ما الذي يحدث في شارع بيروت؟
مما لا شك فيه أن المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة، والتي تعاني بشكل دائم من مشكلات في الازدحام المروري، تحتاج بشكل دائم إلى خطط ودراسات تنفيذية، من أجل حل هذه المشكلات، بشكل آني ومستقبلي، بالإضافة لإيجاد حلول لآثارها ولتداعياتها، وخاصة على مستوى التخفيف من آثار التلوث البيئي، الناجم عن هاتين المشكلتين، والذي ينعكس سلباً على السكان، وعلى مستقبل هذه المدن.
بناءً عليه: يمكننا التساؤل ما الذي يحدث في مدينة دمشق؟.
رسمياً
عكفت محافظة مدينة دمشق مؤخراً بالعمل على توسيع شارع شكري القوتلي «شارع بيروت»، وهو الطريق الواصل بين جسر فكتوريا وحتى نفق ساحة الأمويين.
الحديث الرسمي من قبل المهندس المشرف من المحافظة على التنفيذ يقول: بأن تعريض الشارع يتم وفقاً للمخططات التي تأخذ بالحسبان التطور المستقبلي للواقع المروري ولواقع النقل في المدينة، حيث سيتم بناء على هذا المخطط إعادة رسم الحارات المرورية في الشارع المذكور، مع لحظ الخطة المستقبلية بتسيير «ترين باص» على هذا الخط المروري مستقبلاً، وبأن المشروع وضع بمواصفات فنية عالية، وسيتم تنفيذه ضمن المواعيد العقدية المتفق عليها، مشيراً إلى أن الدراسة التي تم اعتمادها بهذا الشأن مقدمة من قبل هندسة المرور بالمحافظة، وبأن إعادة التأهيل والتنفيذ يتمان بإمكانات المحافظة وبكوادرها العاملة وفعالياتها.
مشاهدات
آليات الحفر والترحيل التابعة للمحافظة كانت تعمل خلال فترة الليل، حيث يقوم عمال المحافظة بالعمل طيلة فترة الليل، وحتى ساعات الصباح الأولى من أجل تنفيذ المشروع، كي لا تتم عرقلة للحركة المرورية على هذا الشارع خلال فترة النهار، كونه من الشوارع المزدحمة، وبالفعل لم يتم لحظ اختناقات مرورية بهذا الشارع بنتيجة أعمال الحفر والترحيل الجارية تلك، وهي سابقة تسجل للمحافظة بعمليات تنفيذ المشاريع على مستوى لحظ تدارك بعض السلبيات الناجمة عنها، ولكن ليس جميعها.
عنصر جمالي وبيئي
الشارع المذكور هو أحد الشوارع الرئيسة في العاصمة، وهو ممتد بطول يتجاوز 1800 متر، وبعرض يتجاوز الـ 10 أمتار، والمنصف الذي كان موجوداً على طول هذا الشارع كان مشجراً بنخيل الزينة، بالإضافة لبعض أنواع نباتات الزينة الأخرى، والتي ما لبثت أن اختفت جميعها في ليلة ظلماء، ليفقد الشارع أحد أهم عناصر الحياة والجمال فيه.
فمن أجل قيامها بهذا التوسيع، وفقاً للخطط الموضوعة والمقررة، لجأت محافظة دمشق إلى إزالة المنصف بما فيه من أشجار ونباتات، حيث قامت بإزالة هذه الأشجار والنباتات مع المنصف، بين ليلة وضحاها، وعددها بالمئات، بالإضافة إلى قضم الرصيف المحاذي لنهر بردى على طول هذا الشارع، مع الإشارة إلى أنه لم يُلحظ وجود أماكن بديلة كي تنقل إليها هذه الأشجار والنباتات على طول الشارع، بدليل الإزالة والترحيل لهذه الأشجار والنباتات، مع ترحيل مخلفات المنصف الإسمنتي.
ما لم تتداركه المحافظة!
