من نازحين في «شام المعارف» إلى مطرودين!
بعد أن تم تهديد السكان النازحين من داريا، والقاطنين بجانب «شام المعارف» بصحنايا، تم تهجير هؤلاء مرة أخرى من ثلاثة أبنية في هذه المنطقة.
فقد قامت إحدى الجهات الرسمية، المسؤولة عن منطقة صحنايا، بطرد هؤلاء عنوة من هذه الأبنية، ورمتهم وأغراضهم وأثاثهم خارج تلك المباني.
الإيجار المستحيل!
على إثر ذلك، قام هؤلاء النازحون بالبحث عن بيوت للإيجار في صحنايا، ومعظمهم لم يجدوا منازل في المنطقة، ومن حظي من هؤلاء ببيت فلم يكن بأحسن حال من واقع البيوت التي كانوا يقطنونها في المباني التي طردوا منها، على العظم, مع الأخذ بعين الاعتبار أن بدلات الإيجار تعتبر مرتفعة بالنسبة لهم، وهي لا تلائم دخولهم، شبه المعدومة بالأحوال كلها.
إحدى السيدات تروي لنا: «لدي ولدان يقاتلان مع الجيش السوري في دير الزور ضد الارهاب، بالأمس اتصلوا وعرفوا حالتنا، قالوا لي: هل من المعقول نحن نقاتل على الجبهة وأنتم تهجرون من بيوتكم؟».
وتضيف: «لدي ابنة عمرها عشرون عاماً، أرملة ولديها ثلاثة أطفال، وزوجي مريض قلب لا يستطيع العمل، نذهب للبحث عن بيوت للإيجار يقولون لنا: لا نستطيع تأجيركم لأن لدينا أطفال! هل يعقل ذلك؟ هل نرمي أولادنا في الشارع يعني؟».
سيدة أخرى أرملة، وهي أم لثلاثة أطفال تعمل بأحد المعامل المجاورة براتب 30000 ليرة تقول: «كيف من الممكن أن تستأجر والإيجارات أقلها بـ 30000 ليرة في صحنايا»؟!.
وعود محافظة ريف دمشق
قام بعض من الأهالي بتشكيل وفد لزيارة محافظة ريف دمشق، لمقابلة المحافظ وإطلاعه على وضعهم بغية إيجاد حل لمشكلتهم، أو إرجاعهم إلى بيوتهم في داريا.
وعند وصولهم لم يجدوا المحافظ، لذلك قاموا بمقابلة نائب المحافظ السيد راتب عدس وتم إطلاعه على مشكلتهم.
والذي تبين بأن إخلاء هذه الأبنية، وبهذه الطريقة، تم دون التنسيق مع محافظة ريف دمشق، حيث اعتبر نائب المحافظ أن عملية الإخلاء غير قانونية، ولا يجوز ترك هؤلاء دون أن يتم تأمين مكان إيواء أخر لهم, خصوصاً أن هذه الحالة ليست حالة خاصة، بل حالة عامة تشمل عدداً من العائلات التي يتجاوز عددها مع أفرادها المئات، ضمن ظروف معيشية سيئة، ومن المستغرب أنّهم متروكون دون أبسط الحاجات الإنسانية للعيش!.
وأثناء اللقاء تم تكليف أحد المهندسين في المحافظة للمساعدة على إيجاد مأوى لهم, وتم اقتراح مبنى خلف مبنى (التاون سنتر) على أتوستراد درعا لكي يتم إيوائهم به، ريثما تتم عودتهم إلى داريا.
ع الوعد يا كمون!
أخبرنا أحد الأهالي، الذين قابلوا نائب المحافظ في وقت سابق، بأنه وعدهم أنه في اليوم التالي للقائهم معه سوف يقومون بزيارة المبنى المذكور أعلاه، وتحديد ما يلزم البناء ليكون جاهزاً لإيوائهم.
