رأوا في السعر الجديد المقر من اللجنة الاقتصادية فرصة لهم من أجل ممارسة المزيد من الضغوط على الفلاحين لفرض سعرهم الاستغلالي الخاص.
موضوع تدخل اللجنة الاقتصادية عبر خفض الأسعار المعتمدة من قبل لجان المحافظات يتبين أثره عندما نعلم بأن الإنتاج التقديري لمحافظة طرطوس فقط من الحمضيات لهذا الموسم هو بحدود 250 ألف طن، وذلك حسب ما صُرح به رسمياً خلال اجتماع جرى مطلع شهر تشرين الثاني الماضي في مبنى المحافظة، بوجود المحافظ والجهات الرسمية ذات الصلة، وبأن ما تم تسويقه من هذا الإنتاج عبر البوابات الرسمية (السورية للتجارة) حتى الآن هي كمية 400 طن فقط، وهي كمية ضئيلة جداً بالمقارنة مع كامل الإنتاج، ما يعني أن موسم هذا العام من الحمضيات لن يكون بأفضل من المواسم السابقة بالنسبة للفلاحين، بل ربما أسوأ.

الفلاح المطعون
قرار اللجنة الاقتصادية قد يُقرأ منه، إشارة غير إيجابية تجاه عمل اللجان التي اعتمدت الأسعار في المحافظات، كما يتضمن رفضاً لمعايير حسابات التكلفة التي اعتمدتها هذه اللجان كذلك الأمر، لكن أسوأ ما في هذا القرار أنه كان طعنة موجهة لفلاحي ومنتجي الحمضيات، ليس على مستوى انعكاسه على تسويق منتجاتهم وتحكم التجار والسماسرة بهم، بل على مستوى معيشتهم ومستقبلهم المقترنة بالخسائر التي سيتكبدونها بنهاية الموسم.
لقد أكد رئيس اتحاد فلاحي طرطوس، عبر بعض وسائل الاعلام: أن قرار اللجنة الاقتصادية الخاص بتسعير الحمضيات في طرطوس، والذي خفض الأسعار بنسبه 15 % لكل نوع أضر بالمزارع، مشيراً إلى ما تكلفه المزارع من أدوات وأجور وصناديق فارغة وأدوية وهذا يتطلب دعم المزارع.

التباس في الدور!
توصية اللجنة الاقتصادية التي حددت بموجبها الأسعار كما سلف، حظيت بموافقة رئاسة الحكومة مع الإجراءات المقترحة لتسويق موسم الحمضيات للموسم 2017- 2018 من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تأثير هذا القرار على أرض الواقع من ناحية التسويق الرسمي يعتبر محدوداً في ظل محدودية كمية الاستجرار من قبل السورية للتجارة في مقابل كم الإنتاج الكبير.
فما الجديد الذي دعا اللجنة الاقتصادية لتمارس دورها على مستوى تسعير هذا المحصول خلال هذا الموسم بهذا الشكل من التخفيض على السعر المقر من لجان المحافظات، طالما لم يعلن عن الالتزام بتسويقه كاملاً من قبل الجهات الرسمية؟

موسم مستهدف
مما لا شك فيه أن المستفيد عملياً من هذا القرار الآن هم: شريحة التجار والسماسرة بالدرجة الأولى، وربما السورية للتجارة في المرتبة الثانية، على الرغم من محدودية تدخلها بالمقارنة مع كميات المحصول الإجمالية، خاصة في ظل المبلغ المحدود الذي خصص لهذه الغاية رسمياً، في مقابل الضرر الكبير الذي سيتحمله الفلاحون والمنتجون، وذلك كون صعوبات تصريف المحصول ما زالت قائمة أمامهم، ما يعني أن معاناتهم ستستمر، طبعاً مع عدم إغفال الضربات الموجعة الأخرى، التي يتلقاها المحصول والفلاح كل عام، كذلك الأمر، من خلال إغراق الأسواق بمادة الموز بسعر منخفض بالتوازي مع موسم القطاف والتسويق، والتي دخلت عليه السورية للتجارة هذا الموسم بشكل رسمي كذلك، وغيرها من أساليب الاستهداف الأخرى التي لا تقف عند تكاليف الإنتاج المباشرة من أسمدة وأدوية ومحروقات وري وغيرها.
والكارثة الأكبر ستكون ليس على مستوى هذا المحصول الاستراتيجي والهام فقط، بل على مستوى الاقتصاد الوطني عموماً، خاصة عبر تداعياته المتمثلة بقطع الأشجار أو هجرة الأرض.
والسؤال الأخير على ألسنة الفلاحين:
هل هذا هو الدور الرسمي الموعود حول الدعم وتسويق المحصول، الذي خصصت له الاجتماعات الرسمية وصدرت من أجله القرارات والتوصيات؟