حراك شعبي في الغوطة

حراك شعبي في الغوطة

مرة جديدة يقع مدنيو الغوطة الشرقية ضحايا لمحتكري السلطة الإلهية من الفصائل المسلحة، بمسمياتها وتبعياتها المختلفة، المنتشرة في بلدات الغوطة الشرقية، وخاصة تلك المنضوية تحت مسميات (جيش الإسلام- هيئة تحرير الشام «النصرة»- فيلق الرحمن).

 

بالمقابل ما زالت بلدات الغوطة الشرقية تحت طوق الحصار المفروض عليها منذ عام 2013، بالإضافة لحصاد سكانها من المدنيين مغبات العمليات العسكرية، والاشتباكات المتبادلة بين الفصائل المسلحة المسيطرة عليها من طرف، والجيش السوري من طرف آخر، على الرغم من وصول بعض قوافل المساعدات إليها، خلال الفترات الماضية، ومساعي المصالحة والهدن، ودخول بعض هذه الفصائل باتفاقات وقف إطلاق النار المعلنة.

توصيات ودعم الممولين والداعمين

عربين- زملكا- حزة- كفر بطنا- جسرين- سقبا- حمورية- المحمدية- هي البلدات التي كانت محاور للاقتتال بين الفصائل المحتربة على النفوذ والسيطرة مؤخراً، بناءً على توصيات مموليها ومشغليها وداعميها، الإقليميين والدوليين، كل حسب أجندته وغاياته، القريبة والبعيدة، بالإضافة إلى رغبات قادة ومتزعمي هذه الفصائل الذاتية، التي لا تخلو من الغرور والمغالاة بالدعم الرباني، حسب مفهوم الاحتكار للسلطة الإلهية لكل منها.

وقد ظهر هذا جلياً عبر أشكال التغطية الإعلامية لمجريات الاقتتال والصراع، حسب الوسيلة الإعلامية، وجهة التمويل والدعم، الدولية أو الإقليمية، حيث تقاسمت الوسائل الإعلامية دعمها للفصائل المتصارعة جميعها بالنتيجة، كما سوغت لها حالة الاحتراب والاقتتال، مع تجيير المسؤولية، بالإضافة للتعبئة والتحريض المباشر والعلني للمزيد منه واستمراره، كما غابت عنها بالمقابل المعاناة الحقيقية للأهالي جراء هذا الاقتتال، والرغبات الأهلية التي باتت معلنة بالخلاص من هذه الفصائل، بغض النظر عن مسمياتها وتبعياتها.

واقع مأساوي وتحركات مستمرة

أهالي بلدات الغوطة الشرقية، الذين يعانون من مغبات الحصار والاقتتال، على مستوى حياتهم وأمنهم ومعيشتهم ومستقبلهم، ضاقوا ذرعاً بواقعهم المأساوي المفروض عليهم، ليس من سلبيات الحصار فقط، بل من الممارسات اليومية التي تطالهم سلبياتها من هذه الفصائل، عناصر وقيادات، وما يدعى بالهيئات الشرعية ومراكز الاستتابة والقائمين عليها، الأمر الذي أدى لخروجهم بالعديد من المظاهرات المنددة بهذه الممارسات لأكثر من مرة، في العديد من البلدات، خلال الأعوام المنصرمة، وخاصة على مستوى تأمين مستلزمات المعيشة اليومية الأساسية والضرورية، واحتكار قادة هذه الفصائل وعناصرهم وأتباعهم هذه المستلزمات والضرورات، في استغلال مباشر لحاجات الأهالي، بمقابل ما ينعم به هؤلاء القادة والعناصر من بحبوحة، سواء على مستوى الاحتياجات الحياتية اليومية، أو على مستوى التمول استرزاقاً من الممولين الإقليميين، وخاصة من قطر والسعودية.

