صراع الحقوق والمصالح
صدر القانون 39 المتضمن منح إعفاءات من رسوم رخص البناء وذلك لمالكي العقارات المتضررة، جزئياً أو كلياً، نتيجة الأعمال الإرهابية.
وقد اشترط القانون في منح هذه الإعفاءات ما يلي:
أن تكون واقعة ضمن المناطق التنظيمية المستقرة التي لا تحتاج إلى إعادة إعمار بشكل كامل.
إعادة حال العقار إلى ما كان عليه دون إحداث أية إضافات عليه.
كما تم وضع آلية لتنفيذ هذا القانون، وذلك بعهدة الوحدة الإدارية المعنية بموجب قرار من المكتب التنفيذي، وبناء على طلبات مقدمة من قبل أصحاب العلاقة، خلال مدة محددة من قبل الوحدة الإدارية، وفي إحدى المواد: تم تحديد مدة العمل بهذا القانون بسنة واحدة فقط.
ملاحظات أولية
الإعفاءات المذكورة اقتصرت على «المناطق التنظيمية المستقرة»، وهي عبارة مطاطة وملتبسة بمحورين:
الأول، هو: تحديد مضمون المناطق التنظيمية، وكيف سيتم تفسيره على أرض الواقع، فالكثير من المناطق التي تعرضت أبنيتها وبيوتها للدمار الكلي أو الجزئي تعتبر مناطق غير منظمة، بيوتاً عشوائية أو بيوتاً في أراضٍ ما زالت تعتبر زراعية، وبالتالي فإن المواطن صاحب الحق بهذا الإعفاء في هذه المناطق قد لا يطاله الإعفاء، بناء على التوصيف النهائي من قبل الوحدات الإدارية المعنية.
المحور الثاني، هو: مفردة المستقرة، التي تبدو مطاطة أكثر، في ظل نمط التعامل مع حقوق المواطنين بالعودة لمنازلهم وأراضيهم في المناطق التي تمت استعادة السيطرة عليها، فالكثير من المناطق والبلدات التي تمت استعادة السيطرة عليها، لم يفسح المجال فيها لعودة سكانها وأهاليها جميعهم حتى الآن، والمبرر هو: مفردة الاستقرار التي لا تعني ربما الحالة العسكرية والأمنية فقط، بل ربما تشمل البنية التحتية والخدمات وغيرها، وهي على ذلك ربما تتعرض للكثير من التفسيرات والتأويلات، كما سيدخل على خط تحديد معنى المفردة الكثير من الجهات الأخرى، أي: أنها ربما لا تقتصر على تفسير الوحدة الإدارية المعنية فقط.
ملاحظة أخرى تتعلق بالمدة التي سيتم تحديدها من قبل الوحدة الإدارية، للتقدم بطلبات الإعفاء من قبل المواطنين، حيث إن من لا يتقدم من هؤلاء بطلبه خلال هذه المدة يفقد حقه بالإعفاء، علماً أن الموضوع بالنسبة للمواطنين لا يقتصر على مستوى التقدم بالطلبات والمسيرة الإدارية لها، بل لعل الأهم بالنسبة لهؤلاء هو الملاءة المالية التي تؤهلهم لعمليات الترميم الكلي أو الجزئي، وهي تكاليف مرتفعة قد يعجز عنها الكثير من المواطنين، خاصة في ظل الواقع المعيشي المتردي أصلاً لهؤلاء، كونهم نازحين عن بيوتهم وبلداتهم، أي: أن من لا تتوفر لديه الإمكانية والملاءة المالية سيفقد حقه بالإعفاء عملياً، وهؤلاء لا بد وأنهم الأكثرية من أصحاب الحقوق، وربما سيضيع هذا الحق بالنتيجة كون مدة تنفيذ القانون أصلاً قد سُقفت بعام واحد فقط.
حقوق أخرى؟
مما لا شك فيه، أن المواطنين بحاجة للدعم الحكومي كله، وهو حق وليس منة، وبالتالي فإن القانون أعلاه، برغم الملاحظات، ربما يدخل ضمن هذا الإطار، علماً أنه من المفترض، وحسب ما تم الإعلان عنه رسمياً: أن للمواطنين حقوقاً بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم، وخاصة المنازل والأراضي الزراعية، كما تم الإعلان لأكثر من مرة: أن بعض الجهات العامة ستقوم ببعض عمليات الترميم الكلي أو الجزئي في بعض المناطق، والكثير من المواطنين حتى الآن ينتظرون هذه وتلك من الوعود، فلا تعويضات صرفت ولا جهات عامة نفذت.
ومع تحديد موعد نفاذ القانون، بدايته ونهايته، فإن موضوع صرف التعويضات الموعودة يصبح أكثر إلحاحاً بالنسبة للمواطنين، فهذه التعويضات غايتها من الناحية العملية هي: تغطية بعض تكاليف عمليات الترميم المطلوبة على البيوت والمنازل من قبل المواطنين، وهذه التعويضات ما زالت تائهة بأروقة الروتين والورقيات والموافقات وتخصيص المبالغ اللازمة، وغيرها من معيقات تنفيذ صرف هذه التعويضات، ناهيك عن آليات تحديد قيمها أصلاً.
