امتحانات الثانوية رعب لا بد من علاجه
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

امتحانات الثانوية رعب لا بد من علاجه

مما لا شك فيه أن الشهادة الثانوية العامة بكل فروعها تشكل عبئاً متزايداً، ليس على الطلاب فقط، بل على ذويهم، وحتى أقربائهم ومعارفهم، وذلك للأهمية المتزايدة لهذه الشهادة على مستوى تأهيل الطلاب والمستقبل المنشود من قبل كل منهم، أو ما ينشده ذووهم من خلف ذلك لأبنائهم.

لقد أصبح هذا العبء أشد وطأة وسلبية، نتيجة الانعكاس السلبي لمجمل السياسات التعليمية المقرة والمتبعة منذ عقود، حيث أضحت شهادة الثانوية العامة تمثل حالة من الرعب المتأصل لدى الطلاب وذويهم، بل ولدى السوريين كافة، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي العام كذلك الأمر، عبر العديد من الإجراءات التي أصبحت ترافق العملية الامتحانية لهذه الشهادة، مثل: قطع شبكة النت أو الاتصالات الخلوية، وغيرها من الإجراءات الأخرى.
تهرب مفضوح من المسؤولية!
أولو الأمر، من أصحاب الحل والربط، يحاولون قصر مشكلة التعليم وتقزيمها على أنها فقط مشكلة امتحانات، وبالتالي فإن الطالب هو من لديه المشكلة وهو صاحبها، كما أنه وحده من يتحمل تبعاتها ونتائجها، في محاولة بائسة ومفضوحة لإبعاد أنفسهم عن حيز المسؤولية الملقاة على عاتق كل منهم، وذلك على مستويات التعليم كافةً، الأساسي والثانوي والجامعي، ممثلاً بوزارتي التربية والتعليم العالي، سواء بما يخص المناهج أو بوسائل التعليم أو بالكادرات التعليمية والإدارية المساعدة، وصولاً للامتحانات ومعدلات القبول الجامعي ومقدار الاستيعاب السنوي منه، وغيرها من القضايا المتعلقة والمرتبطة بالعملية التعليمية ناحية المدخلات والمخرجات، مع عدم إغفال مسؤولية الحكومة بتوجهاتها وسياساتها العامة وانعكاساتها السلبية على هذا الصعيد، وخاصة ما يتعلق بالرعاية وبالتمويل وبالبحث العلمي وبالأجور والتعويضات، وغيرها من القضايا الأخرى، ولعل أهمها ما يجري على مستوى الخصخصة المتزايدة في المجال التعليمي كسياسة متبعة ومستمرة ومدعومة.
سبر لإمكانات الطالب أم لذويه؟
على هذا الأساس فقد غدت امتحانات الثانوية العامة، بفروعها المختلفة، هي نقطة الفصل والوصل على مفترق طريق المستقبل بالنسبة للطالب، ليس على مستوى سبر جهود الطالب بنتيجة جهده طيلة سنوات دراسته، الأساسي منها والثانوي، بل على مستوى مقدار ما يبذله ذوو الطلاب من جهود أيضاً، تتمثل بمتابعة أبنائهم طيلة هذه السنوات، مع رفدهم بكل الإمكانات الإضافية المتاحة، من دورات أو دروس خاصة، وصولاً لآخر صرعات ما يسمى الجلسات الامتحانية، التي تسبق مواعيد الامتحانات بساعات قليلة فقط، مع كل ما يعنيه ذلك من نفقات كبيرة ليس بمقدور الغالبية العظمى من ذوي الطلاب على تحملها، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض عمليات الترهيب والترغيب أثناء العملية الامتحانية نفسها، والتي تزايدت وأصبحت أكثر فجاجة خلال سني الحرب والأزمة، متمثلة بالتشبيح الامتحاني، الذي يطال المراقبين ورؤساء المراكز الامتحانية، أو غيرهم من المسؤولين عن العملية الامتحانية.
والحال كذلك فقد أصبح من المفروغ منه أن شهادة الثانوية العامة قد عززت من وجودها باعتبارها انعكاساً لإمكانات الطالب وذويه ومعارفهم، ولم تعد عبارة عن سبر لإمكانات الطالب فقط، وهذا ما جعلها في النتيجة تمثل هذه الحالة من الرعب المتأصل دون فكاك منه، في ظل استمرار هذه الآلية من التعامل المتغافل مع مشكلة التعليم بتشابكاتها العديدة سابقة الذكر، مع كل ما تحمله هذه التشابكات من انعدام في تكافؤ الفرص، والذي من المفترض أن تكون العملية الامتحانية كنتيجة هي أحد مفاصلها وليس كلها، والتي يدفع ضريبتها الكبرى الغالبية من الطلاب من أبناء المسحوقين، الذين لا يمكن أن تتاح لذويهم الإمكانات المادية أو التشبيحية أو معابر الفساد، كما غيرهم من ذوي الحظوة والمال والمعارف.
