نازحو الرقة معاناة لا تنتهي
معاناة أهالي محافظة الرقة لم تنته بخروج من استطاع منهم، نزوحاً، من تحت نير الإرهاب الداعشي الذي فرض عليهم منذ عام 2013، فالنازحين من أهلنا من محافظة الرقة استمرت مسيرة معاناتهم بعد النزوح، ولكن هذه المرة بأوجه وأشكال جديدة.
المشكلة الأهم التي يعاني منها هؤلاء، تتمثل بإمكانية حصولهم على الوثائق الشخصية (البطاقة الشخصية، البطاقة الأسرية «دفتر العائلة»، إخراجات القيد، تسجيل الوقائع المدنية في سجلات القيد والأحوال المدنية)، وغيرها الكثير.
رغم النزوح الأولوية للوثائق!
مما لا شك فيه أن سني العزلة التي فُرضت على هؤلاء من قبل التنظيم الإرهابي «داعش»، والتي قاربت السنوات الأربع، قد حملت في طياتها الكثير من الواقعات المدنية، التي لم يتم تسجيلها بسجلات الأحوال المدنية الرسمية، وما زاد الطين بلة على هؤلاء أن التنظيم الإرهابي عمد إلى مصادرة الكثير من هذه الوثائق وتجريدهم منها، وخاصة البطاقات الشخصية، الأمر الذي فرض عليهم أن تكون أولويتهم بعد خروجهم من المحافظة، ونزوحهم إلى بقية المحافظات والمدن الآمنة، هي الاستحصال على وثائق جديدة، بالإضافة إلى تسجيل الوقائع المدنية (زواج- ولادة- طلاق- وفاة) وغيرها، كونها مرتبطة بحياتهم اليومية، وبسبل تنقلهم وبعملهم وبمستقبلهم ومستقبل أبنائهم.
المحامي العام لمحافظة الرقة، ومقره دمشق حالياً، أعلن عبر إحدى وسائل الإعلام مؤخراً، بأن 80% من أهالي المحافظة قد نزحوا منها، خاصة خلال الفترة الأخيرة، مقدراً أعداد هؤلاء بالمحافظات والمدن التي توزعوا بها على الشكل التالي: بدمشق يتراوح عددهم بين 50- 60 ألف مواطن، في حماة بحدود 20 ألف، وفي اللاذقية بحدود 8 آلاف، وفي حلب بحدود 5 آلاف، بالإضافة إلى الموجودين من هؤلاء في الأرياف، وقد تم إحداث محاكم شرعية مخصصة لأهالي الرقة في كل من دمشق وحماة، وذلك من أجل تثبيت وقائع الزواج والطلاق، وغيرها من الوقائع الأخرى.
معاناة واستغلال!
في مديرية الشؤون المدنية في الرقة، العاملة في محافظة حماة، كانت المعاناة بالنسبة للأهالي كبيرة، وخاصة على مستوى الحصول على بطاقة الشخصية، حيث يضطر هؤلاء للانتظار عدة أيام، قد تطول لتصل لحدود الأسبوع أو العشرة أيام، من أجل الحصول على البطاقة الشخصية، أو غيرها من الوثائق الأخرى، فيما هم مضطرون للمبيت في الفنادق أو في العراء، طيلة هذه الأيام بانتظار تلك الوثائق، مع ما يترتب على ذلك من معاناة إضافية، سواء على مستوى الإنفاق، أو على مستوى التشرد.
هذه الحال أوقعت البعض من هؤلاء النازحين فريسة للاستغلال من قبل بعض الأشخاص تحت مسمى: معقبي معاملات، أو الوساطات وسواها، عبر تسديد مبالغ مالية قد تصل أحياناً لمبلغ 25 ألف ليرة، من أجل تسريع عمليات الحصول على كل وثيقة من الوثائق المطلوبة، وكلما زاد المبلغ تم اختصار المدة، والتي ربما لا تتجاوز الساعات في بعض الأحيان، حسب المبلغ الذي يُجبى، استغلالاً وجشعاً وفساداً، ما يعني عملياً المزيد من التكاليف الإضافية التي ينوء بحملها غالبية هؤلاء، مما يعني استمراراً لمعاناتهم.
