من الظلام إلى الظُّلم
يتوقع أبناء دير الزور والرقة بأن معاناتهم ستنتهي بمجرد تمكنهم من الهرب من مناطق سيطرة التنظيم الإرهابي «داعش» وعناصره، والتخلص من جور وبطش هؤلاء، إلا أن توقعاتهم سرعان ما تصطدم بواقع أمر، وربما أسوأ.
يصل هؤلاء الفارون إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في محافظة الحسكة، حيث يتم غالباً وضعهم في مخيمات، تختلف بالتسميات والمكان، وتتشابه بظروف (الإقامة الجبرية- وتوفر الخدمات والمساعدات- والاحتياجات الرئيسة).
تسميات مختلفة والمعاناة واحدة!
مخيمات (الهول- السد- الشدادي- قانا- الكرامة- مبروكة- ريشي- نيروز- عين عيسى- وغيرها) كلها مخيمات تم إحداثها منذ سنين لإيواء النازحين والهاربين من البطش الداعشي، سواء من السوريين أو من العراقيين، وهذه المخيمات موزعة في مناطق: الحسكة والقامشلي وعلى الحدود العراقية السورية، وعلى الحدود السورية التركية، وبالقرب من دير الزور والرقة، وجميعها تحت سيطرة وإشراف الإدارة الذاتية، ويبلغ أعداد المقيمين في هذه المخيمات بعشرات، بل بمئات الآلاف، وتختلف هذه الأعداد بين مخيم وآخر، وبين الحين والآخر، تزامناً مع موجات الهرب والنزوح.
المعاناة هي ما يجمع قاطني هذه المخيمات، اعتباراً من لحظة استقبال هؤلاء الهاربين والنازحين عبر مصادرة بطاقاتهم الشخصية، ومصادرة حريتهم بالخروج منها لأجل الانتقال إلى بقية المدن السورية، مروراً بنقص الخدمات المتوفرة في هذه المخيمات بشكل كبير (خيم- فرش- بطانيات- مياه شرب- صرف صحي- وغيرها الكثير)، ناهيك عن ظروف المعيشة القاسية بسبب عدم توفر المواد والاحتياجات الأساسية وندرتها، والاستغلال الناجم عن ذلك كله من قبل البعض من المتحكمين بإدارة هذه المخيمات، التابعين للإدارة الذاتية وأتباعهم.
مصادرة الحرية
رغم كل أوجه المعاناة السابقة، إلا أن المشكلة الأكبر بالنسبة لهؤلاء تتمثل بمصادرة الحرية بالخروج من هذه المخيمات، حيث يُمنَعون من المغادرة والحركة خارج المخيمات، مع المراقبة والمتابعة الدائمة، ناهيك عن حجز البطاقات الشخصية، التي تعتبر عاملاً أساسياً في منع التحرك، ولو هروباً من هذا الجحيم.
تتذرع الإدارة الذاتية بالظروف الأمنية، وضرورة التحقق من هؤلاء ومدى ارتباطاتهم بالتنظيم الإرهابي «داعش»، كونهم فارّين من مناطق سيطرته، وهي ذريعة تسقطها طيلة مدة احتجاز هؤلاء، كما تسقطها بعض أوجه الفساد المتمثلة بتسهيل خروج البعض منهم لقاء بدل نقدي، يكبر أو يصغر، حسب عدد من يسهل خروجهم من العائلات والأفراد، وحسب الوجهة المقصودة لاحقاً، أو عبر غض الطرف عن بعض عمليات التهريب التي تتم من هذه المخيمات، وأيضاً لقاء بدلات نقدية كبيرة، وهذه وتلك، تصل إلى حدود مئات الآلاف من الليرات السورية أحياناً، بالإضافة إلى تكاليف التنقل والسفر ومخاطره.
شروط تعجيزية للاستغلال
الشروط التي وضعتها الإدارة الذاتية من أجل السماح بخروج هؤلاء من المخيمات بشكل رسمي تتمثل بوجود كفيل لهم من أبناء محافظة الحسكة، من الأكراد حصراً، أو وجود صك ملكية، لأرض أو بيت، باسم رب الأسرة في المنطقة المسيطر عليها من قبلهم، وهذه وتلك تعتبر شروطاً تعجيزية لا يمكن توفرها فيمن خرج هرباً من البطش الداعشي، في كل من دير الزور والرقة.
إلّا أن ذلك على الطرف المقابل كان فرصة للاستغلال من قبل البعض، فقد نشطت على هامش هذه الشروط التعجيزية شبكات التزوير، حيث تجري عمليات التزوير بصكوك الملكية، وتقدم للإدارة الذاتية كوثيقة معتمدة مبرراً لإخراج البعض من الحجز الظالم، طبعاً مع الكثير من التكاليف المرتبطة بعملية التزوير وشبكاتها، ناهيك عن شبكات التهريب التي نشطت هي الأخرى بناء على الشروط نفسها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الشروط لا تُطبَّق دائماً، بل وكأن ما يحكمها نوع من المزاجية، حيث إن الكثير من العائلات التي تصل إلى هذه المخيمات، لديها معارف وأقرباء في المحافظة وقد تقدم هؤلاء لكفالة معارفهم وأقربائهم، إلا أن الإدارة الذاتية لم تعر ضوابطها وتعليماتها أي اعتبار، وما زالت تحتجز حرية هؤلاء.
والنتيجة: أن الشروط الموضوعة من قبل الإدارة الذاتية يتم خرقها، سواء من قبلها بعدم اعترافها بها والمزاجية التي تحكمها، أو من قبل الشبكات التي نشطت على الهامش استغلالاً لأوضاع هؤلاء النازحين.
ظلم أشد مضاضة!
مع الأخذ بعين الاعتبار أنه من المستغرب، بل والمستهجن من الإدارة الذاتية، أن يتم التعامل مع المواطنين السوريين بهذا الشكل من استلاب الحقوق، تحت أيةِ ذريعة كانت، بما في ذلك الذرائع الأمنية، التي تسقط مع طول مدة الاحتجاز.
فهؤلاء الفارون هرباً من الظلم الداعشي، كانوا متفائلين بخلاصهم من هذا الظلم والظلام، وتفاجؤوا بنير الظلم الأقسى في مخيمات الاحتجاز، ليس على مستوى الخدمات والمعيشة، بل على مستوى حرية الحركة والتنقل، والحرية الشخصية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 826