إلّا أنه قد مضى أسبوعان على لقائهم بنائب المحافظ، ووعده أعلاه، ولم يتم إلى الآن التواصل معهم أو حل مشكلتهم، أو حتى الرد على اتصالاتهم!!.
والمستغرب أكثر بالنسبة إليهم، عدم تلبية مطالبهم بعودتهم إلى بيوتهم في داريا، حيث أعربوا بأنهم مستعدون لنصب خيام يأوون إليها، إن كانت بيوتهم مدمرة، فذلك أفضل من المعيشة السيئة التي يعيشونها.
حالات خاصة!
هناك بعض الحالات التي يفترض على الحكومة والدولة إيجاد حلول لها, فمثلاً أحد النازحين معاق جسدياً، وهو أب لأربعة أطفال، يقوم بتأمين احتياجات أطفاله عن طريق بيع بعض ربطات الخبز من فرن صحنايا، بالتعاون مع ابنه بعد عودته من دوام المدرسة، وذلك كي يحصل على بعض النقود من أجل تأمين بعض متطلبات المعيشة فقط.
عائلة أخرى قامت بنصب خيمة بالقرب من المباني التي طردوا منها، لكي تبقى الفتاة وأمها وأخوها بالقرب من عملهم في المعامل المجاورة، خاصة في ظل عدم توفر فرص العمل، وهم بالكاد حصلوا على فرصتهم في تلك المعامل، وذلك كي يساعدوا بقية إخوتهم وأباهم المقعد.
وغيرها من الحالات التي من المفترض على الحكومة أن تقوم بدورها وواجبها تجاههم، ناهيك عن أنه من غير المبرر رمي تلك العائلات في الشارع دون إيجاد مأوى بديل لهم.
عودة الأهالي هي الحل
«قاسيون» وعبر متابعتها لملف نازحي داريا في «شام المعارف»، ومع عدم الموافقة على أسلوب طرد هؤلاء بالشكل المبين أعلاه، تضم صوتها إلى مطالب هؤلاء النازحين سابقاً، والمطرودين حالياً، من أجل إيجاد مأوى بديل مستوفٍ للشروط الصحية عبر محافظة ريف دمشق، كونه حقاً لهؤلاء أولاً، وحسب وعود المحافظة بهذا الشأن ثانياً.
بالإضافة إلى مطلبهم المشروع بعودتهم إلى بلدتهم داريا، التي لا يمكن أن يهنأ لهم العيش بعيداً عنها، وهو الحل الصحيح والوحيد من أجل استعادة حياتهم ونشاطهم، على المستويات كافةً، وهم بذلك حالهم كغيرهم من نازحي بعض المناطق الأخرى الذين يطالبون بالعودة إليها، مع استغرابهم من كثرة المماطلة والتسويف في ذلك، حيث لم يعد هناك من ذرائع بهذا الشأن، خاصة وأن هذه المناطق (داريا وغيرها) تمت استعادتها منذ سنوات، وجرى الحديث مطولاً عن العمل على بناها التحتية وخدماتها تمهيداً لعودة أهلها، وذلك حسب ما تم إعلانه والتصريح به رسمياً؟!
وردة وسط الدمار!
على الطرف المقابل، وبالرغم من هذه المآسي كلها، تروي لنا إحدى الفتيات بأنها تخرجت منذ ما يقارب العامين من كلية الحقوق، وقد درست وتخرجت وهي تقرأ على ضوء ولاعة السجائر، بحكم عدم وجود كهرباء في الأبنية التي كانوا يقطنوها قبل طردهم منها.
ولعل هذه الصبية مثال حي على مقدرة السوريين على مقارعة الظروف والانتصار للحياة حباً بها، بالرغم من المآسي والمعاناة كلها، والتخلي الرسمي عنهم، وكأنها نبتة أورقت وسط الدمار، حالها كحال الكثير من مثيلاتها وأشباهها خلال سني الحرب والأزمة الطويلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 831