المحافظة ربما تداركت بعض السلبيات المرتبطة بالتنفيذ اللحظي للمشروع عبر العمل به ليلاً، منعاً من الازدحام المروري، لكنها بالمقابل لم تلحظ أو تتدارك سلبيات أخرى، مرتبطة بهذا المشروع، والتي تمثلت بإزالة النباتات والأشجار من منتصف الشارع، ليس على المستوى الجمالي فقط، بل لأهميتها على المستوى الصحي والبيئي.
لنتساءل كما غيرنا هل توزيع الأشجار والنباتات في المدن، ومساعي زيادة توسيعها وانتشارها فيها، تعتبر مرتبطة بالطابع الجمالي لهذه المدن فقط، أم أن لها مهمة أخرى ربما أعمق وأكثر أمداً، تتمثل بما تعكسه هذه النباتات والأشجار من ايجابيات على المستوى الصحي والبيئي لهذه المدن وساكنيها؟
هموم عمالية
قضية أخرى لم تتداركها المحافظة بتنفيذها للمشروع تمثلت بالعبء الإضافي الذي حملته لعامليها عبر العمل الليلي، والتساؤل الذي طرح على ألسنة هؤلاء: هل يعلم المحافظ والمكتب التنفيذي أنّ عمال المحافظة برواتبهم الهزيلة، بمعظمهم، إن لم نقل جميعهم، يقومون بأعمال إضافية بالإضافة لعملهم في المحافظة، من أجل ردم الفجوة بين أجورهم وإنفاقهم ومتطلبات العيش الكريم؟
فقد فرض عليهم العمل الليلي إحراجاً مع المسؤولين عن أعمالهم الأخرى في القطاع الخاص، وبعضهم اضطر لترك هذا العمل.
وهؤلاء يقولون: «نعمل في الليل وأمرنا لله، ولكن لم تتذكرنا المحافظة بسندويشة، ولا بشربة ماء حتى، ألسنا بشراً نأكل ونشرب ولنا متطلبات؟»
ومن مطالبهم، صرف طبيعة العمل بشكل شهري، حيث يتم التأخر بصرف هذا التعويض كل مرة، كما يتأخرون بتوزيع البيض والحليب والكساء لأشهر، بالإضافة لعدم تأمين المواصلات لبعضهم بذريعة بعد المسافة، وكيف لا وغالبية هؤلاء العاملين يقيمون بالأرياف البعيدة عن العاصمة.
أخيراً
مما لا شك فيه أن مدينة دمشق بحاجة لإعادة تأهيل الشوارع فيها، بالإضافة إلى ضرورة حل مشكلة الازدحامات المرورية، ومشاكل المواصلات والنقل فيها، آنياً ومستقبلياً، بما ينسجم ويتوافق مع متطلبات الواقع المتغير واحتياجاته وضروراته، ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الغطاء النباتي المتراجع والمتآكل يوماً بعد آخر، مع ما يخلفه ذلك من سلبيات عديدة تحصدها العاصمة وآهليها.
فقد بات ملاحظاً كم التعديات على الغطاء النباتي في دمشق، حتى كادت تصبح أقرب إلى التصحر، وكل ذلك يتم وفقاً للخطط الموضوعة من قبل المحافظة، اعتباراً من بساتين كيوان، التي أصبحت عبارة عن بقعة متصحرة تنتشر فيها الكتل الإسمنتية، مروراً بمنطقة المعرض التي أزيلت منها الأشجار، وليس انتهاءً بما آلت وتؤول إليه الحدائق العامة والغطاء النباتي فيها، جراء التعديات الجائرة بحقها، وبعضها يتم وفقاً لأنماط استثمارية بغايات ريعية، تصب في جيوب البعض من المنتفعين على حساب دمشق وساكنيها، ومجدداً عبر مشروع شارع شكري القوتلي الذي أزيلت منه المئات من أشجار النخيل، ونباتات الزينة الأخرى.
فأيةُ خطط هي تلك، وأي مخططين؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 820