تذكير!
على إثر صدور القانون ونفاذه، يبدو من الضرورة التذكير ببعض القضايا المرتبطة بحقوق المواطنين:
فسح المجال أمام المواطنين جميعهم للعودة إلى بلداتهم وقراهم، دون تسويف ومواربة ومماطلة وانتقائية.
استكمال عمل لجان تقييم الأضرار، وتحديد التعويضات العادلة والمناسبة، والعمل على صرفها بالسرعة الكلية كي تتم الاستفادة من قانون الإعفاء خلال مدة العام المحدد لانتهاء نفاذه.
السرعة في معالجة أوضاع المناطق التي تم اعتبارها بحاجة لإعادة الإعمار الكلي، فأصحاب الملكيات في هذه المناطق وسكانها وآهليها الذين نزحوا عنها منذ أعوام، وقد تم استعادة السيطرة على الكثير منها منذ أعوام أيضاً، ما زالوا في انتظار هذه المعالجة وما ستسفر عنها بالنسبة لحقوقهم، وعامل الزمن بالنسبة لهؤلاء لم تقتصر سلبيته على مستوى التشرد فقط، بل والأهم على المستوى المعيشي كونهم في غالبيتهم مستأجرين في المناطق الآمنة، ولا يعلمون حتى الآن مصيرهم كما مصير ملكياتهم، ببيوتهم المدمرة وأراضيهم الزراعية.
الأهم من ذلك كله تذليل الصعوبات الروتينية والقانونية أمام المواطنين وحقوقهم، حيث من اللافت أن أيادي التجار والسماسرة بمساعدة الفاسدين ما زالت تعبث بهذه الحقوق، مستغلة حاجات المواطنين، المشردين والمفقرين، ومستفيدة من وجود هذه الصعوبات والمعيقات، وربما التأويلات لبعض النصوص القانونية أو القرارات ذات الصلة بهذه الحقوق.
أمثلة عملية
بعيداً عن الحديث والكلام العام، نكتفي بالأمثلة التالية:
المدينة العمالية عن الحالة الأولى: حيث لم تصرف التعويضات كاملة للمواطنين حتى الآن، كما أن تعهدات المؤسسة العامة للإسكان بترميم بعض البيوت والأبنية من قبلها لم تنفذ حتى الآن كذلك الأمر، على الرغم من الحديث الرسمي عن تأمين التمويل اللازم لذلك!.
والمثال عن الحالة الثانية، هي: مدينة داريا، وما تم الحديث عنه على مستوى دخولها حيز التنظيم الكلي، وحقوق أصحاب الملكيات فيها وآهليها وسكانها وفلاحيها، التي ما زالت حتى الآن في مهب رياح التسويف والمماطلة من حيث العودة من أجل تثبيت حقوقهم أولاً، كما من حيث بدء الحديث عن الاستثمارات في المنطقة، وبدء دخول التجار والسماسرة على خطوط عمليات البيع والشراء والمضاربة، ما يذكرنا بما جرى بمنطقة خلف الرازي.
معايير مزدوجة ومصالح؟
كلمة أخيرة، ربما لا بد من قولها في النتيجة، هي: أنه من واجب الدولة عبر الحكومة أن تؤمن حقوق المواطنين، كما من واجبها حماية هذه الحقوق، ليس لكونها حقوقاً فقط، بل لكونها مصانة قانوناً ودستوراً، وهي مسؤولية بعهدة الدولة والحكومة أولاً وآخراً.
فعامل الزمن، على سبيل المثال، لا يجب أن يكون له معايير مزدوجة، نقيد المواطن به هنا، كحال القانون أعلاه الذي أعطى الوحدات الإدارية الحق بتحديد المدة الزمنية لتقديم الطلبات، كما تم تحديد موعد انتهاء نفاذه بعام واحد فقط، ونفسح المجال به للحكومة وجهاتها العامة على مصراعيه هناك، كما هي حال التعويضات التي لم تصرف حتى الآن، أو الأعمال التنفيذية التي كان من واجب بعض الجهات العامة القيام بها، مع ما تفتحه هذه الثغرة الحقوقية، بهذا المثال فقط، من بوابات تعبر من خلالها مصالح التجار والسماسرة والفاسدين، صغارهم وكبارهم، فكيف ببقية الثغرات والبوابات الكثيرة المشرعة الأخرى، والتي يتم تكريسها يومياً عبر السياسات الحكومية التي لا تصب إلا في مصلحة جيوب أصحاب الأرباح، على حساب بقية المواطنين وحقوقهم، كتتويجٍ لصراعٍ دائمٍ بين الحقوق والمصالح بالرعاية الحكومية منذ عقود.