مدير الشؤون المدنية لمحافظة الرقة بحماة قال: بأن مدة الحصول على البطاقة الشخصية لا يمكن أن تتجاوز ثلاثة أيام، وذلك حسب ما صرح به عبر إحدى القنوات الفضائية السورية، مشيراً إلى الكثير من أوجه المعاناة التي يعاني منها كادره العامل في المديرية، اعتباراً من النقص بتعداد العاملين بالمقارنة مع تعداد مقدمي الطلبات من الأخوة النازحين، مروراً بضيق المكان المخصص للمديرية، وليس انتهاءً بالتقنيات المتوفرة والاعتماد على الكهرباء فيها.
إجراءات واجبة:
بالمقابل لا بد من القول: بأن المبررات الرسمية أعلاه، والأيام الثلاث التي تم الحديث عنها من أجل الحصول على البطاقة الشخصية، وحدها كفيلة بإيجاد هذا الهامش من الاستغلال والفساد: الذي يقوم به ويمارسه البعض، على حساب حاجات النازحين ومعيشتهم في نهاية المطاف، وهو ما يجب أن يتم تداركه بالتسريع بالإجراءات الرسمية، عبر زيادة أعداد العاملين وزيادة المساحة المخصصة للمديرية، وتأمين التقنيات اللازمة كافةً من أجل ذلك، والأهم من ذلك كله هو القطع أمام شبكات الفساد التي نشأت على هامش هذه المعاناة.
رغيف الخبز مشكلة أخرى!
النازحون من محافظة الرقة في محافظ حماة، إضافة إلى معاناتهم جراء النزوح والتشرد، وفقر الحال والعوز، والاضطرار للمبيت في العراء من أجل الحصول على بعض الوثائق الرسمية، واجهتهم مشكلة تمثلت برغيف الخبز أيضاً.
فأمام واقعة التوجه المتمثل بتخصيص كل حي بقاطنيه من أجل تأمين مادة الخبز، فقد تم الاعتماد على مندوبين لتوزيع مادة الخبز على الأسر النازحة من محافظة الرقة، الموجودين في حماة، ومعاناة هؤلاء حالياً تتمثل بأن الكميات المخصصة لهم غير كافية لسد حاجتهم الفعلية.
حيث وبسبب الضغط الحاصل على محافظة حماة بنتيجة زيادة أعداد الوافدين اليها، نزوحاً من الكثير من المناطق والمحافظات الساخنة، سابقاً وحالياً، أصحبت كميات الخبز المنتج، أو المتوافرة في الأسواق، غير كافية لسد الاحتياجات اليومية لأبناء المحافظة والوافدين إليها، خاصة في ظل وجود سوق سوداء للمادة، يتحكم بها البعض استغلالاً لحاجة المواطنين، وما زاد الطين بلة هو الإجراء الأخير المتمثل بآلية توزيع مادة الخبز في المحافظة.
توجه وزاري بشأن الخبز!
فقد صرح مدير فرع المخابز بحماة، عبر إحدى وسائل الإعلام، بأنه لا يوجد نقص بمادة الخبز، ولكن هناك إعادة نظر بآلية توزيعه، حيث كان الأهالي يحصلون على المادة من الأفران، وحالياً من مراكز التوزيع المعتمدة، أي: أنه سيتخصص كل حي بقاطنيه، لأن المواطن يسجل دوراً لدى المعتمد ويذهب ويأخذ من الفرن أيضاً، مشيراً إلى وجود خطة مبدئية هي التوزيع بصالات السورية للتجارة، وبسيارات المخابز الجوالة، والأكشاك التابعة لفرع المخابز الآلية بحماة، وسيتم إلغاء دور المعتمد، وهذه الخطة هي قيد الدراسة».
وأمام التوجه العام لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عبر الشركة العامة للمخابز، بإلغاء المعتمدين، والاعتماد في التوزيع المكاني عبر السورية للتجارة، أو الأكشاك والسيارات الرسمية، يتبادر السؤال حول الإمكانية الحقيقية لهذه الإجراءات، بالحد من الاستغلال الجاري بحق المواطنين على مستوى رغيف الخبز من قبل البعض في السوق السوداء، ومن خلفهم من شبكات فساد، على حساب حاجة المواطنين؟
سننتظر لنرى!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 822