جمر تحت الرماد

على إثر الاقتتال الأخير، ونتائجه وتداعياته السلبية على حياتهم وأمنهم ومعيشتهم، خرج العديد من الأهالي في مظاهرات بوجه الفصائل المتصارعة، لكن التصعيد من قبل هذه الفصائل لم يقف عند حدود التوقيف والاعتقال والإحالة للهيئات الشرعية، أو التصفيات الفردية، علناً أو بعيداً عن الأعين، بحجج وذرائع مختلفة، كما جرت عليه العادة، في كل تحرك شعبي بوجههم، حيث تم بالإضافة لذلك إطلاق النار المباشر على المتظاهرين، وكان نتيجتها وقوع ضحايا من المدنيين، بين قتلى وجرحى، وعلى الرغم من ذلك استمرت المظاهرات، مع حالة من الهياج والفوضى، ومن الشعارات التي تم إطلاقها خلال هذا التحرك الأهلي الأخير كان «يا للعار يا للعار باعو الغوطة بالدولار!»، في رسالة واضحة لكل الفصائل المتمولة، من قبل القوى الإقليمية والدولية، والتبعية اللاوطنية لهؤلاء بالمحصلة.

التصعيد الأهلي وحالة الاحتقان المتزايدة لديهم، بالإضافة للنتائج المباشرة لواقع الاقتتال وانعكاساته السلبية على الأهالي، ضحايا وجرحى ونزوحاَ جديداً من بعض البلدات، فرضت على هذه الفصائل أن تعمل على محاولة احتواء هذا التصعيد، ولو بشكل مؤقت، اعتباراً من تقاذف المسؤوليات فيما بينها عن المسببات والمسوغات، وانتهاءً بالاعتذارات المعلنة عن المسؤولية، والمغلفة بعناوين الاستمرار بالحفاظ على «سلامة المدنيين»، وغيرها من الوسائل الاحتوائية الأخرى، والنتيجة أنّ جمر الاحتجاجات الشعبية تحت رماد مساعي الاحتواء، في هذه البلدات ما زال مضرماً، بانتظار الاشتعال مجدداً بوجه هؤلاء عند أول فرصة مؤاتية للأهالي نتيجة حالة الاحتقان المتزايدة تلك، والرفض الأهلي المتصاعد للتواجد المسلح في بلداتهم.

الاستهداف اليائس لجنيف!

لعله من الجلي أن العناوين العريضة للاقتتال والصراع بين هذه الفصائل، وبغض النظر عن مقدار حجم النفوذ والتأثير، المتناسبة طرداً مع المساحات المسيطر عليها من كل منها، والتأثير المباشر للممولين والداعمين الدوليين. والإقليميين، هي مجريات مباحثات مؤتمر جنيف القادم، ومسار الأستانا الحالي الداعم له، والحل السياسي المرتقب كنتيجة حتمية لا بديل عنها عموماً، والفرز الجاري بين «معتدل» و«متطرف» على مستوى هذه الفصائل، بحكم التوازن الدولي الجديد، وفرض هذا الفرز من قبل القوى الصاعدة دولياً، كشرط لا بد منه، من أجل توحيد البنادق والجهود بوجه الإرهاب كمعركة مستمرة عملياً.

على الطرف المقابل يجب ألا نغفل عن العناوين الجانبية الأخرى، المتمثلة بالغايات المبطنة للرعاة والممولين لهذه الفصائل، إقليمياً ودولياً، من مساعي خلط الأوراق، عبر التوتير والتصعيد الميداني، وتغيير خطوط التماس والسيطرة، والتعبئة الإعلامية المرافقة، التي تسعى بيأس لنعي جنيف وأستانا ووقف إطلاق النار، في محاولات بائسة ويائسة للتأثير على العناوين العريضة أعلاه، ولو كان ذلك عبر سفك المزيد من الدماء، بما في ذلك دماء المدنيين، كضحايا وقرابين، لا يعنيهم من أمرهم سوى زجهم كأرقام في بازارات العهر السياسي والإعلامي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
809