جماعات مسلحة تتصارع والمدنيون أسرى!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

جماعات مسلحة تتصارع والمدنيون أسرى!

كانت منطقة الشمال الغربي في سورية تعتبر أحد الملاذات للكثير من النازحين السوريين طيلة سنوات الحرب والأزمة، وذلك لتماسها المباشر مع الحدود التركية، وفيها العديد من المعابر إليها، والتي كانت نقطة استقطاب للراغبين في العبور منها، وعبر تركيا إلى دول اللجوء، بالإضافة لاعتبارها نقطة استقطاب خارجة عن سيطرة الدولة للبعض من هؤلاء، كما للعديد من المجموعات المسلحة.

وقد أصبحت هذه الرقعة الجغرافية ذات كثافةٍ سكانية مرتفعة، تفوق إمكانات الاستيعاب والتخديم، مما انعكس سلباً على الحياة المعيشية لأهلها، كما للوافدين والنازحين إليها، ناهيك عن الانعكاسات السلبية للواقع الأمني والعسكري على حياة هؤلاء، بنتيجة المعارك والحرب، والتحكم بالمعابر من قبل المجموعات المسلحة، بالإضافة للجانب التركي.
منطقة تناحر على السيطرة!
ستة أعوام ونيف من الحرب والمعارك الدائرة، بتقاطعاتها مع متغيرات توازنات القوى الداخلية والخارجية، جعلت هذه المنطقة مركزاً لأضخم تجمع للفصائل العسكرية المتناحرة والمتحالفة، والتي تعتبر محافظة إدلب مركزها، والتي يمكن اختصارها بمحورين أساسيين: محور تتزعمه «هيئة تحرير الشام- «النصرة» وحلفائها»، ومحور تتزعمه «أحرار الشام» وحلفائها، وجميعها متواجدة في هذه الرقعة الجغرافية.
هذه الفصائل المسلحة تتناحر وتتحالف وتتصارع على مناطق فرض السيطرة والنفوذ، على كامل المنطقة الممتدة في شمال وغرب حلب- إدلب- شمال وغرب حماة، من منبج مروراً بالباب وإدلب وصولاً لجسر الشغور، بقراها وبلداتها العديدة.
المدنيون رهائن وضحايا!
مئات الآلاف من المدنيين السوريين المنتشرين في هذه الرقعة الجغرافية باتوا أسرى ورهائن بأيدي هذه الفصائل المتناحرة، كما أصبحوا ضحايا دائمين لصراعاتها المستمرة، على الرغم من كل الادعاءات والحملات الإعلامية التي تقول غير ذلك، بل وعكسه أحياناً، في سعيها للتغطية على الواقع المأساوي الذي يعيشه السوريون في هذه المنطقة، والتغطية على الممارسات السيئة اليومية للمجموعات المسلحة، بتعدد ولاءاتها وانتماءاتها وتسمياتها، مع هؤلاء المدنيون.
التحديات التي يعيشها المدنيين لم تقتصر على أمنهم وسلامهم في ظل المعارك المستمرة فقط، بل تعدتها إلى حياتهم المعيشية اليومية، وذلك بسبب نقص الموارد والخدمات المتاحة، اعتباراً من واقع الشح بالمياه، حيث تعتبر موارد المياه المتاحة محدودة ولا تتناسب مع واقع الكثافة السكانية التي تزايدت خلال سنوات الحرب، مروراً بموارد الطاقة، من كهرباء ووقود ومحروقات، والتي تعتبر الكهرباء أهمها، حيث ازداد الطلب عليها، الأمر الذي جعل العجز الكهربائي متفاقماً ومتزايداً، ناهيك عن واقع التحكم بمصادر الطاقة الأخرى، ناحية الكمية والسعر، وليس أخيراً بواقع تزايد معدلات البطالة، في ظل محدودية فرص العمل، وزيادة العرض عن الطلب في سوق العمل المتاح، كون الإنتاج الزراعي هو الغالب على مستوى تأمين مصادر الرزق للغالبية من أهالي المنطقة، الأمر الذي انعكس سلباً على مستوى تفاقم الوضع المعيشي والفقر المتزايد، والذي ازداد سوءاً في ظل ارتفاعات الأسعار لكافة السلع، وخاصة لمستلزمات الحياة اليومية.