تغييب مبدأ تكافؤ الفرص
على الرغم من ذلك ما زال التعامل مع الطلاب يتم على أنهم وحدهم المسؤوون عن كل هذه التشابكات، بسلبياتها العديدة، ولعل أهمها هو فقدان أحد عوامل أركان غايات العملية التعليمية على مستوى المخرجات النهائية، والمتمثلة بالإمكانات الفعلية للطالب، وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص.
ومع تغول التعليم الخاص، وفتح كافة السبل أمامه على مستوى المنافسة غير العادلة مع التعليم الحكومي، وفي ظل رفع اليد الحكومية تباعاً على مستوى التمويل والتأهيل والبحث العلمي، وترك مدخلات ومخرجات العملية التعليمية على حالها، يمكننا القول إن مجمل السياسات المعتمدة والإجراءات والترهل واللامبالاة الرسمية بهذا الحقل الهام وطنياً، لا تصب في مصلحة الغالبية من السوريين، بل تصب في مصلحة القلة من أصحاب الحظوة من الرأسماليين وأصحاب الثروات المنهوبة على حسابنا فساداً ونفوذاً.
بعيداً عن المحاباة والمكابرة
مما سبق يمكننا القول أن ما يجري كل عام عند الامتحانات الثانوية، وخاصة خلال السنين الأخيرة، بما في ذلك ما يجري حالياً، مع كل ما قيل وسيقال عنها، انتقاداً وتصويباً وأفقاً مطلوباً على مستوى تعزيز الإمكانات الوطنية ومستقبلها، يعتبر مؤشراً لنقرع ناقوس الخطر، ليس من أجل مصلحة الطلاب ومستقبلهم، وإنهاء حالة الرعب من التعليم والامتحانات فقط، بل من أجل المصلحة الوطنية بشكل عام، ومن أجل اتاحة المجال واسعاً وفتح الآفاق أمام الطاقات والإمكانات البشرية المتوفرة بشكل عادل ومتوازن، باعتبارها الثروة الحقيقية آنياً ومستقبلاً، ولعل ذلك يبدأ اعتباراً من إعادة النظر بمجمل السياسة التعليمية المتبعة، بكل مفاصلها آنفة الذكر أعلاه، بعيداً عن كل أوجه المحاباة والمكابرة والتهرب من المسؤوليات، أو مساعي تغييب الحلول عن مشكلة اجتماعية اقتصادية عميقة تمس الحاضر والمستقبل.
ربّ ضارة نافعة في الجيوب
حالة الرعب المجتمعي من واقع ترهل العملية التعليمية، ومن الامتحانات لنيل الشهادة الثانوية، تم استثمارها بشكل كلي من قبل المدارس والمعاهد الخاصة، ومن خلفهم المستثمرين الذين غايتهم الأولى والأخيرة حصد المزيد من الأرباح على حساب حالة الرعب تلك، بالإضافة لانتشار المزيد من الدروس الخصوصية التي يقوم بها بعض المدرسين، وكلُّ بسعر.
فالقسط السنوي المترتب على ذوي الطالب أن يدفعه يتراوح بين 150 ألف ليصل إلى 600 ألف ليرة، وذلك حسب الصف الدراسي وحسب المدرسة أو المعهد، بالإضافة للنفقات النثرية الأخرى.
أما على مستوى الدورات الصيفية لشهادة التعليم الأساسي أو الثانوي فتتراوح من 60 ألف ليرة لتصل إلى 150 ألف ليرة، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك، كذلك الأمر حسب المعهد أو المدرسة، كما يؤثر على التكلفة والاستقطاب أسماء المدرسين لكل مادة في هذه الدورات، وكذلك حال الدورات التكثيفية التي يعلن عنها من أجل ذات الغاية، ولكن لفترة زمنية أقصر، وعدد دروس أقل.
وقد درجت مؤخراً ما سميت بالجلسات الامتحانية، وهي عبارة عن جلسة درسية لمادة محددة، يحشد فيها الطلاب المسجون في قاعة صفية واحدة، وبرسم يتراوح بين 4000 ليرة ويصل إلى 6000 ليرة حسب المادة.
هذا غيض من فيض واقع الاستثمار المنفلت للعملية التعليمية من قبل أصحاب الأرباح على حساب الطلاب وذويهم، نتيجة ضغط البحث عن مستقبل أفضل للطلاب من قبل ذويهم.
والنتيجة أن الحديث كل عن مجانية التعليم، والفرص المتكافئة بين الغني والفقير في التحصيل العلمي، بدأت تتهاوى تباعاً، وطبعاً هناك المزيد من الأرباح المتراكمة التي تجنيها جيوب البعض من خلف ذلك كله.

معلومات إضافية

العدد رقم:
814