فلتان أمني وتعتيم إعلامي!
هذه الحال المتدهورة اقتصادياً ومعيشياً، وغير المستقرة أمنياً، كانت أرضية مناسبة لزيادة معدلات الجريمة والسرقة والسلب والخطف والقتل والتعدي على حقوق وملكيات الآخرين، حتى أن بعضها بات يجري في وضح النهار، سواء على المستوى الفردي الخاص، أو على مستوى المنشآت والمحلات الخدمية والاقتصادية، ما أشاع جواً عاماً من عدم الأمان، ليس في البلدات والقرى الصغيرة، بل في مدينة إدلب نفسها، والتي يتم التغني بوجود مجلس محلي فيها، إلّا أنه عاجز عن ضبط هذه الحال من الانفلات، في ظل انتشار الفصائل والسلاح، على الرغم مما يقوم به من حملات اعتقالات ومحاسبة للأهالي عبر هيئاته، بذريعة اللباس المخالف أو غيره من الممارسات التي يعتبرها مخالفة، مع تعتيم إعلامي كبير على كل ما جرى ويجري على هذا المستوى.
منظمات وهيئات غير فاعلة!
وعلى الرغم من وجود العديد من الهيئات والمنظمات، ذات الطابع المحلي أو الدولي، والتي أخذت موقعها وحيزها، وتستمد إمكاناتها ودعمها، المالي والإداري والسياسي، من مشغليها، سواء عبر الفصائل، أو عبر الرعاة الإقليميين والدوليين، بشكل مباشر أو غير مباشر، والتي أصبحت هي الأخرى سبباً إضافياً للصراع بين الفصائل، بغاية السيطرة والاستحواذ على الإمكانات والدعم المتوافر لهذه المنظمات والهيئات، على حساب الأهالي ومعيشتهم، إلّا أن ذلك جعل من وجود ودور هذه الهيئات والجمعيات والمنظمات، بالنتيجة هو تواجد خجول، ومحدود على مستوى الحياة اليومية للأهالي والنازحين، وأيضاً في ظل تعتيم إعلامي مبرمج ومقصود، مع الكثير من مساعي تجميل وتحسين هذه الصورة القاتمة.
مواجهات أهلية!
الأهالي والنازحون والوافدون، لم يستكينوا بمواجهة تغول واستفحال سوء تعامل المجموعات المسلحة معهم، وانعكاساتها السلبية على حياتهم ومعيشتهم وأمنهم، فقد شهدت العديد من البلدات والقرى الكثير من المواجهات مع هؤلاء طيلة السنوات الماضية، حيث لم تقتصر المواجهة على المظاهرات واللافتات المرفوعة بها، والتي تطالب بفك الارتباطات مع القوى الإقليمية والدولية، بالإضافة للمطالبة ببعض الحقوق المعيشية والخدمية والأمنية، بل تعدتها إلى الانخراط في المواجهة المسلحة في بعض الأحيان، والتي تنتهي غالباً بحملات اعتقال وتصفية، بذريعة الانتماء لفصائل أخرى، حسب واقع السيطرة المتبدلة بين المجموعات المسلحة على هذه البلدات والقرى.
مساعي التسويق والمآل المحتوم!
مما لا شك فيه أن جملة من القضايا المتشابكة، سابقاً ومؤخراً، كانت سبباً لمجمل الحال المتردي على مستوى الحياة اليومية للأهالي والنازحين، وعلى مستوى زيادة الصراعات بين الفصائل المسلحة، وخاصة خلال الأشهر الماضية، وانعكاساتها السلبية على مجمل خارطة الصراع.
فقد تزايد تعداد هذه الفصائل في المنطقة باعتبارها كانت مستقراً للكثير منها على إثر اتفاقات الهدن والمصالحات التي جرت خلال السنوات الماضية، كما كان لاتفاقات مؤتمرات أستانة المتتابعة دورٌ هامٌ على مستوى عمليات الفرز الجارية بين المجموعات المسلحة، المعتدل منها أو الإرهابي، والانعكاس المباشر لذلك على مستوى علاقات جبهة النصرة وحلفائها، ومع تركيا تحديداً، باعتبارها على تماس حدودي مباشر مع هذه المنطقة أولاً، وكونها أحد الدول الضامنة لاتفاقات أستانا، ودورها العملي على المستوى التنفيذي لهذا الاتفاق، والذي يعتبر فك ارتبطاها مع جبهة النصرة وحلفائها، والتوقف عن دعمها والتغطية السياسية والإعلامية لها، بعضاً من نتائجها الحتمية، بغض النظر عن محاولات ومساعي الالتفاف على ذلك، أو تأجيله، والتي كان أولها تغيير اسم «جبهة النصرة» إلى «هيئة تحرير الشام»، مع بعض التغييرات على المستوى الخطابي والإعلامي لها، فقط، كمحاولة ومسعى من أجل تسويقها عبر بوابة الاعتدال، ولكن دون جدوى من الناحية العملية، مما جعل من تخوف «النصرة» يتزايد على مآلها المحتوم.
نحو استكمال الحل واجتثاث الإرهاب
تزايدت معدلات الصدامات والتناحر بين المجموعات المسلحة، بغاية زيادة مساحة الرقع الجغرافية التي تسيطر عليها المجموعات المنضوية تحت لواء جبهة النصرة، المستهدفة محلياً وإقليمياً ودولياً، ولو بحدود الأقوال مرحلياً، عسى أن يعترف بها بحكم الأمر الواقع في ظل السيطرة تلك، بمقابل ازدياد معدلات النقمة الأهلية عليها وعلى حلفائها بدرجة أولى، كما على بقية الفصائل والمجموعات المسلحة الأخرى بدرجة ثانية، ومساعي الأخيرة ركوب موجة الرفض الأهلي تلك، والاستهداف الدولي للنصرة وأتباعها، لتمرير توسيع نفوذهم، عسى يحققوا مع مشغليهم بعضاً من المكاسب العملياتية والسياسية، عبر المزيد من توتير وشحن الأوضاع، أو عبر المزيد من العرقلة، كون بعضهم رضخ بالدخول في معترك العملية السياسية، بنتيجة متغيرات الواقع العسكري والأمني على الأرض، وبنتيجة متغيرات توازنات القوى المحلية والإقليمية والدولية، التي فرضت الحل السياسي وفقاً للقرار 2254 كحلٍ وحيدٍ ونهائي للأزمة السورية، مع الاستمرار بمحاربة الإرهاب، ممثلاً بالنصرة وداعش ومثيلاتهما، وذلك من قبل الدول الصاعدة على مستوى العلاقات الدولية، وعلى رأسها روسيا والصين.
من كل ما سبق ربما يمكننا القول: إنه رغم قتامة المشهد العام، ومساعي التعتيم الإعلامي على ما جرى ويجري في إدلب، خصوصاً، والمنطقة الشمالية الغربية من سورية عموماً، المترافقة مع مساعي التسوق للنصرة وأشباهها، أو مساعي العرقلة والتوتير، عبر غيرها من الفصائل المسلحة الأخرى، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن هذه المنطقة نفسها، ستكون إحدى بوابات العبور نحو استكمال المضي بالحل السياسي وفقاً للقرار 2254، كما في محاربة الإرهاب واجتثاثه من الأراضي السورية، وذلك بما ينسجم مع تصاعد الرغبة الشعبية بالانعتاق من هيمنة هذه الفصائل، ورغبتهم بالحل السياسي، الذي يحقق التغيير الديمقراطي الجذري والشامل الذي يصبون إليه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
813